كي تصير كاتبا تخل عن فكرة الإلهام وكتب النقد

*إسراء النمر

في قصيدته الشهيرة “تريد أن تصبح كاتباً”، يقول الشاعر الأميركي تشارلز بوكوفسكي “إذا كان عليك أن تجلس لساعات/ محدقاً في شاشة الكمبيوتر/ أو منحنياً فوق الآلة الكاتبة/ باحثاً عن الكلمات/ فلا تفعلها”، ويقول أيضاً “إذا كان عليك أن تقرأ الكلمات أولاً لزوجتك/ أو صديقتك أو صديقك/ أو لوالديك أو لأي أحد على الإطلاق/ فأنت لست جاهزاً”.

من هذا المنطلق، التقت “العرب” القاص والروائي المصري مكاوي سعيد الذي أشرف مؤخراً على ورشة لكتابة القصة القصيرة، كان نتاجها كتابًا ضم إنجازات لعشرة من الشباب كاتبي القصة القصيرة بعنوان “الطريق إلى النبع”، ليصدر عن الدار اللبنانية المصرية.

رد الجميل

يحرص سعيد في بداية الحوار على إقرار حقيقة هامة هي أن ورش الكتابة لا تصنع كاتباً وإنما تطور أدواته فقط، فلا يمكن تدريب شخص على الكتابة إن لم يكن موهوبا، وأكد أنه لا يتلقى أي مقابل للورش التي يُدرّس فيها، وأن هذا ما يشترطه أيضًا على الأماكن التي تستضيف هذه الورش، ويقول “دافعي الأساسي ليس الربح بل رد الجميل”.

ويضيف سعيد “أشعر بدين كبير للأدباء الكبار الذين التقيت بهم في بداياتي، إذ كان لهم دور في تطوير أدواتي، وفي اهتمامي باللغة الشاعرية، ففي زماننا كان من الصعب أن نجد ناقداً أو كاتباً معروفاً لديه من الاستعداد لأن يقرأ ما نكتبه كي يضع أصابعنا على أخطائنا، ويرشدنا إلى أفضل الطرق لتصحيحها”.

القاص الراحل يحيى الطاهر عبدالله، المُلقب بشاعر القصة القصيرة في مصر، كان واحدًا من الذين يشعر مكاوي سعيد بدين تجاههم، وكان قد تعرف عليه في مقهى “علي بابا” بوسط القاهرة، وحين قرأ عليه قصصه أعلن عن إعجابه بها وساعده في نشرها بإحدى المجلات العربية.

يؤكد مكاوي لـ”العرب” “كنا نترصد الأدباء في المقاهي والندوات، فنتحلق حولهم ونستمع إليهم، لكن القليلين منا من المحظوظين استطاعوا النفاذ إلى أحد منهم، ولهذا أنا أشفق على الأجيال الجديدة التائهة، وأحاول قدر الإمكان مد العون لهم من خلال التواصل معهم عبر الفيسبوك، أو عبر لقائهم في مقهى زهرة البستان بوسط القاهرة، مقري الدائم، أو عبر ورش الكتابة”.

أبعاد أخرى للكتابة

لم تكن الاستفادة من الورشة مقتصرة فقط على الدارسين، بل كان مكاوي سعيد يكتشف معهم أبعاداً أخرى في كتابة القصة، وعن نفسه ككاتب يقول “كنت أعرض عليهم نصوصاً عالمية ومحلية حتى يعرفوا الفرق بين القصة القصيرة ونظيرتها الطويلة، وبين النوفيلا (القصة القصيرة الطويلة) واللمحة وما يُسمى باللقطة”.

يضيف “كنا نقرأ قصصاً لتشيخوف وليوسف إدريس ولإبراهيم أصلان وليحيى حقي ولغيرهم، ومن خلال النقاش الجماعي بدأوا يستوعبون الدرس الأعظم من القصة، وهو أن من لم يستطع التحكم في قصة من ثلاث صفحات لن يستطيع التحكم في رواية من مئة صفحة”.

وجد سعيد أن من بين من يُدربهم من أنجز أكثر من رواية (غير منشورة بالطبع)، رغم أن أعمارهم لم تتجاوز 25 عاماً، وهو الفخ الذي يقع فيه أغلب الشباب الموهوبين خصوصاً في زمن السوشيال ميديا، إذ قد يتوهم أحدهم أنه صار كاتباً جيداً نتيجة “اللايكات” الكثيرة التي تأتي له، “وهو ما يتطلب منه أن يبحث عن عين خبيرة تختصر عليه طريقاً طويلة من المحاولات غير المجدية”.

وشدد على أنه ليس هناك أي انتقاص من الذي يريد أن يصبح كاتبًا إذا شارك في ورشة أو عرض نماذج من كتاباته على أصدقائه أو كاتبه المُفضل، بل عليه أن يأخذ بنصيحتهم ويستشيرهم في ما إذا كان عمله صالحاً للنشر أم لا، لكن بعد أن يصبح كاتباً عليه أن يتوقف عن فعل ذلك لأنه من المفترض أنه قد نضج كأديب، حسب قوله.

الإلهام وحده لا يكفي

وجد سعيد أن الكثيرين من الشباب يؤمنون بفكرة الإلهام الذي هو “شيء حقيقي وغير حقيقي في آن واحد”، موضحًا أن الخطوة الأولى لكي تصير كاتباً هي أن تتخلى عن هذه الفكرة، وعليك أن تظل تكتب وتكتب وتكتب فلا وقت للانتظار.

الورشة كما يشرح سعيد، كانت مدتها 24 ساعة، موزعة على أربعة أسابيع، وكان المطلوب منهم أن ينجزوا في هذه الفترة القصيرة ثلاث قصص، وخاضوا التجربة بتحدٍ وتغلبوا على المزاجية وأدركوا أن الإلهام وحده لا يكفي، أحيانًا تكون لديهم فكرة جيدة لكنهم لا يستطيعون كتابتها، “ولهذا فإن تمرينات الكتابة ضرورية لتطوير أدواتك وإيجاد أسلوبك وصوتك الخاص”.

إلى جانب ذلك، ينصح مكاوي سعيد الكاتب الشاب بالقراءة المنظمة والممنهجة، “فإذا أردت أن تكتب القصة عليك أن تقرأ باستمرار التجارب العظيمة في القصة، لا أن تقرأ روايات فقط، حتى تستطيع أن تفرق بين العمل الجيد والعمل الرديء”.

كذلك على الشاب الذي يريد أن يكون كاتبًا أن يطرق أبواب كل من لن يجاملوه، بل من يخشون عليه بالفعل ومن سيتحدثون عن النص الذي أنجزه لا عن شخصه، وسيكون عليه في البداية طرق أبواب النقاد، وألا يقرأ الكتب الخاصة بهم لأنها قد تربكه وتدفعه إلى تقليد أسلوب معين.

علاوة على هذا عليه أن يهتم بأدوات الكتابة؛ “فليست هناك موهبة في المطلق، لأن الموهبة تستلزم أدوات، وأن يعرف الكاتب كيف يستخدم المخيلة وكيف يصف الشخصيات والأمكنة وصفاً دقيقاً، وأن يعرف أن القصة مثل الطلقة لا تحتمل أي كلمة زائدة، فهي فن مُحكم لا يوجد مخرج له”.

نصيحة مكاوي سعيد الأخيرة للشباب الذين يحضرون معه تلك الورش كانت “ثق بذائقتك لأنها هي التي ستقودك في الغالب، فحين تقرأ عملاً يلمسك من الداخل ستحرص أنت أيضاً على أن تكتب شيئاً يلمس الناس، والمهم حين يحدث ذلك عليك أن تعرف ما الذي فعلته بالضبط حتى خرجت قصتك بهذا الشكل”.
_______

*العرب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *