الشاعر العربي والفنان الأوربي، وموضوع الجنس والرضيع

خاص- ثقافات

*داود سلمان الشويلي

في الكثير من الاحيان وأنت تقرأ الشعر، أو تنظر إلى لوحة تشكيلية في الانترنيت، تعلق في ذاكرتك بعض الأبيات الشعرية، أو لوحة تشكيلية،وتسأل نفسك عن هذا الشعر وكيف أنك رأيت لوحة تشكيلية تجسده، أو وأنت ترى لوحة تشكيلية تتذكر أبيات شعر جسدت ما في اللوحة من موضوع،عندها تستحضر الاثنين أمامك فترى اللوحة وتقرأ الشعر فيحدث في ذائقتك تناص أو تثاقف بينهما.

في هذه السطور تذكرت أبياتاً من معلقة امريء القيس،عندما كنت أنظر لوحة تشكيلية للفنان ” دوروثيا ميتزيل جوهانسن”على صفحات الفيس بوك، فزاوجت بين الاثنين، الشعر واللوحة، فظهرتا أنهما متطابقتان في الموضوع والتناول، أي بينهما مثاقفة أو تناص خفي، وواضح.

صحيح أني أظن أن الفنان الاوربي لم يلتق بأمريء القيس، ولم يقرأ قصيدته، إلا أن العباقرة في هذين الفنين يتفقون ولا يختلفون في مسألة الإبداع، لأن ذائقتهم الشعرية تحركهم إلى مكامن الإبداع الإنساني، فيطرحون موضوعات إنسانية متشابهة،لتشابه ذائقتهم، واختيارتهم الإنسانية.

***

والشاعر امرؤ القيس شاعر جاهلي كبير، وهو من أصحاب المعلقات، ضم شعره موضوعات إنسانية كثيرة، تنهل من الواقع المعيش الكثير،وحفلت معلقته”قفا نبكي” بالعديد من الموضوعات الإنسانية اليومية للمرأة التي تقع في العشق وهي في الوقت نفسه لها رضيع ترضعه من ثديها، وهذا ما سنراه بعد قليل في هذه السطور.

في قصيدة امرؤ القيس أبياتاً تؤسس لحالة جنسية عامة تكون عند الأم الرضيع،هذه الأم التي تقع في حبائل الجنس مع زوجها اوعشيقها، فيما طفلها الرضيع ملتصقا بـ” ثديها”يمص ما فيه من حليب كي يشبع جوعه، والأم كذلك تشبع رغبتهها وغريزتها الجنسيتين، فهي حائرة بين الغريزتين،غريزتها إلى الجنس،وغريزة إرضاع ابنها الرضيع لسد الجوع عنده من خلال مصه لثديها ،فتقع تحت شبق غريزتها الجنسية.

والرسم هو الآخر ارتاد مناطق إنسانية كبيرة عبر مسيرته عبر التاريخ،وجسد موضوعات لها علاقة بالمرأة والأم منها،وبإبنها الرضيع،ومن هذه الرسومات لوحة الرسام الأوربي”دوروثيا ميتزيل جوهانسن”الذي جسد فيها غريزة الأم والطفل في سد الرمق من ثدي أمه المستعدة لممارسة الجنس،لأنها تبدو في اللوحة عارية من كل شيء ، والشمس فوق رؤوسهما ساطعة بنورها ودفئها ، إنهما في الطبيعة.

***

في معلقة امرؤ القيس يقول الشاعر:

فَـقُـلْـتُ لَـهَـا:سِـيْرِي وأَرْخِي زِمَامَـه … ولاَ تُـبْـعـدِيْـنِـي مِـنْ جَـنَـاكِ الـمُـعَـلَّـلِ

فَـمِـثْـلِـكِ حُـبْـلَـى قَـدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ … فَـأَلْـهَـيْـتُـهَـا عَـنْ ذِي تَـمَـائِـمَ مُحْـوِلِ

إِذَا مَـا بَـكَـى مِنْ خَلْـفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ … بِـشَـقٍّ،وتَـحْـتِـي شِـقُّـهَـا لَــمْ يُـحَـــوَّلِ

إن الشاعر رسم لنا المشهد المزدوج في أبياته تلك، مص الثدي،والممارسة الجنسية، والفعلان قد تما بوقت واحد،لأن الشاعر مهتم برسم ما كان يحدث، فهي تترك رضيعها يمص بثديها في جانب ، وفي الجانب الثاني حيث ينام عشقها أو زوجها تقوم معه بالممارسة الجنسية.

أما الرسام فقد خبأ ممارسة الجنس لا لشيء كما أظن وإنما ليعطي للمتلقي،بعد أن عرى المرأة، الحرية في تصور ما ينتجه مخياله النشط من أمورعندما يرى إلى امرأة عارية وطفلها العاري وهو يرضع من ثديها وقد كانت الشمس ساطعة عليهما إذ انهما يجسدان فعل الرضاعة في الهواء الطلق.

وأيضا قد رسم الطفل هو الاخر عارياً،وان منتصف جسمه،أي”منطقة مركز ذكورته”،تقابل منتصف جسم المرأة، أي “مركز انثوتها”،وهذا يشير إلى ما كان قد أخفاه الفنان في لوحته البسيطة الألوان والخطوط، إلا انها غنية بالدلالات والمعاني.

ويستطيع المشاهد أن يرى اللوحة كيفما يشاء،إن كانت في الوضع العمودي،أو الوضع الافقي،لأن الوضعين ينتجان المعنى ذاته.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *