حوار مع الروائي الروسي فلاديمير سوروكين


* لطفية الدليمي

لدينا في بلادنا العربية ، معرفة جيدة بمعظم الادب الروسي الكلاسيكي فمعظمنا قرأ دوستوفيسكي وتولستوي وبوشكين وليرمنتوف مثلما احببنا تشيخوف وتورجنيف وغوغول وصولا الى ماياكوفسكي وآنا اخماتوفا حتى ايفتيشنكو ..

لكننا لانعرف الا القليل عن الكتاب الروس المحدثين الذين تترجم اعمالهم الى لغات العالم كلها راهنا، ترى لماذا حصلت هذه القطيعة قبل وبعد سقوط النظام السوفيتي ؟؟ ماهي الاسباب ؟؟ هل يعود الأمر الى توقف دور النشر الكبيرة عن الترجمة الى العربية وفي طليعتها دار التقدم ودار مير ودار دروغا في روسيا ؟؟ ام بسبب رحيل معظم المترجمين العرب الكبار وفي مقدمتهم سامي الدروبي الذي ترجم دوستويفسكي عن الفرنسية وغائب طعمة فرمان الذي ترجم اكثر من مائة كتاب وجليل كمال الدين والمصري ابو بكر يوسف المتخصص بتشيكوف وغيرهم ؟؟ أو بسبب تردي الاهتمام بالثقافة في البلدان العربية خلال العقدين الاخيرين ؟؟ ام ترى يعود في احد جوانبه الى هيمنة ثقافة القطب الواحد وتغول السوق العولمية في روسيا ؟؟ ولماذا لم تنشط حركة استشراق وترجمة روسية الى العربية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ؟؟ لعلها الاسباب كلها مجتمعة اضافة الى مزاج القراءة العربي الذي تدنى كثيرا في العقود الاخيرة لدى اجيال ولدت بين فوضى الفضائيات وانحدارالفن وانتاج الادب السطحي المقلد من قبل الأجيال الجديدة فضلا عن الاضطرابات السياسية والحروب التي اجتاحت المنطقة ولاتزال.
وأقدم اليوم هذا الحوار مع الروائي الروسي الشهير فلاديمير سوروكين الذي يشغل اليوم موقع الصدارة في المشهد الروائي الروسي ..
و فلاديمير سوروكين : كاتب رواية و دراما ما بعد حداثي ورسام ايضا ، يعد الأكثر شعبية في الأدب الروسي اليوم . ولد سوروكين في عام 1955 قرب موسكو و اكمل دراسته العالية في معهد عال للنفط و الغاز و تخرج منه مهندسا عام 1977 ، و بعد تخرجه عمل لمدة عام واحد في مجلة ” Shift ” و لكن تم ابعاده عن المجلة لرفضه ان يكون عضوا في الكومسومول السوفييتي . شارك سوروكين في السبعينات في عدد من المعارض و صمم ووضع الرسوم الداخلية لأكثر من خمسين كتابا ، و تطورت امكاناته الكتابية وسط الكتاب و الرسامين المنزوين في قاع المشهد الثقافي في موسكو خلال الثمانينات . نشرت له 6 قصص قصيرة في احدى المجلات الباريسية عام 1985 و في السنة ذاتها نشرت له رواية ” الطابور The Queue ” عن دار نشر ” سينتاكس Syntax ” الفرنسية .
تعد اعمال سوروكين مثالا مشعا وصادما لما بات يسمى ” الثقافة السفلية السائدة” ، و قد منعت اعماله خلال الحقبة السوفييتية ثم اخذت تظهر تباعا و بهدوء في المجلات و الصحف الروسية بعد انهيار الامبراطورية السوفييتية و تفككها المدوي .
ترجمت أعماله الى اغلب اللغات الرئيسية في العالم و ساهمت دور نشر عالمية مرموقة في نشر أعماله بضمنها دار نشر ” غاليمار Gallimard ” الفرنسية . تنتمي روايات سوروكين في العموم الى ما يسمى روايات ” الواقع المرير Dystopia” ، و من أهم رواياته : ” يوم أوبريتكنيك Day of the Opritechnik ” التي تتحدث عن قيصر الكرملين الجديد و عن جدار روسيا العظيم الذي يعزل روسيا عن جيرانها . 
هذه مقاطع منتخبة من حوار مع سوروكين أدارته ( كاترين شيميرينسكي ) و ظهر على موقع ” BOBLOG ” في 9 اب 2013 ، والمحاورة كاترين روسية تقيم في كوبنهاغن – الدنمارك و هي حاصلة على الماجستير من جامعة كولومبيا الأمريكية حيث درست الانثروبولوجيا الاجتماعية و الكتابة الإبداعية و هذا ما يعطي الحوار نكهة محببة كون الروائي و محاورته يشتركان في حب الكتابة الإبداعية و يعرفان الكثير عن خفاياها المدهشة ويمتاز الحوار بسخرية مرة وبسالة قول ونرجسية مقبولة..
لطفية الدليمي
الحوار
× ولدت في مقاطعة بينانغ Penang الماليزية . كيف تبدو لك سنوات طفولتك الأولى الان ؟ هل تفتقدين بيت طفولتك في ماليزيا؟
يقضي فلاديمير سوروكين وقته موزعا بين برلين : المدينة التي تكتظ بالبوابات الجميلة و السلالم المدهشة حيث يكاد التأريخ يتحدث اليك و بين بيته الريفي الـ ” dacha ” الخردلي اللون على بعد 30 ميلا من موسكو . حقق سوروكين انتشاره العالمي الصاخب و لفت الأنظار اليه مع نشر ” ثلاثية الثلج Ice Trilogy ” ثم أعقبها ” يوم أوبريتشنيكDay of the Opritechnik ” ثم ” العاصفة الثلجية The Blizzard ” ، و قد قورن سوروكين مع الكاتب الأشهر غوغول لاستخدامه المكثف المعارضة الأدبية و الهجاء المر . يحب سوروكين ان يبدأ حديثه بلغة إنكليزية لكنه يكملها بالروسية و يبدو انه مصبوب من معدن الفضة : شعره ، قميصه و بنطلونه كلها تبدو فضية اللون . تحدثت الى سوروكين في مكتبه البرليني الذي يبدو خاليا تقريبا من أي أثاث او محتويات . 
كاترين شيميرينسكي
× توصف اعمالك بانها تنتمي لفئة روايات ” الواقع المرير Dystopia ” . هل ترى في هذا وصفا جيدا لأعمالك ؟
• مع نشر روايتي ” ثلاثية الثلج ” يمكن وصف اعمالي اللاحقة لها تماما بهذا الوصف مع أنني لم اكن أرمي لهذا منذ شروعي في الكتابة . كانت غايتي عند البدء في معظم اعمالي هي إعادة النظر في تأريخ القرن العشرين من منظور غير متوقع لأنني أرى ان هذا التأريخ ينطوي على الكثير من الكليشيهات الجاهزة و التي تضفي ضبابية على وقائع التاريخ المعروفة .
× في حوار لك مع ( دير شبيغل ) الألمانية قلت ان الكتاب كانوا يكتبون بعيدا عن مضايقات السلطة السوفييتية و شروطها المتعسفة للمعايير الأدبية ، و كانوا ينغمسون في المشهدية الثقافية التي تتيحها العوالم السفلية ، و كان شائعا آنذاك أن تكون عضوا في تلك المشهدية التي أثرت كثيرا فيما تكتب ، ثم تابعت في حوارك المذكور ” بقيت وفيا لثقافة العالم السفلي غير الرسمي حتى بلغت الخمسين ثم حصل ان خرج المواطن الذي بداخلي الى الحياة المعلنة ” كيف حصل ان أبدلت قناعاتك ؟
• حصل هذا التغيير في قناعاتي بعد نشر ” ثلاثية الثلج ” ، فكلنا نتغير و ما حصل في روسيا أثر كثيرا في قناعاتي و هو يذكرني دوما بما كان يحصل في عهد ( بريجينيف ) ، و بصراحة لم يعد في امكاني أن أتنفس هواء ” الدولة الشمولية ” بعد اليوم . أقول أيضا أنني مع كل كتاب اكتبه افتح نافذة جديدة امامي اطل بها على العالم و لهذا تبدو كتبي مختلفة الواحد عن الاخر : انا ذاتي أتغير قليلا مع كل كتاب منها ( يشير سوروكين الى الطبعة الجديدة من روايته ” يوم أوبريتيشنيك ” ) : لن اكتب شيئا مثل هذا بعد اليوم و قد كتبت بالفعل كتابا مختلفا عنه تماما هو ” العاصفة الثلجية ” الذي هو – على خلاف الكتاب السابق – كتاب هادئ يذكر بالشتاء الروسي الطويل و الحالك .
× متى بدأت الكتابة ؟
• ( يضحك ) : بدأت مع أيام المدرسة و قد حصل هذا بطريقة غير متوقعة . كان أحد اجدادي صيادا يسكن الغابات – فنحن أصلا نتحدر من عائلة صيادين – و كنت اذهب كل صيف الى Kaluga Oblast البعيدة و أتماهى مع الحياة القاسية هناك عبر الصيد في تلك الاصقاع الثلجية القصية الشاقة ، و كانت قصتي الأولى عن إوزة سوداء مصابة ……… انتظري ( يرسم على قطعة من الورق ) 
× أتقصد دجاجة برية سوداء ؟
• نعم هذا ما قصدته . كانت قصتي الأولى عن دجاجة سوداء أصابها طلق صياد و كانت تجاهد للبقاء في ذلك الشتاء العصيب و قد نجحت في البقاء و فعلتها و طارت ثانية . و مع تجربتي الثرية أيام الصيد القاسية كانت لدي تجربة أخرى من نوع مختلف مع صديق لي في المدرسة اعتاد – برغم الرقابة السوفييتية الشديدة تلك الأيام – على جلب كتاب مليء بقصص ايروتيكية مخطوطة باليد وكنا نحن الصغار تواقين لقراءة هذا النوع من القصص و هذا ما جعل صديقي يحصل على كمية محترمة من النقود منا !! و قد عزمت على التقليل من ثروته المتراكمة فكان ان كتبت قصصي الخاصة بي و كانت ايروتيكية بالطبع لتجذب الصغار التواقين للمزيد من هذه القصص و اخبرت الجميع انني ترجمتها عن الانكليزية فصدقني الجميع و حصدت شعبية كبيرة بينهم و أحسب أن هذا هو التقدير الأول الذي حظيت به في حياتي .
× كيف استقبل القراء أعمالك هنا في ألمانيا ؟
• ازداد عدد قراء اعمالي في الآونة الأخيرة هنا في الغرب بالرغم من انني أرى الروس أهم قرائي ، لكنني أقدر كل آراء القراء أينما كانوا . ترجمت اعمالي لأكثر من 25 لغة و من المثير ان أعرف ان الالمان يقرأون روايتي الأخيرة ” العاصفة الثلجية ” بعد وقت قصير جدا من نشرها بالروسية ، و ستنشر الرواية العام القادم في الولايات المتحدة الأمريكية أيضا .
× كيف ترى استقبال الالمان لروايتك هذه ؟
• باتت روايتي ” العاصفة الثلجية ” من الأعمال الشعبية هنا في ألمانيا و هو ما افترض فيها ان تكونه : أعني أن تكون عالمية ، فالأدب كما العملة currency ينبغي ان يكون قابلا للتحويل و العرض أينما كان . لنأخذ مثلا : تولستوي و دوستويفسكي ،،، فقد كنت ذات مرة أحضر معرضا للكتاب في ” كوادالاغارا ” في المكسيك و بينما كنت مارا بجانب محل صغير يبيع الكتب لمحت خلال النافذة الزجاجية بين افضل الكتب الامريكية و المكسيكية مبيعا رواية ” أنا كارنينا ” لتولستوي . هذا هو عين ما ينبغي أن نسعى نحن الكتاب للنضال بإصرار لأجله : ان تبقى اعمالنا عقودا و ربما قرونا بعدنا.
 يتبع
______
*روائية ومترجمة من العراق/ المدى

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *