خاص- ثقافات
*أحمد الحسين التهامي
(دراسة في الاستراتيجيات العامة للإعلام
في بلدان الأطراف أثناء التحول السياسي)
*تحليل الوظيفة الثانية:
الافهامية وهي وظيفة المرسل اليه/المتلقي:
اننا الان نقف في الجهة الاخرى من مخطط الإرسال بحسب رومان ياكبسون ( 14)؛ حيث عملية تلقي الرسالة وفك شفرتها؛ ولعل ما يعظم من اهمية هذه الجهة هو هذه الشكوى المرة التي كثيرا ما نقابلها في الحياة العامة من اداء وخطاب وسائل الاعلام خاصة فى القنوات الفضائية؛ وهنا طبعا قد يقع ان نخطئ تماما في فهم وضعية وحالة مرسل الشكوى؛ فقد يقال في كثير من الاحيان ان كثيرا من الناس يشكون؛ او حتى كل الاناس تشتكي؛ وفي تقديرنا ان الشكوى ليست امرا عاما بل محصورة فقط في بعض الطبقات؛ ؛ فيما يتحول تفاعل طبقات اخرى الاجتماعي؛ ؛ الى نوع اخر من التفاعل؛ ليس هو الشكوى بل قد يتنقل مابين الاعجاب بإبهار قناة ما الى خوض معركة ضدها حين تتضح اهدافها او التسلي بأشكال مذيعيها ومذيعاتها ؛ولكن مع ذلك ثمة سؤال هام هنا؛ هو لماذا تستمر هذه القنوات في البث ان كان ثمة شكوى تبدو للبعض كما لو كانت من كل الناس؟ !على ماذا تعول القنوات في استمراريتها بالرغم من غياب الرضا العام ؟!؛ في اعتقادنا وتقديرنا يمكننا ان نجيب على هذه الاسئلة لكن بشرط غاية في الخطورة ؛ ان نفهم بشكل جيد مما تتكون هذه الضفة من المخطط؟ ما هي طبيعة هذه الفئات وكيف تفكر ؟هذا سيمثل لوحده نصف الاجابة على الاقل؛ خاصة اذا وضعنا في عين الاعتبار ان التخطيط المسبق هو من يجيب على اسئلة من مثل: من هو جمهور هذه المادة المذاعة؟ وما الذي يفضله ؟! ؛ او على الاقل هذا ماتدعيه مصادر محترمة عن التلفزيون ( 15).
علينا هنا ان نعتمد معطيات الواقع الاقتصادي والاجتماعي؛ لنفهم تركيبة هذا الجمهور؛ انصياعا لتعليمات مصادر الكتابة التلفزيون على الاقل !!؛ أي ان نعود لبعض فترات تأسيس الواقع القائم حاليا؛ والذي نظن انه لا يزال يطرد الى الامام بقوانينه العامة وان تغييره او حرفه عن مجراه لن يكون متاحا في القريب العاجل؛ وفي هذا نعتقد ان سنة 1965؛ هي سنة انقلاب حاسم و مؤثر في الواقع الاقتصادي الذي اسهم لاحقا في انتاج الواقع الاجتماعي؛ حيث هذه هي السنة الاولى لاندراج ايرادات النفط بشكل ظاهر وكبير في ميزانية الدولة الليبية ؛ وحيث ولدت هنا فرصة ليبيا مقرونة بمشكلتها : ثمة ثروة هائلة .. لكن كيف وأين وماهي نتائج صرفها؟؛نحيل القارئ الكريم هنا الى دراسة عن التحضر والتمدين للعلامة الليبي مصطفى التير المنشورة بالعدد 30 من مجلة الفكر العربي الصادر في ديسمبر 1982م؛كما ايضا نعتمد نتائج دراسة الباحث الروسي نيكولاي ايليتش بروشين للتاريخ الاقتصادي الليبي(16 )؛ونستنتج منهما معا ان عملية تسريع في التحضر ودخول الليبيين للمدن جرت خلال عقد السبعينات نتج عنها تحولات ادت لاحقا للوضع الطبقي (17)؛الذي سنصفه الان؛ والحقيقة اننا نتخذ من احداث العام 2011م ؛ مؤشرا للفهم و للتحليل (18)؛ والاستنتاج؛ حيث ادت السياسات العامة للفترة مابين عامي 1965-2011م الى ولادة مجتمع ليبي مكون من طبقتين رئيسيتين هما:
-
تجمع اللومبن بروليتاريا:
مجاميع هائلة يفوق عددها ال60 % من تعداد المجتمع بكثير؛ – اعتمادا على انه حتى 1964م كان 39% فقط من السكان حضرا(19) – تتجمع هنا في هذا المستوى الطبقي المتدني من المجتمع؛ اقامت بيوتها على الاطراف الاولى للمدن الكبرى – ليس ثمة مدن في ليبيا إلا اثنتين بنغازي وطرابلس الباقي مجرد بلدات فاصلة-ثم ولدت للأطراف اطراف اخرى وهكذا دخلنا في دائرة لا تزال مستمرة ربما حتى اليوم ولم تتوقف- انظر مصطفى التير يصف تحول طرابلس خلال اقل من عشر سنوات اضخم في الحجم بخمس مرات من حجمها في بداية عشرية السبعينات( 20)– وكل حي جديد يقام في الطرف يكون اكثر حداثة من الاطراف التي تحولت وأصبحت اقرب الى وسط ومركز المدينة؛ والحداثة هنا تعني فقدان التقاليد القديمة التي لطالما حكمت سكان المدن؛ وأيضا فقدان قيم البادية ؛ ونشوء ثقافة هجينة سوف تظل تختبر نفسها لسنوات قبل ان تستقر !! ؛وإذا ما اعتبرنا ان نمط العيش الحديث في المدن هو نمط اوربي بامتياز وقسنا هذه بتلك فثمة مشكلة حقيقية هنا؛ اذ تقوم احياء الفقراء هذه الى حد بعيد بعيدا عن عين الدولة انها تغور دائما نحو البادية والريف المجاور للمدينة بل وأحيانا تلاصق الصحراء؛وهذا يعني ان لدينا سكان مدن هم اقرب الى عقلية البدو الرحل منهم الى عقلية المدن؛ وهذا يعني تحديدا ميلا اقل للترفيه وميلا اقل لاكتساب الثقافة والتعليم ؛ فما بالك والحالة الاقتصادية لهولاء هي اضعف بكثير من غيرهم من سكان البلاد؛ مع ميل عال نتيجة الايراد النفطي المتاح للاستهلاك وامتلاك ادوات الترفيه والتبريد والسيارات؛ أي الاشياء التي لا تحتاج مجهودا عقليا بل يكفي حفظ خطوات تشغيلها؛ ونظرا للطبيعة النفسية لأصول هذه المجاميع من البشر التي يشرحها بالتفصيل ايفانز في كتابه( سنوسيو برقة)؛ من ميل لعدم الخضوع للدولة بل للثورة الدائمة ضدها (21)؛ فان هذه المجاميع تنشئ اقتصادا خارجا عن رقابة الدولة ولا يكاد حضور الدولة عندها يتجاوز مركز الشرطة في مركز الحي؛ او الى حد ما : المدرسة؛ والمدرسة تتحول تدريجيا الى شئ خارج رقابة الدولة بطول الوقت !! ؛ اذ تتم ادارتها تقريبا بطريقة اهلية ؛ يحترم فيها من الخارج ستار التعميمات والمناشير؛ ومن الداخل تخضع لظروف شلة مديرها؛ بل حين يتحسن حالها كما رأيت بعيني تصبح خاضعة لإدارة عقلاء المنطقة من قدامى مدرسييها؛بل يصل الامر في بعض الاحيان ان تعقد فيها لمات المدرسات؛ أي تتحول الى مركز اجتماعي لا علاقة له بالدولة من قريب او بعيد؛ وهكذا هو حال بقية المؤسسات (مثال عيادة الحي)؛اما اغلب نشاطات سكان هذه المناطق فهي تلك التي تجري بدون علم الدولة ؛ فيتركب منها مجتمع فرعي اخر متعدد الطبقات الى حد ما؛والأمر المحير هنا ان اغلب سكان هذه المناطق يعتمدون في معيشتهم على دخل اساسي يأتي من الدولة الغائبة !!؛فثمة هنا يسكن عدد هائل من صغار الموظفين الحكوميين ؛والسائقين في المصالح الحكومية؛ وعدد كبير من العسكريين خاصة الرتب الصغيرة؛ وعدد كبير من المعلمين اللذين تحولوا مع طول المدة الى موظفين؛ لكن الحقيقة ان الامر الاكثر اهمية هنا هو: انه لا يمكن القول انهم يعيشون فقط على مرتباتهم هذه؛ فهم في الغالب يتقلبون بين مصدري الدخل هذين؛ اذ يكون لهم دائما اشغال اخرى غير الوظائف الحكومية ؛ وكان هذا الامر في البدء مجرد اختراع صغير لمواجهة ازمات طول مدة صرف الراتب في الثمانينات؛ ثم تحول بمرور الوقت الى نمط معيشة اجباري؛ فهم يمارسون مختلف انواع التجارات الصغيرة من بيع الخضرة الى بيع السيديهات الالكترونية؛ ومحلات العاب الجتوني (22)؛والسمسرة حالة دائمة عندهم ؛ بالإضافة الى اقامة الكثيرين منهم ورشا دائمة ومطاعم ايضا؛ وتجارة تجزئة المنظفات؛ وهذا يجري وفقا لتنقل لا يحكمه ضابط بين هذه المهن والخدمات والتجارات؛ مما جعل هذه الطبقات تستحق اسم : بروليتاريا رثة (لومبن بروليتاريا)؛ فليس ثمة مهن محددة لأناس هذه الطبقات؛ بل يتنقلون بين قطاع واسع من المهن الدنيا؛ في حدود دخل صغير زائد؛ ولا يكاد اناس هذه الطبقات ينجحون في ادخار أي مبالغ مالية ؛ فطبيعة حياتهم ان ما يرد يذهب بسرعة لافتة( فمثلا: شوارع احياء هذه الطبقات تستلك سياراتهم بسرعة ؛ حيث انها غير ممهدة ولا معبدة في غالبيتها)؛ لذا فان أي تحسن مؤقت في الدخل نتيجة الاعمال المذكورة اعلاه؛لا يؤثر كثيرا في تغيير تصنيفهم الطبقي؛ ولو حدث تراكم رأسمال هنا فسيكون حدوثه بطيئا جدا لا يكاد يقارن بما يتحصل بطرق اسرع لدى طبقات اعلى؛ أي عند كبار الموظفين الحكوميين وبطريق تحويل الدولة وأملاكها الى استثمار دائم !!؛ وهو امر يشترك فيه اغلب الناس في ليبيا منذ الغفير وحتى المدير؛ بل ان مساعدات الدولة وسلفها وقروضها هنا كانت اشبه بانسكاب الماء في الرمل !!.
وقد يحدث – وان كان حدوثه نادرا – ان بعض افراد هذه الطبقات؛ ينجحون في الخروج من حيز الدخل المحدود؛ لكنهم مع ذلك لا يغادرون في الغالب اماكن سكنهم القديمة في وسط احياء اللومبن بروليتاريا؛ ذلك ان مستوى ثقافتهم او تعليمهم ونمط سلوكهم لا يتساوق مع نمط سلوك الطبقات الاعلى؛ مما يزيد في ارباك المتعلمين والمثقفين ؛ويدفعهم لتبني وجهات نظر معادية لوجود الطبقات؛ بل واعتبارها نمطا معيشيا اوربيا صرفا !؛ وذلك وهم مطلق؛ ولكن هذا لا ينفي واقعة ان الترتيب الطبقي الليبي هو في غاية التشويش ؛ اذا ما قيس بمعايير اوربية خالصة… ومع ذلك فهو موجود ومؤثر؛ بالرغم من ان تكوين الثروات في ليبيا يجري الان وانأ اتحدث اليكم ولكن تحت سيطرة كاملة للكاميرات المفتوحة والأقمار الصناعية وشبكة الانترنت؛ مما يوسع تلقائيا مساحة الطبقات الوسطى؛ اذ تستخدم لإخفاء بعض راس المال المتراكم بعيدا عن الانظار.
ولا يكاد يخلو بيت في هذا المستوى الطبقي من تلفاز او اثنين او حتى ثلاثة؛ فتقريبا هذا هو جهاز الترفيه الوحيد الذي تعرفه هذه الطبقات؛ فيما يكاد تنعدم عندهم أي امكانية لمشاهدة السينما او المسرح؛ وحتى دخولهم الى عالم النت يكاد ينحصر في الفيس بوك ؛ وكمشاهدين صامتين من الدرجة الثانية؛ فيما استهلاك الجرائد لا يجاوز معرفة نتيجة الثانوية او الاعدادية فقط.
وتعامل هذه الطبقات مع التلفاز والفضائيات ؛ يميل الى تشخيص القضايا؛ وربط التعامل مع اختيارات وتوجهات المذيع مثلا؛ وهو امر صحيح الى حد كبير؛ولكن ثمة امور اخرى تعقد مشهد المذيع الذي يوجه حديث حرا الى الناس؛ فثمة مصالح ولدت القناة نفسها؛ وثمة اعتبارات سياسية ايضا ولدت القناة؛ فلك الان ان تتخيل الحرية التي يتمتع بها المذيع هنا؛ وعموما فان ابناء هذا المستوى يميلون الى التعامل مع الحرب على انها صراع ديكه وتبادل لكمات مستمر لا يتوقف !!؛ والحقيقة ان شخص المذيع مؤثر في هذا المستوى اكثر بمراحل من خطابه مثلا؛ أي ان ثمة جملة من المعطيات الشخصية الفردية تحكم هذا المستوى من التعاطي؛ ومع ذلك ففي هذا المستوى نفسه ثمة مساحة واسعة للتأثير في الجمهور لم تشغل حتى الان !؛ وهذه المساحة تحتاج الى ادارة معقدة لا تتوفر اليوم في الفضائيات الليبية؛ وسوف نذكر على سبيل المثال نموذجا متداولا ومعروفا: هو اعادة بث تسجيلات اليوتيوب ؛ فهذا فقط يمنح امكانية عمل واسعة لأي مفكر حر ان وجد.
والحقيقة ان العلاقة بين هذا المستوى والعمل الاعلامي لا تنحصر فقط في اوجه التأثير المتبادل؛ بل تتعداها الى ان هذا المستوى افرز ممثليه الى هذه الفضائيات؛ و اصبحت لهم حصة مؤكدة في ساعات البث لكن طبعا مع تخلف وتدني مستوى الادارة وتخلف خياراتها.
-
تجمع الطبقات الوسطى:
تسكن هذه الطبقات في الاحياء الاكثر قدما ؛ باتجاه المركز القديم للمدينة؛ وتتكون اساسا من الموظفين الحكوميين؛ وفئة صغيرة العدد من التجار؛ وشرائح واسعة من خريجي الجامعات المهندسين و الاطباء والمعلمين الخ ..؛وتكاد الكثير من سلوكيات الطبقات البروليتارية تلتصق بها ؛ اذ تبدو هذه كما لو انها قاعدة فهم سلوك المجتمع ؛ انها نمط تفكير مسيطر وليس مجرد حضور فقط؛ وربما يعبر هذه عن حقيقة مجردة وهي انه في سنة الصفر بالنسبة لاحتساب اثر الريع النفطي( سنة 1964 ) كان فقط ما مجموعه 39% من السكان هم من الحضر؛ ولم يمض عقد بالكاد ؛حتى انقلبت النسبة تماما (23)؛وهنا تجدر الملاحظة ان هذا التجمع يعتبر كبيرا اذا اجرينا مقارنته بالنسب الاوربية؛ اذا ان السياسات الاشتراكية التي اعتمدت لفترات طويلة تجاوزت الثلاثين سنة؛ ادت الى توسيع هذا التجمع على حساب ما تحته وما فوقه ايضا !!؛ بل لقد عاشت ليبيا لعقد كامل تقريبا(79-89) دون وجود هذا الفوق نظريا على الاقل !!؛ ولكن ثمة معطى يمنع القول بتفوقه على ما تحته؛ ويرجح بوضوح كاف اتساع حجم ما تحته (البروليتاريا الرثة)؛ حيث ان نسب اكتظاظ الاحياء الفقيرة تتفوق بما لا يقاس على الاحياء في مركز المدينة او الاحياء التاريخية حتى !!؛والحقيقة ايضا انه ثمة الكثير من الاحياء والمناطق التي يتماس فيها هذين المستويين بشكل كبير؛ لكن عامل تمييز هذه الطبقات الى حد كبير هو ايضا عامل ثقافي؛ أي نسب التعليم المرتفعة؛ وأنماط السلوك المدينية العادية؛ وجزء من وظائف هذه الطبقة ايضا؛ ادارة انسياب السلع والخدمات نحو الاسفل؛ وعن طريق التحكم في هذا المسار في دولة كانت حتى وقت قريب شديدة البيروقراطية ؛ تتمكن بعض فروع هذا التجمع من الحفاظ على كونها تنتمي الى هذا المستوى المتوسط؛ وقد كان هذا التجمع بالذات هو عماد الكثير من مسيرات العام 2011 الاحتجاجية مع بعض البرجوازية الكبيرة قليلة العدد اصلا؛ ثم حين اتجهت الامور الى الحرب؛ تصرفت هذه الطبقات بنذالتها المعتادة وتراجعت الى الخلف؛ دافعة الطبقات الاكثر فقرا الى اتون الحرب؛ مكتفية بالفرجة والتظاهر؛ وتوجيه النقد؛ وتقديم الدعم المعنوي وخدمات التموين و الاسعاف !!؛ واغلب العاملين في وظائف الاعلام هم عمليا ينتمون الى هذا المستوى الطبقي؛ وكلمة الناس التي يرددونها دوما لا تكاد تجاوز بمعناها هذا المستوى الذي يعيشون فيه ولا يكادون يغادرونه؛و اغلب الانشطة التجارية لهذا التجمع تعتمد على السلف الحكومية و ادارة اقتصاد الفساد؛ بل الاكثر صحة ان نقول هذا المستوى كله هو وليد اقتصاد الفساد المدلل !! وبالرغم من ان العاملين في الاعلام ؛في غالبيتهم؛ ينتمون لهذا المستوى إلا ان البرامج المصممة خصيصا لهذا المستوى تكاد لا توجد إلا نادرا؛ لان الخصيصة الرئيسية لهذا المستوى كما هي ارتفاع نسب التعليم هي ايضا انحطاط الثقافة العامة؛ وغياب المبادرة والاكتفاء بترديد الشعارات عن الحرية الفارغة من أي مضمون حقيقي؛ والاكتفاء بالأعمال الحكومية؛ بل والقتال الشرس في سبيل نيلها؛ وهنا ايضا ثمة مساحة كبيرة لبرامج تصمم لمخاطبة وتعليم والترفيه حتى لجمهور هذا المستوى ؛ لو وجدت الادارة المفكرة (24).
وقبل ان نغادر مسالة التصنيف الطبقي للجمهور؛ علينا مراعاة التالي:
انه بين هذين التجمعين ثمة مستويين اخرين هما: ثمة قليل من الناس المعدومي الدخل تقريبا ؛ يعيشون ضمن التجمع الاول؛ وثمة ايضا البرجوازية الكبيرة ؛ وهي قليلة العدد؛ وفي طور النشوء؛ لذا لا تعبر إلا عن انتماءات مدينية فقط ؛ كأن يرفع شعار هزلي تماما ؛ يقول في عز الحرب وحيث المدن الكبرى تذبح بسكين الارهاب: إلا غريان ! !.
وهكذا تكون اكتملت خريطة الجمهور الليبي؛ ولكن ثمة سؤال: ما علاقة هذه الخريطة /التصنيف بالإعلام الليبي ؟!
ثمة الكثير من البرامج التي يعتبرها اصحابها ناجحة لأنها تمكنت من اللعب على غرائز البروليتاريا الرثة؛ بالرغم من انها بالمقاييس الفنية المحايدة فاشلة تماما؛ ووصل الامر ان تمكن بعض من ينتمون فكريا الى اسفل السلم الاجتماعي الى التحكم في اعلى سلطات الدولة ؛ بسبب حالة الانقسام السياسي وتفتت الدولة التي كانت تدعى ليبيا قبل عام 2011م؛ فتقلصت المسافة بين هذه النماذج عديمة التفكير ؛وبين صالة البث المباشر حتى اضحت صفرا؛ فأصبح كثير منها معبرا عن الحالة الفكرية ؛لأجهزة الدولة المفتتة والمنحطة الثقافة؛ وثمة وهذه نكتة لوحدها ؛برامج يرتفع فيها مستوى السلوك؛ حتى كأنه يبدو يشبه تناول لحم بشوكة وسكين؛ فيما ينحط مستواها الفكري؛ الى مادون درجة صفر؛ وهذه بالذات ؛افضل تعبير عن الحالة العامة للطبقات الوسطى الليبية ؛اذ هي ايضا كمثيلتها البروليتاريا -وسطى رثة ايضا !!-؛ مع حجم عال من الادعاء؛ حيث ان امانيها تتجاوز بمراحل قدراتها؛ وضعف الاقتصاد ينعكس بشكل الي ومباشر؛ متمثلا في ظاهرة ليبية خالصة؛ فثمة اشخاص قليلون يعملون تقريبا كل شئ في البرامج؛ فشخص واحد يصنع من نفسه معدا ومخرجا ومقدما وربما حتى؛ لو اتيح له طبعا ؛ مفكرا؛وضيفا على نفسه!!؛ ثمة استسهال سببه الجهل ؛وكمية الشعارات الملقاة في الطريق العام ؛من مثل :ان مشكلة الاعلام كانت في انعدام الحريات قبل 2011م؛ وهو امر صحيح تماما ؛ لكن ثمة قطبة مخفية بالتعبير اللبناني؛ فبالإضافة الى غياب الحريات ؛كان هناك ايضا غياب التأهيل اللازم للعاملين؛ كما غياب التجربة الاعلامية الطويلة.
اذا فتأثير الجمهور في وسائل الاعلام نقترح مقاربته ضمن خطين متوازيين : طلبات ورغبات الجمهور ؛وحجم القدرة على اجابتها وتلبيتها؛ وهذه تقريبا لا تكاد ترى؛ نظرا لغياب مؤسسات استقصاء الاراء في ليبيا والشك في أي احصاء لتوزع الاراء يجري فيها؛ او يمكن احتسابه وهذا هو الخط الاخر ؛و الطريق الاسهل عن طريق انتماءات العاملين في الاعلام الطبقية ؛ومستواهم الثقافي العام؛ وفي الحالتين ثمة مشكلة في ليبيا؛ فنحن بأمس الحاجة الى مؤسسات مستقلة لسبر الاراء والأذواق؛ ونحن ايضا بحاجة لإعادة تأهيل العاملين ضمن اطار العمل نفسه وبإشراف خبراء اجانب.
وقبل ان نغادر دائرة درس الجمهور علينا ان نهتم هنا بمسالة هي في غاية الخطورة تكشفها النتائج اعلاه: وهي غياب ما يمكن تسميته ب (المطبخ الاعلامي) عن القنوات الفضائية الليبية؛اذ يظهر انه ليس ثمة بوابات تفصل متخذ القرار(صاحب المال السياسي) عن المنفذ المباشر(المعد والمذيع الخ…)؛و وظيفة هذه البوابات (=المطابخ): اولا التخطيط بحسب فهم ومعرفة تقديرية- على الاقل ان لم تكن توثيقية دقيقة- لطلبات الجمهور المختلف الطبقات؛ ومن ثم مراقبة المعروض قبل عرضه ورصد رد فعل الجمهور؛ وهذا لو حدث فسيضمن لوحده نهاية علاقة الانعكاس الالية بين السياسة والإعلام في ليبيا؛ والاقتصاد والإعلام في ليبيا؛ وسوف ينقل العلاقة بين هذه القطاعات الثلاث الى مستوى اعلى و اكثر تعقيدا يتجاوز ما هو قائم اليوم بمراحل؛ وللمزيد حول اهمية التخطيط المسبق لمعرفة نوع الجمهور ونوع الخدمة انظر المراجع (25).
وما ذكر اعلاه من عيوب: كانحطاط المستوى الفكري لطواقم العمل؛ وغياب المطابخ الاعلامية بل وغياب التخطيط للفضائيات؛ مرده ان الاعلام الليبي كله ولد من رحم منظومة اقتصاد الفساد ؛ولازالت حتى الساعة هي من تديره ؛ فبين سرقة وأخرى من المال العام ؛يكاد يتوقف تماما الصرف على أي منتج اعلامي؛ لان ثمة قناعة قديمة راسخة لا تزال تسيطر على عقلية البرجوازية الكبيرة كما تماما تسيطر على متخذ القرار الاعلامي الحكومي: ان الاعلام نشاط زائد عن الحاجة؛ فيما تكاد الحياة المعاصرة في المجتمعات من حولنا تجري كل وقائعها على صفحات الاعلام (26) ؛ والحقيقة ان تحليل جهات الفعل هنا هو امر في غاية الاهمية والخطورة (27).
*تحليل الوظيفة الثالثة الوظيفة المرجعية/عنصر السياق:
وتتمثل هذه الوظيفة في عمل اللغة على احالتنا الى الاشياء؛ أي دلالة أي لغة(= بصرية؛ سمعية؛ الخ..) مستعملة في المادة المعروضة نحو ما تشير اليه من احداث(=موجودات= وقائع =تاريخ حي …الخ ) (28) ؛ وهنا يمكننا ملاحظة التالي:
في حالات الحرب بالذات يتم نقل الحرب التي تجري وقائعها على الارض الى حرب اخرى موازية تجري في السماء ( افكر في سي ان ان اثناء حرب الخليج الاولى1990م)؛وهاتين الحربين تتحولان الى خطين متوازيين يجري العمل الاعلامي ضمن التنقل المقصود والمخطط بينهما؛ أي انه ثمة احداث تجري فعلا على الارض؛ لكن تصويرها هو قرار واختيار وزاوية نظر؛ ولا يمكن هنا مقاربة الحرب على الارض باعتبارها مقياسا لحرب السماء؛ فثمة انفصال اساسي يجعل كلا الحربين تجري دون ارتباط احداهما بالأخرى؛ وان كانت هناك دائما لحظات اتصال بين المسارين المتوازيين ؛ أي ان الفائز في حرب الفضائيات قد يكون خاسر تماما في حرب الارض؛أي انه ثمة حرب تحتدم وتشتد بين القنوات الفضائية ؛ وما يجري على الارض من تقدم للجنود ؛ او انسحاب تكتيكي؛ او حتى تراجع استراتيجي؛ و انزال مفاجئ في عمق ارض العدو ؛ تجري تقريبا الكثير من الوقائع الاعلامية الشبيهة به في الحرب بين الفضائيات؛ وقد تبدأ المعركة بالحرب على الجمهور ولا تنتهي لحظة الفوز المؤقت به؛ والعامل الحاسم في الفوز بالحرب الاعلامية ليس فقط القدرة والقوة والمعرفة ؛ وتوفرها عند طرف من اطراف الحرب ؛ فذلك يساعد نعم لكنه لا يحسم؛ ما يحسم الانتصار في أي حرب اعلامية هو : وحدة المرجعية؛ أي تقريبا وحدة الهدف ؛ حتى لو تعددت على الارض القيادات المتنافسة ؛في طرف واحد؛ من ناحية ؛ولكن…….. هذا الفوز مشروط مسبقا بالقبول الجماهيري الواسع بالنتيجة؛ وهذا معطى سابق على اندلاع الحرب؛ لا تحدده الحرب بل هو من يحددها !! ؛ فالطرف الذي يعتقد ان العدد الكبير و الاغلبية من الناس معه؛ يعلن صراحة استمرار الحرب؛ مهما كانت نتائجها على الارض؛ فيما يميل من يعلم جيدا انه خاسر لا محالة ؛ الى اعلان تمسكه بالوحدة الوطنية؛ لتكون سلاحا يوقف تقدم العدو نحوه؛ ويكسبه على ارض الكلمات ما خسره في قلوب الناس.
وثمة هنا مجال للحديث حول طبيعة الهدف الذي يكسب الحرب؛ فكلما كان الهدف سلبيا (= كإسقاط حكومة؛ اسقاط حزب؛ اسقاط نظام حتى….الخ)؛ كلما كان من الممكن تحقيقه بسرعة ؛تتناسب مع قدرة العدو على التماسك طويل المدى في مواجهة الازمة/ الحرب؛وكلما كان الهدف ايجابيا جدا (=تحقيق وحدة البلاد؛ تحقيق اللحمة الوطنية ؛ تحقيق الديمقراطية الخ..)؛ كلما صعب واستطال وأيضا احيانا استحال تحقيقه !!؛ لذا فان معرفة الهدف من الحرب اساس خوضها وكلما كان الهدف سلبيا جدا كان ايضا ممكنا جدا !!.
وضمن تحليل الوظيفة المرجعية لعنصر السياق في مخطط ياكبسون ثمة اليات تحكم ترابط مساري الحرب على الارض وفي السماء منها:
-
الية الاختيار:
يكاد هذا المبدأ يكون عاما جدا ودائما جدا؛ فطوال ما قبل اشتعال الحرب وأثناء الحرب وبعدها ؛انت مطالب بالاختيار بين عديد الشعارات؛ و الامكانيات ونقاط التركيز ؛و لا يمكن لمحارب جاد؛ ان يترك لعدوه تحديد ارض المعركة وطبيعتها؛ وبالتالي ففي السماء؛لا يمكن لك ان تترك العدو حرا في اختيار مكان تركيز كاميراته؛ كما لا يمكنك ان تتركه يختار بسهولة موضوعات النقاش الجاري؛ لابد لكل طرف ان يحاول قدر جهده فرض اولوياته ؛ وموضوعاته؛ وذلك امر ممكن دائما ومتاح شرط ان تتمكن من اجراء التكرار اللازم دون ان تتورط في بعث الملل في نفسية المشاهد؛ أي تنوع قدر الامكان وسائل عرض نفس الرسالة؛ لان طاقة أي جمهور على الاحتمال محدودة؛ والقرف من دعاية ما يحيلها الى شئ مكروه و ممجوج بشدة؛ وبالتالي يرتد اثرها ضدك لامعك؛ وهذا قد يرتب ان تفهم بسرعة كافية انه في كل حرب ثمة عدد محدود من شعارات العدو انت مطالب غصبا بتبنيها علنا؛ على ان تعلن انك الكفيل بأدائها على حق قدرها؛بينما هناك عدد اخر عليك بالسرعة الكافية فضحه وتبديده وكشف ما تراه خلفه من سوء نية تجاه الجمهور العام؛ ومع ذلك فان هذا لا يعني ان تشغل نفسك وقتا طويلا بالرد على العدو ؛ بل بالعكس يجب تبني شعاراته دون ادنى رد ظاهر؛ يجب ان يظهر الرد لاحقا عندما يتمعن الجمهور في كلامك؛ كل رد مباشر هزيمة؛ كل اضطرار الى رد هو نقطة تقدم لعدوك؛على ان هذا لا يعني من جهة اخرى تورطك في الكذب !!؛ لان الرد على العدو ان شمل كذبا سوف تدفع انت لاحقا ثمنه؛ اما من مصداقيتك وبالتالي انصراف جزء من جمهورك المخلص عنك؛ او ان تعطي العدو فرصة للتشهير بك؛ تجاهل الثغرة مع العلم بها ارحم من الكذب فيها؛ والحقيقة ان ما يدفع بعض الاطراف الى الكذب هو معرفتهم الناقصة بمبدأ اهمية فضح ورد العدو لكنهم في الحالة الليبية لا يجيدون هذا الرد؛ فمثلا لو ادعى العدو انه دخل ارضا تتبع لك ؛ فان فتح كاميراتك بشكل مباشر داخل هذه الارض كفيل بدحر مصداقيته؛ او ان كنت فعلا لا تزال تحاول استعادة الارض ؛ فيكفي الاعلان عن تطورات لاحقة دون تورط في القول انه تمت استعادتها مثلا باعتبار ما سيكون !!؛ العمل هنا اشبه بمهمة البهلوان في القفز برشاقة فوق عدة حبال ؛ كل حبل يلتف خلفه لغم !!؛ احيانا يكون من المثير تبني اتهامات العدو لا ردها !!؛ مبدأ الرد يعني دائما ان عليك ان ترفض تهم العدو ؛ احيانا يتوجب عليك تبني اتهامات العدو !!(مثال: القول بان الارهابيين التابعين لفجر ليبيا هم الثوار الليبيون : هذا القول يجب الموافقة عليه دون أي شرط ؛و لا يجب ابدا رده؛ لان تجاهله والقول انهم مقاتلين اجانب ؛ يجعلك تتورط في الكذب ؛اذ لو كانوا فقط مقاتلين اجانب؛ فكيف استمرت الحرب الى اليوم ؟! ان المحافظة على الوحدة الوطنية لا تكون بالكذب ؛ بل بوحدة الهدف: بناء الدولة على حساب كل الليبيين من رضي …ومن رفض ايضا).
2.الاستيلاء الرمزي والإخلاء الرمزي:
حين يكون العدو متفوقا عليك في نقطة من الارض؛ عليك ان تترك تلك النقطة تماما له؛ وان تؤجل سيطرتك عليها الى حين؛ هذا المبدأ الارضي يتحول الى شئ اخر في السماء؛ فثمة موضوعات ستتركها بحالها كما هي؛ اذ العدو متفوق فيها ؛ولا مجال لك لتحقق تقدما ما فيها؛ الافضل في مثل هذه الحالة ؛ان تغير تماما مكان تركيزك؛ تغير تماما الموضوع الذي يطرحه العدو وان تذهب الى معالجة موضوع اخر تعرف مسبقا ان عدوك ضعيف فيه؛ هذا على الاقل مؤقتا حتى تتمكن من تجميع قوتك وتهاجم العدو ساعتها حتى في نقاط قوته وتستولي عليها؛ هذا هو مفهوم الاستيلاء الرمزي ؛من ناحية ؛ اما من ناحية اخرى فهو يعني كم الوقت الذي تتمكن من تحقيقه في وسائل الاعلام الاخرى؛ خاصة وسائل الاعلام المحايدة؛ كلما زادت حصتك وتكلم ممثلوك فيها كلما تمكنت من عرض وجهة نظرك بشكل كامل وكلما ايضا تمكنت من حصار العدو داخل حدود ضيقة؛ وكلما زادت ضيقا زدت انت كسبا؛ أي تمكنت من توجيه اهتمام العالم الخارجي المحايد لدعم قضيتك؛ وقد ينفع هنا القيام ببعض المناورات الخطرة ؛كإعلان قرب سقوط منطقة عبر الصورة -وليس اعلان سقوطها تماما -في انتظار سقوطها المؤكد؛ وهذا الفارق في كلمة واحدة كفيل اما بالفوز او الخسارة لأي طرف.
( امثلة: 1. من ناحية المكان: حلب كانت حتى فترة قريبة؛ المكان المناسب لحديث المعارضة السورية؛ في حالة ضعف الحكومة السورية؛ كان الافضل توجيه الانظار؛ الى منطقة الحدود مع لبنان؛ ثم حين استعادت الحكومة قدرتها و قوتها في حلب؛ اصبح موضوعها المفضل هو حلب؛2.من ناحية الموضوعات؛ الموضوع المفضل الذي يجب تركه للمعارضة السورية مثلا هو موضوع تحقيق الديمقراطية والموضوع المفضل الدفاع عنه لدى الحكومة السورية هو: وحدة الوطن مثلا).
-
الاستيلاء على وقت المشاهدة
متابعة لما سبق ؛ثمة مبدأ يختلط الى حد كبير مع المبدأ رقم 2؛ لكن يمكن الى حد كبير فصله عنه؛ هو مبدأ السعي الدؤوب للحصول على ذهن المشاهد؛ جذب انتباهه عبر البث الحي والمباشر للمعارك كلما امكن ذلك او عبر بث تسجيلات تظهر صورة موسعة وكبيرة للمعارك؛ و ايضا وهذا هو الاهم هنا ان تتمكن من جذب انتباه القنوات العالمية ؛والوكالات الاخبارية الرئيسية ؛لتقوم ببث اخبارها رفقة قواتك المتقدمة؛ ان تلاصق الكاميرا مع السلاح ؛يؤدي تقريبا الى تبنيهما معا نفس وجهة النظر؛ ونفس المنطق؛ افكر هنا في القنوات الامريكية الاخبارية التي لم تستطع رؤية العراقيين عام 2003م ؛بحياد ….لأنها جاءت في جعبة الجيش الامريكي الزاحف إلى بغداد.
على ان تعرف وتفهم : ان الحرب سجال ؛وتقبل ان تمر عليك ايام ؛بل اشهر في حال من الضعف؛ فذلك حال الحرب؛ ومع ذلك حتى الضعف يمكن ادارته بشكل جيد .
-
الانفجار داخل معسكر العدو:
يكون الجمهور في فترات ما قبل الحرب ؛مختلطا جدا ؛صحيح انه يمكن معرفة اتجاهاته العامة؛ وتقييم الى أي اتجاه سوف يتجه لاحقا (الاغلبية اقصد)؛ إلا انه لا يكون من الممكن قسمته بسهولة؛ إلا لحظة نشوب الحرب ؛على الارض نفسها؛ عندئذ وتلقائيا ؛ يحدث الانقسام ثم تزداد المسافات بين الجمهورين اتساعا حتى الفراق الكامل؛ بمعنى ان يستقل كل طرف بتلفزوناته ولا يعود ينظر الى تلفزون العدو إلا قليلا؛ منذ تلك اللحظة يصبح أي انفجار؛ ناجم عن قنبلة او قذيفة او صاروخ معنوي موجه ؛او مقذوف من العدو؛ كأن لم يكن؛ لا يعود له نفس التأثير السابق لحظة اختلاط الجمهورين؛ فترقب محاولات اختراق العدو لصفوفك يضعف تلقائيا اية مؤامرة اعلامية يمكن تدبيرها ضدك؛ الاثر الاكيد يحدث فقط ؛حين يحصل انفجار داخل معسكرك انت نفسك ؛او داخل معسكر العدو. والأمثلة على هذه الحالة كثيرة ومتعددة.
5.الحفاظ على خنادقك جاهزة:
في كل عملية حربية ؛وكل هجوم ؛كما في كل تراجع ؛ثمة مبدأ اساسي لا يمكنك ان تتجاهله؛ دون ان تدفع ثمن تجاهله !!؛ ما ترفعه من شعارات في اول الحرب؛ هو نفسه ما يجب ان تختتم به الحرب؛ لا يمكنك بسهولة ان تغير شعاراتك؛ كما تغير قطع الثياب؛ ثمة جمهور سوف يصاب بالصدمة ؛ويرتبك؛ اذا انجررت بسهولة وسرعة ؛لترك ايا من شعاراتك؛ شعاراتك التي ترفعها في الحرب الاعلامية بمثابة خنادق تتحصن فيها؛ وثمة مبدأ يحكم اختيارها سنشرحه عند الحديث على وظيفة التشفير؛ ؛ولكن هنا يجب ملاحظة مايلي: احيانا إخلاصك في عدائك لعدوك (29) ؛ يجعلك تتراجع عما سبق وقلته و رفعته من شعارات ؛لان العدو جاء اليها؛ حين يأتي العدو الى شعاراتك؛ لا يجب عليك ان تتراجع عنها؛ بل ان تؤكدها ؛وتؤكد معها انك الاحرص عليها ؛وان تشرح ذلك لجمهورك ؛ و بإسهاب بحيث تضمن فضح عدوك المناور؛ و الامثلة في هذا الشأن كثيرة.
وهذه الاليات الخمس لخوض الحرب الاعلامية؛والتي لم تمر علي في أي دراسة اخرى ؛تصف العمليات الاساسية التي قد تجري عند البدء في فحص المنطق الكافي واللازم لخوض الحرب؛ وهي تقريبا لم تجر يوما في ليبيا بالانتظام الذي شرحت فيه اعلاه.
ويكشف تحليل جهات الفعل هنا ايضا ؛عن المزيد من الاليات المطلوب ادراكها والتعامل معها ؛ قصد تجويد الاداء الاعلامي او مراكمة الخبرات النظرية (30).
*تحليل الوظيفة الرابعة: الانتباهية/عنصر قناة الاتصال:
المقصود بهذه الوظيفة هو التأكد من استمرار حال الاتصال ؛وعدم فقدان الاتصال بالجمهور؛و العمل على ادامة الاتصال الجماهيري الواسع؛ عبر قنواتك؛ سوف يكون ضمن اولوياتك في الحرب؛ وهذا يقتضي فهمك لمتطلبات ارضاء الجمهور ؛وفهمك لأهمية عامل الزمن و تأثيراته في احداث الحرب؛ خاصة تأثيراته في استمرار متابعة ما تقوله وما تبثه.
اما من ناحية الجمهور؛ فيجب ان تضع في اعتبارك ان الطبقات الاكثر فقرا؛ سوف تعطيك من الاهتمام زمنا اطول من تلك الاعلى منها؛ بل قد تستمر في متابعتك حتى نهاية الحرب؛فيما لا يمكنك ان تضمن نفس المعاملة من جمهور الطبقات الوسطى فالأعلى؛ اذ هذه بطبعها ملولة جدا وسوف تترك متابعتك منذ نهاية الشهر الثالث او حتى الرابع للحرب لتنصرف لوسائل ترفيه اخرى تجدها متاحة؛ وما يحكم هذا الانصراف هو ميدان المعركة على الارض؛ اذا وصل الى نقطة سكون ما؛ كتقدم ثابت ولكنه بطئ لقوات طرف ما او ثباث الطرفين كلا عند موقعه الاول لفترات طويلة فانه من المؤكد ان الطبقات الوسطى سرعان ما تنسحب من المتابعة ولا تعود اليها إلا مع حدوث أي طارئ لافت للنظر كانفجار مؤقت في معسكر طرف ما؛ لذا من اللازم لكل مفكر ان يستبق هذه المسالة ؛بالانتقال الى اعتبار الحرب؛ شيئا مبرمجا ؛ضمن نطاق محدود من البرامج الاعتيادية اليومية؛ او تلك التي تخترع للحرب خصيصا؛ لكن تعطى لها قصدا صفة العادية واليومية وإلا تحولت الحرب الى ثقل ينهك قواك دون اية فائدة عملية.
*تحليل الوظيفة الخامسة المعجمية/عنصر السنن
المقصود هنا وظيفة ما وراء اللغة؛ أي قواعد تركيب وفك شفرات الرسالة؛أي جملة الخلفيات الاجتماعية؛ المولدة للرسالة؛ منظورا اليها ضمن نطاق مصالح المرسل ؛وغرضه التاثيري ؛ والتي قد تصل الى مستوى قدرته على اطلاق عبارات شائعة؛ مما يعني انه ساهم في صياغة التفكير العام عند جمهوره المستهدف؛ ثم تتجاوز لاحقا هذا المستوى الى مستوى القدرة على احداث (موضة)؛ وبالتالي هذا يعطيها اهمية زائدة.
فالجمهور العام المتفرج عليك؛ سيتحول لاحقا الى فقط جمهور مؤيد؛ فيما سيذهب المعادي لك الى تلفزيونات العدو؛ وقد تستقل بالتأثير في جمهورك الى حين؛ اذ بمضي الوقت واستمرار الحرب سيولد داخل جمهورك منافسين لك؛ وهذا سيحكم لاحقا جودة عملك ومستوى ادائك؛ بينما العدو حتى لو تفوق عليك بمراحل لن يكون له ذلك التأثير عليك؛ اذ ستردد انت ومن وراءك سيردد من يناصرونك؛ انه العدو فلا تحفلوا بما يقول !!؛لذا من المهم جدا ان تكون معرفتك بجمهورك دقيقة ؛ ومن المهم جدا ايضا ان تتمكن من تدقيق شعاراتك وخطابك بحيث لا تنحرف للحظة خارج دائرة شعارات واهتمامات جمهورك !؛ ومن ثم يمكن ان نفهم ان التأثير ليس في اتجاه واحد بل هو كما أي تأثير اخر تنائي الاتجاه؛ وان مستوى جمهورك يحكمك !؛ عليك اذا ان تتساوق مع لغة جمهورك؛ وهذه يجب -ان اردت النصر في الحرب -ان تكون المسافة بينها ؛وبين لغة عدوك ؛كبيرة جدا -على الاقل في البداية- لتفصل تلقائيا جمهورك عن تأثيرات العدو ولتضطره الى الجري للحاق بك؛ ومن ثم تضطره لاحقا لتقديم التنازل تلو الاخر ؛ فيسهل عليه تدريجيا ؛ما كان يبدو مستحيلا ؛عند بداية الحرب؛ هذا هو الافق الذي ستجري فيه الحرب؛ وكلما اقتربت بخطابك من خطاب عدوك اصبت؛ لذا عليك ان تفهم؛ ان مبدأ عمل هذه الوظيفة ؛معاكس تماما لإطلاق النار العادي كلما اقتربت من عدوك اصبته؛ انه على العكس كلما ابتعدت اصبت العدو ونجوت انت !!؛ وكلما اقتربت منه خسرت جزء من حربك !!؛ وهذا يعتمد الى حد كبير على تقييمك لحجم جمهورك؛ ولجمهور خصمك؛ ان كان حجم المؤيدين للعدو كبيرا جدا وحجم مؤيديك صغيرا ؛ فعليك ان تعلم ان حربك كلها : مجرد مناورة لتحسين شروط التفاوض !! ؛ اما العكس فيعني نجاحك مهما عانيت من صعوبات.
*اخيرا تحليل الوظيفة السادسة:الانشائية/عنصر الرسالة:
هنا لابد ان يفترق القول الى مسارين متوازيين لا يلتقيان؛ فالجمهور في الطبقات الفقيرة يختلف ذوقه في اختيار ومتابعة البرامج بشكل حاد جدا عن الجمهور في الطبقات الاوسط؛ وبالنسبة للجمهور الفقير فما هو موجود يطابق تماما ما هو مطلوب؛ بينما تضج الطبقات العالية دائما بالشكوى ؛لان ما هو معروض لا يناسب ما هو مطلوب؛ وعند الحاجة الى ردات فعل سريعة ومباشرة فان الخطاب الموجه الى الطبقات الافقر؛ اكثر تأثيرا ؛وتجميعا من ذلك الموجه الى الطبقات المتوسطة ؛اما حين تكون الحاجة الى احداث تغييرات ذهنية دائمة فمخاطبة الطبقات الاوسط تسرع قبول التغيير لاحقا؛ وفيما تجري الحرب على الارض ؛بعناصر تنتمي في غالبيتها للطبقات الافقر ؛تجري الحرب في السماء اساسا على اكتساب الجمهور الاعلى طبقيا !!- وهذا يحد من اية اوهام حول الفاعلية الكبرى للحرب الاعلامية ويعطيها حجما محدودا؛ ضروريا لكنه محدود-وفيما تعتمد الحرب في اوساط الجمهور الافقر على تحريك وتحفيز ثيمات اساسية تتجه عمليات تحريك الطبقات العالية كما هو مفترض لنقاش خيارات ثانوية ومن طبيعة ذهنية اساسا؛ ومثال ذلك ان الحوارات المباشرة الانية مفيدة اكثر مع الطبقات الافقر؛ فيما تحتل الدراما الفنية سلم اولويات التوجه للطبقات الاعلى.
ما قلته هنا هو تقريبا ما لا تفعله الفضائيات الليبية؛ ويعاني المشهد الاعلامي الليبي من اختلال رئيسي؛ قد لا يمكن معالجته لا اليوم ولا غدا بل فقط انتظار التطور الاقتصادي الذي تعطل تماما بسبب استمرار ألحرب؛ و عموما في ليبيا اليوم الطرف الذي يعمل باليات ناجحة يفشل تماما في تحقيق اهدافه ؛لان خياراته الرئيسية تخالف خيارات الجمهور الواسع؛ والطرف الذي احسن اختياراته الاستراتيجية يهمل استخدام الاليات الناجحة ؛والتي في مقدمتها كما ارى: الاكثار الكبير والواسع من اطلاق الفضائيات؛ فالكثرة معيار حدوث الجودة.
الاحالات:
1.ميشال فوكو ؛ حفريات المعرفة؛ ترجمة : سالم يفوت؛ط1؛(الدار البيضاء؛المركز الثقافي العربي؛1986م)؛ ص:43؛ ص:47.
2.سمير امين؛ الاقتصاد السياسي للتنمية: في القرنين العشرين والواحد والعشرين؛ترجمة:فهمية شرف الدين؛ط1؛(بيروت؛دار الفارابي؛2002م)؛ ص:8.
3.ميشال فوكو؛ حفريات المعرفة؛ مصدر سابق؛ص:11.
4.بيار بورديو؛اسباب عملية:اعادة النظر بالفلسفة؛ترجمة: انور مغيث؛ط1؛(سرت؛الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان؛1995م)؛ص:29.
5.بيار بورديو؛ المصدر السابق؛ص:28.
6.بيار بورديو؛ المصدر السابق؛ ص:36.
7.نفس الاحالة رقم7.
8.غاستون باشلار؛ الفكر العلمي الجديد؛ترجمة:عادل العوا؛ط4؛(بيروت؛المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع؛1996م)؛ص17؛ص30.
9.محمد عابد الجابري؛مدخل الى فلسفة العلوم:دراسات ونصوص في الابيستمولوجيا المعاصرة؛ط2؛ الجزء الاول؛(بيروت؛ دار الطليعة؛1982م)؛ص134..
———–
-
اسسنا فهمنا لمخطط الاتصال عند جاكبسون على المقارنة بين عدة مراجع هي:
أ.عبدالسلام المسدي؛الاسلوبية والاسلوب:نحو بديل السني في نقد الادب؛د.ط؛(تونس-طرابلس؛الدار العربية للكتاب؛1977م)؛ ص:153.
ب.سيزا قاسم وآخرون؛ انظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة: مدخل الى السيميوطيقا؛ط1؛(دار الياس العصرية؛1989م)؛ ص59.
ج.سوزان روبين سليمان وانجي كروسمان؛القارئ في النص: مقالات في الجمهور والتأويل؛ط1؛(بيروت؛دار الكتاب الجديد المتحدة؛2007م)؛ ص:20.
د. دانيال تشاندلر؛اسس السيميائية؛ترجمة :طلال وهبة؛ط1؛(بيروت؛المنظمة العربية للترجمة؛2008م)؛ص:306.
-
اسسنا فهمنا لدرس نظرية غريماس في البنية العاملية للسرد على طول مدة ممارستنا لها في مجال النقد الادبي وعلى المصادر والمراجع التالية
أ. الجيرداس جوليان غريماس؛ المكتسبات والمشاريع ؛مقدمة لعمل تلميذه جوزف كورتيس التالي في هذه المراجع.
ب.جوزف كورتيس؛ مدخل الى السيميائيات السردية والخطابية؛ترجمة :جمال حضري؛ ط1؛(بيروت-الجزائر؛ الدار العربية للعلوم ومنشورات الاختلاف؛2007م).
ج.رشيد بن مالك؛من المعجميات الى السيميائيات؛ط1؛(عمان؛دار مجدلاوي للنشر؛2013م).
د.سعيد بنكراد؛مدخل الى السيميائيات السردية؛ط1؛(مراكش؛ تانسيفت؛1994م).
ه. د. دانيال تشاندلر؛اسس السيميائية؛ترجمة :طلال وهبة؛ط1؛(بيروت؛المنظمة العربية للترجمة؛2008م).
12.عبدالسلام المسدي؛مصدر سابق؛ص:154.
13.جوزف كورتيس ؛مصدر سابق؛ ص:36. –وانظر ايضا؛ –رشيد بن مالك؛مصدر سابق؛ص:239.
14.عبدالسلام المسدي؛مصدر سابق؛ ص:155.
15.روبرت هيلليارد؛الكتابة للتلفزون والإذاعة ووسائل الاعلان الحديثة؛ترجمة:مؤيد حسن فوزي؛ط2؛(غزة؛دار الكتاب الجامعي؛2008م)؛23.
-
مصطفى عمر التير؛ملاحظات حول اتجاهات التحضر في المجتمع الليبي؛مجلة الفكر العربي؛السنة الرابعة؛العدد 30؛(بيروت؛معهد الانماء العربي ؛ديسمبر 1982)؛ص:4.وانظر كذلك:
نيكولاي ايليتش بروشين؛تاريخ ليبيا:من نهاية القرن التاسع عشر حتى عام1969م؛ترجمة:عماد حاتم؛ط2؛(بيروت؛دار الكتاب الجديد المتحدة؛2001م).
17.لفهم معطى التسريع الذي جد على حياة الليبيين ؛ومعدل تمدنهم؛ نقترح اجراء المقارنات التالية اعتمادا على دراسة الدكتور التير ؛فبينما جرى تحضير فقط ما نسبته15% خلال عقد كامل بين54م-64م؛ جرى تحضير ما نسبته 21% من السكان خلال فقط 5 سنوات بين73م-78م؛ وبينما بني فقط 30ألف وحدة سكنية تقريبا مابين عامي 64 -69م؛بنيت 102الف وحدة مابين 73-78م؛ فيما تحولت طرابلس في العام80م الى مدينة تكبر نفسها عام 70م خمس مرات!!.كما ان الارقام تقول انه على الاقل 40% من السكان دخلوا المدن بين عامي 64- 78م؛ للمزيد من التفاصيل انظر دراسة الدكتور مصطفى عمر التير ؛بحسب التهميشة التالية:
18.احد الاحداث الدالة في العام 2011م جرى معي شخصيا ؛ومن يومها لم اكف عن الاستشهاد به؛ راغبا رده فلم يحدث؛ وملخصه : انني بينما كنت عائدا الى بيتي ؛يوم 24 فبراير؛ كانت هناك مظاهرة نسائية كبرى؛ تنضم الى مظاهرة رجالية سبقتها في الذهاب الى المحكمة شمال بنغازي؛ والتقيت انا بالمظاهرة عند تقاطع شارع جمال مع شارع عبدالمنعم رياض فلفت نظري امر ذو دلالة خطيرة حيث ان اغلب المشاركات في التظاهرة كن يركبن سيارات لايقل ثمن اغلبها انذاك عن 16 الف د.ل !!.
19.مصطفى عمر التير؛المصدر السابق؛ص4.
20.نفس الاحالة السابقة.
21.إ.ايفانز- بريتشارد؛السنوسيون في برقة؛ترجمة:عمر الديراوي ابوحجلة؛د.ط؛(طرابلس؛ دار الفرجاني)؛ص:82وم ابعدها.
22.الجتوني: لعبة راجت منذ اواسط الثمانينات في ليبيا؛تحاكى فيها لعبة كرة القدم عبر صندوق للاعبين و ايدي حديدية لتحريكهم.
-
مصطفى التير؛نفس المصدر السابق.
24.جوناثان بجنيل وجيرمي اورليبار؛المرجع الشامل في التلفزيون؛ترجمة: عبدالحكيم الخزامي؛ط1؛(القاهرة؛ دار الفجر للنشر والتوزيع؛2007م)؛ص:107.
25.روبرت هيليارد ؛مصدر سابق؛ص:23. او انظر:جوناثان بجنيل ؛مصدر سابق؛ص:105.
26.جوناثان بجنيل؛مصدر سابق؛ص:6.
-
لو حللنا الجهات الاربع لتدرج الفعل في هذا المستوى لكان علينا ان نعرف انه ثمة قسمة ثنائية تخترق كل جهة :1.الارادة: بينما تكاد تتوحد كل الطبقات ؛في رغبتها اقتناء التلفزون كجهاز؛ يرغب جمهور الطبقات الافقر في مباريات ملاكمة مفتوحة مع رموز العدو المشهورة ؛ وهذه ليست متاحة نظر لحالة الحرب فتسبتدل بأقرب شي اليها وهو بث تسجيلات اليوتيوب للعدو والسخرية منها؛ وهذه رائجة جدا في ليبيا؛ والتعبير الامثل عن ارادة الطبقات الافقر يتمثل في اصرارها على تجاهل كل تحذيرات الاطراف السياسية من خطر الحرب وازدياد اندفاعها نحو خوض الحرب وتقديمها لابناءها كوقود لهذه الحرب؛ فيما يكاد ينحصر تعبير الطبقات الوسطى عن ارادتها ان وجدت -فهي من الخوار والضعف ما يجعل إرادتها تقترب من الصفر- يكاد ينحصر في التعبير المباشر عن كرهها للحرب فيما الحرب تزداد وتستعر.2. الوجوب:الحرب اخطر من تترك فقط للإعلاميين او حتى العسكريين؛ لذا مسارعة كل القوى الاجتماعية للمشاركة فيها تعبير عن حفظها لحقها المستقبلي ؛وهذا لا يمكن تركه للآخرين ولا للصدفة.3.المعرفة: هنا ربما يتضح الفارق الطبقي بازدياد وتوسع فبينما لا تكاد تعرف الطبقات الافقر طريقة للاعتراض على الاداء الاعلامي سوى حرق مقرات القنوات؛ تتمكن الطبقات الاوسط من العمل الدؤؤب على تغيير وجهات نظر القائمين على الاعلام عبر استخدام وسائل كالاحتجاج الجماعي على الفيس بوك مثلا.4. القدرة: فيما تكاد تنحصر الوسائل المادية للتأثير عند الطبقات الافقر إلا في الحرق او السخرية من القنوات تتسع هذه الامكانية مع الطبقات الوسطى وتتعد بشكل كبير جدا منذ الاعتراض الاحتجاجي في الفيس حتى تنظيم المؤتمرات والندوات والمظاهرات الخ…
28.عبدالسلام المسدي؛ مصدر سابق؛ ص:155.
29.جيلبر بوس؛مدخل الى الفلسفة؛ترجمة:رجب بودبوس؛ط1؛(مصراتة؛الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان؛1994م)؛ ص:51.
-
سوف تقتصر هنا على ذكر بعض اهم الاليات المستخرجة من تحليل جهات الفعل:من بينها ان أي طرف يرغب في كسب الحرب مطالب بالإكثار من انشاء القنوات الاعلامية لتكون له اذرع عديدة ومتباينة وان يعدد معها خطابها فلا يقتصر على طبقة دون اخرى؛ وأيضا وهذا هو الاهم اجراء تدريب العاملين على معارف الحرب الاعلامية؛ كما ان تحليل المخيال الشعبي وحكاياته الاسطورية التي تولد اثناء الحرب مفيد لرصد اتجاهات الرأي العام المكبوتة ؛ كما ان العمل على تعدد القنوات وديمومة اطلاقها وتجديد البرامج والاختيارات ودوام قياس رد الفعل تعتبر اشيء اساسية في هكذا عمل مضني ومؤثر؛وهذه كلها تحتاج الى مدربين مميزين هم من المختصين والدارسين الجادين؛ اللذين يزاوجون بين المعارف النظرية ونظيرتها العملية.