عن الرقابة والثقافة والفعل

خاص- ثقافات

*كفاح جرار

هل سبق لكم أن سمعتم “عن” حرّاس العقل من المثقفين وليسوا للتأكيد من العسس؟.

هم يغلقون الأبواب والنوافذ وكل منفذ حسي يؤدي إلى ولادة وعي جديد، ومثل هؤلاء كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله تعالى بنورهم، عندما نصب الواحد منهم نفسه حارس سجن على أسوار العقل.

لا غرابة بعدها إن وجدنا إجابة عرجاء على سؤالنا عمن يعلم أطفالنا لغة عربية مكسرة مهشمة محطمة، فيأتي ليقول تعال فيقول تعاليا، بمعنى التعالي وليس القدوم، ويأتي ليكتب رسالتك فيكتب “رسالتكي.. رأيتكي”.. تلك جريمة نحوية وإملائية تهتز لها عظام سيبويه الفارسي وأبو الأسود الدؤلي من الغضب، وقد تقوم بسببها ثورة عند نحاة البصرة.

الحراس لا علاقة لهم بالمؤامرة الفرانكفونية ولا الثقافية الأجنبية المعادية للغتنا وتراثنا وحضارتنا ومدنيتنا، وهذه للمناسبة مجرد مصطلحات فارغة لا وجود عملي لها، سوى ما تقصه ألسنتنا من خرط أجوف.

عندما تسمع مثقفا عربيا مسلما، يعتز بما يرخي على نفسه من صفات، يتحدث عن ضرورة مراقبة الكتاب وغلق الأبواب في وجهه، وتقنينه وحبسه، يمكنك أن تدرك لم نحن من عشاق اللون الواحد، وليس في جوقتنا أي مكان لغراب أو بوم وحتى شحرور، نحن أحاديون لا نقبل بالتمايز، طالما فينا من يؤمن بضرورة حبس الكتاب وغربلته ومراقبته بحجة الحفاظ على الهوية والمعتقد والبناء الاجتماعي.

هؤلاء ينسون ويتناسون وربما لا يعرفون لأنهم لم يفكروا، أن فرنسا المستعمرة جثمت على عقولنا طيلة قرن وثلثه ولم تتمكن من محونا بل كان الصوم قلعتنا والجمعة حصننا، وعندما دحرت فرنسا ، بتنا نخشى على عقيدتنا ولغتنا ووجودنا وثقافتنا، وكأن كتاب الله تعالى لا يمكنه المقارعة والغلبة؟.

لمن يجهل التاريخ نخبره، بوقائع ثابتة ومحددة منها: قيام السلطات الاستعمارية، ما بين 1830 و 1872 بتخريب ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مدرسة قرآنية وكتاب بالجزائر العاصمة وضواحيها.

كما قامت الإدارة الاستعمارية بنقل مجموعة كبيرة من مؤلفات الأمير العلمية والأدبية الموجودة بمخيم ” الزمالة” بضواحي البرواقية، كما أن آلاف المؤلفات والمخطوطات النادرة ألفها علماء جزائريون ما بين القرن الـ 16 والقرن الـ 19 تمت مصادرتها وسرقتها.

وقد حدث مثل ذلك في كل من الصدوق بمنطقة القبائل وآفلو بالجنوب الجزائري ومازونة بالغرب

ويبلغ عدد الكتب والمؤلفات التي سرقت من مدرسة مازونة أكثر من عشرة آلاف عنوان، والسؤال هنا ليس كيف كنا وكيف أصبحنا، وإنما لماذا حرص المستعمرون على سرقة هذه الإرث الثقافي والإفادة منه، ولم يقوموا بتدميره وطمسه، كما نعمل نحن عندما يدعو بعضنا للحجر على الكتاب وحبسه، فليكن كتابا من تأليف إبليس اللعين، فما الضير في قراءته ومعرفة ما فيه، بل لم الخوف والخشية؟.

هل فقدنا الثقة بوجودنا المعرفي حتى نحبس الكتاب، وربما خاتنا الحجة والفكرة لدحض وتفنيد والرد على ما يتعارض مع ثقافتنا وكينونتنا، فهل بلغ بنا الهزال هذه المرحلة من البؤس؟.

بالمقابل هل تعرفون من هو الصحفي الفاشل برأيكم ومن يكون القاضي الغبي؟.

أرخيت أذني يوما لحديث كان يدور إلى جانبي، والتنصت والإصغاء هي عادة أصيلة أحملها، لست أدري هل كانت قبل إصابتي بداء الصحافة أو من بعد، بل لم أفكر أيهما أسبق عندي، التنصت واستراق السمع أو الكتابة والتحليل، على كل كلاهما متلازمتان إن لم يتصف بهما إعلامي فهو ولا شك فاشل ورديء.

كانا يتجادلان بحماسة وانفعال، وكان الحديث عن كرة القدم الإيطالية، فوجدتهما يتخاصمان من أجل غيرهما في قضية لا تخصمها، وقد كاد الاختلاف يتحول إلى خلاف وتنابز بالألقاب، من جعلني وبقية المستمعين نحتسب ونحوقل، عل الخصمان يفهمان فيرعويان.

كانوا يقولون قديما من لا كبير له فليبحث له عن كبير، وصدقوا فيما قالوا، لأن الكبير قد يعرف ويعي بحكم التجربة والخبرة، لكن معظم كبارنا، مع كل الاحترام لهم، عاشوا وماتوا وهم يعملون بمثل بئيس “امش الحيط الحيط وقل يا رب الستر” بمعنى احفظ سلامة رأسك ولا تلتفت لغيره، وبهذا المثل وغيره حكمنا أحفاد يأجوج ومأجوج، وما زال بعضهم يحكمون.

 

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *