في أصول الحرب الإعلامية (2)

خاص- ثقافات

*أحمد الحسين التهامي

 

(دراسة في الاستراتيجيات العامة للإعلام

في بلدان الأطراف أثناء التحول السياسي)

 

توصيف الإجراء المتخذ حيال ظاهرة الخطاب:

يتضمن نموذج ياكبسون لتوصيف عملية الاتصال كما هو معلوم ست وظائف رئيسية(10) ؛ناتجة عن العناصر الرئيسية الست ؛المكونة للنموذج عند أول وظيفة من هذه الوظائف سنقف لتحليل الفعل المطلوب إنجازه حسب ما  يوحي به/ يأمر به سطح الخطاب المنجز بالاعتماد على اجراء توصيف نظرية البنية العاملية لجوليان غريماس   (11) ؛لجهات الفعل البشري باختلاف مجالاته خاصة وان النظرية مقترحة لتشمل بالنظر كل الخطابات ولا تحصر نفسها كما اعتاد البعض الظن في اطار مقاربة النص الادبي فقط ؛وذلك عبر التنقل من سطح الخطاب الى عمقه ؛قصد فحص الاثر الناتج عن كل جهة من جهات الفعل؛ عند اعتبار تأثيرها في الخطاب؛ ثم نتابع تسجيل رصد و تحليل و ادراج ملاحظات تفصيلية عن بقية الوظائف الخمس الاخرى.

تحليل الوظائف الست:

أولا- الوظيفة الإنشائية أو التعبيرية/عنصر المرسل:

وهي تلك الوظيفة التي تنتج عن وجود عنصر المرسل في عملية الاتصال أي تركيز المنشئ على إنشاء الرسالة أو ما يعرف عادة بالتعبير عن الذات(12) ؛تلك الوظيفة التي يقوم فيها المرسل بوضع شفرات خاصة يعتقد ان المرسل قادر على فكها و اعادة تركيبها وهنا يمكن ملاحظة الظواهر السطحية التالية المنتشرة بكثرة في خطابنا الاعلامي في ليبيا :

1.اطالة الاسئلة لدى مذيعي البرامج المباشرة في الفضائيات

2.تحميل السؤال بوجهة نظر المذيع

  1. كثرة مقاطعة الضيف

  2. طول مساحات تعبير المذيع عن رأيه الشخصي اثناء الحوار او قبله

  3. تكرار الموضوعات ووجهات النظر

ما سبق اعلاه من ظواهر خطابية سطحية لا يمكن فهما بدقة ما لم نضع في اعتبارنا انها تحدد بوضوح ميلا ظاهرا لتغليب الوظيفة التعبيرية الانشائية على غيرها من وظائف عملية الاتصال مما يعني على مستوى العمق انها حصيلة متوالية من التحويلات والانتقالات المبنية على اعطاء اعتبار لمسالة ( النقل/ التوجيه/ الامر/ التأثير ) الى/ على المستقبل ويساند هذا الامر شيوع اعتبار ضمني يكرره الوسط الاعلامي والثقافي في ليبيا مفاده ان الاعلام سلاح خطير اذا توفرت له الحرية قد يسقط دولة وقد يحرك ملايين الناس كيفما رغب المرسلون وتزدوج هذه النظرة المضمرة التي تفضحها الظواهر السطحية اعلاه باعتبار اخر يبدو سريا ومخفيا هو ما يمكن تسميته بلغة نيتشه ( صناعة القيمة)أي ما يرسخ في ذهن العاملين بالوسط او حتى بين افراد الجمهور العام من اهمية تعطى او تسند للمذيع او المقدم وما يثار حوله من اساطير تدفعه الى اعلى صفوف المجتمع كل ما سبق يعمل معا في ان لاعتبار اهمية وظيفة الانشاء والتعبير لدى جهة المرسل مما يمكنه من قيادة الجمهور الواسع نحو ما يراه (المرسل طبعا) من خير وسعادة وجمال الخ ……………….

فهل يمكنه فعلا آداء هذه المهمة ؟!

هل يستطيع المرسل قيادة الجمهور؟

علينا ان نفحص بدقة جهات كفاءة الفاعل /مدوزنات الفعل لنعرف هل يمكن ان يؤدي للمرسل المفترض هذه المهمة المفترضة؟!اي ان نسال انفسنا ونفحص على جهات سبق لغريماس ان حددها الى أي حد يمكن للمرسل ان ينجز فعله هذا بكفاءة /باتقان ؟ !!

-جهات الفعل في حالة وظيفة التعبير والإنشاء:

اولا الجهات المؤسسة للفعل (13):

  1. جهة الإرادة:

هل تتعدى الارادة مجرد التعبير عن الرغبة المختزنة ؟!

لفحص هذا العنصر علينا اعتماد مجموعة من القرائن السطحية لتعطينا القدرة على التنبوء بنتيجة الفعل المبذول وحدود تأثيره

العلامات:

1.1: علامة الاختيار العمدي:

ألا يكون شيء من ظواهر السطح السابق ذكرها أعلاه قد حدث بالصدفة المحض أو أن يعتبر حدوثه نادرا وأقرب إلى الانعدام وهنا فان مجرد افراد البرامج المباشرة بالوقت المعروف بالذروة عند المختصين في الاعلام يدل دلالة كافية على وجود وقيام وتحقق الاختيار ربما على يد اكثر من فاعل داخل المؤسسة الاعلامية الواحدة اذ من المعلوم ان برنامجا ثابتا قارا لا يكون خيارا فرديا ابدا خاصة اذا اخذت التكلفة في عين الاعتبار

2.1:علامة التكرار المتعمد:

من البسيط معرفته ان هذه البرامج لا تعرض لساعة في الاسبوع والأدهى وخلافا للأعراف المنظمة للعمل الاعلامي عالميا وحتى عربيا فان هذه البرامج في ليبيا هي:    برامج يومية   !!

 

3.1: علامة الالحاح: هذه ايضا متوفرة اذا فهمت ظاهرة الصراخ لبعض المذيعين وفقدانهم لأبسط قواعد التصرف اللائق امام الجمهور على الهواء مباشرة على انها مجرد الحاح!

اذن من كل علامات السطح السابقة يمكن القول ان جهة الارادة في فعل التأثير في الجمهور الى حد قيادته الرغبة الظاهرة في املاء التصرفات عليه هو امر موجود ومبرهن عليه! وليس مجرد تقول من عابر سبيل يكره الاعلاميين مثلا !!.

والحقيقة ان كثيرا من المهتمين بالشأن العام عند مناقشتهم لفرضية غلبة تأثير الفضائيات يسوقون المثل الشهير قائلين:( الربيع العربي صنعته الفضائيات)!!؛ وهذا ما سوف نخضعه  للفحص لاحقا.

  1. جهة الضرورة:

هي الوصف السالب لجهة الارادة أي ما نجبر على فعله لا ما نختاره بحرية وتفكير وبالتالي فقرائنها سالبة ايضا

قرائن جهة الضرورة:

1.2:استيلاء الخصم / المنافس على المساحة:

ماذا لو امتنعت فضائية ما عن ممارسة كل ما سبق من ظواهر سطحية ؟! انها عندئذ تضع نفسها خارج السباق خارج المنافسة وتتيح للخصم الشرس ان يقود هو جمهورها فيستولي  في لحظة على الجمهور والزمن ويحدث التأثير الذي يناسبه هو فقط !!.

2.2: الغياب عن الحدث:

تناضل كل وسيلة اعلامية حتى على مستوى العالم لتكون قادرة عند كل حدث على المساهمة بشكل او بأخر في نقله او التعليق عليه او حتى توظيفه لصالح اصحابها فإذا ما تجاوزت فضائية ما كل ما سبق وكانت قادرة على تجاهل تقدم المنافس فإنها بالتأكيد تقع في دائرة الاتهام بالغياب عن الحدث القريب والحي والمؤثر.

مما سبق من قرائن فان الذهاب نحو ما سبق من ظواهر ليس فقط نتاج قرار حر انه ايضا املاء الظرف المحيط على المرسل!( يبدو ممتعا هنا تكرار الحديث عن حرية ما ! تحصل عليها المذيعون!)

-الجهات المحينة للفعل:

3.جهة المعرفة:

تبدو المعرفة ككلمة لدى عدد من العاملين بالحقل الاعلامي في ليبيا كما لو كانت مرادفا لكلمة شهادة من الجامعة الرسمية للدولة او في احيان اخرى تعني ايضا حضور دورة في اصول تحرير الخبر! وهنا علينا بالتأكيد تكرار السخرية المرة من عدد هذه الدورات وتكرار عقدها في فترات لا تجاوز احيانا الاسبوع واعتبارها كافية لبعث اعلام ليبي قوي هو في حد ذاته كوميديا سوداء بالغة الاثر!و عبثية في ان! اذ تقدم مثل هذه الدورات كما لو كانت فوق البيعة بتعبير رائج وشعبي! للجميع دون ادنى تحديد لمدى حاجة المتدرب اليها او انعدام هكذا حاجة مما يعني في المحصلة انفصال صانع القرار الرسمي الليبي عن وسطه الذي يترأسه ويخطط له حيث كل بيع او تقديم خدمة في ليبيا هو بالجملة شعب واحد فحص واحد!!فإذا ما اعتبرنا ان المعرفة لدينا ليست شهادة ولا حتى من الامم المتحدة فانه وجب علينا القول انها لا تكشف نفسها إلا في قدرة الخطاب الاعلامي على احداث التغيير والمتعة عند كل عرض! فهل يحدث تغيير ومتعة في تجميع كدس من المذيعين في نفس الوقت ليصرخوا بنفس الطريقة في وجه المستقبل ان هي قم معنا وافعل! اذن فهذه الجهة وقرينتها القدرة على احداث التنوع والتفرد والتغيير غائبة اذا ما فهمت في اطار المزاوجة الشديدة واللحظية مابين التأمل النظري والخبرة العملية مع القدرة على قياس رد فعل الجمهور  و تخمين اتجاهاته وتفضيلاته ! بل مع الاقرار بتقدم الخبرة العملية الهائل وتخلف النظر الهائل! تذكروا قبل الرد اول جسر بني وعلى يد من ؟!

4.جهة القدرة:

و قرينتها الاولى هي امتلاك الادوات الصالحة للانجاز :

فإذا ما فكرنا مثلا في تغيير شكل البرنامج المباشر فان ابسط شكل ممكن هو ان نبث تقريرا حيا او تسجيليا او توثيقيا عن ظاهرة ما حدث ما عندها نسال كم وسيلة اعلامية يمكنها ان تعدد كاميراتها وتمزج بينها في ان ؟!

اما قرينتها الثانية فهي التجربة:

وهنا نسال كم عمر هذا الخطاب وكم عمر هذه الفضائيات وستأتي الاجابة على لسان شايب ليبي:

عمر دجاجة بيضا!

– خلاصة توصيف وتحليل وظيفة التعبير و الانشاء

ان من يقدم لنفسه باعتباره قادرا على قيادة الجمهور هو اضعف من ان يفعل لأنه وان كان مضطرا ومختارا في ان لهكذا مهمة لا يملك حتى اللحظة بفعل قاهر وطبيعي لا المعرفة الكافية ولا القدرة الكافية لفعل التأثير في الجمهور! فما بالك بقيادته !.

فكيف نفعل اذن بحجة ان الربيع العربي قادته الفضائيات ؟!

هذه حجة مردودة من جهات عدة اولها: انها ليست اكثر من تعبير اخرق عن رغبة كل الديكتاتوريات العربية ان تنهض في الصبح فيقال لها تمام سيدي توقفت القنوات المضادة لكم  عن بث الاشاعات ضدكم! ان مثل هذه المقولة تهمل عمدا لمصلحة الديكتاتوريات المتهالكة طول مدة تأثير الفضائيات المذكورة اذ ظلت مدة ست عشر عاما قبل حدوث الربيع العربي دون منافس محلي لها !! اذا فرض انه من انجازها ؛ومن ناحية اخرى انها تهمل عمدا الحال النفسية للمتلقي و استعداداته للتصديق وقابليته للتأثر انه كمن يأمر تعال الي وهاجم الحاكم رجاء فإذا سقط الحاكم ضاع التأثير تقريبا لان مبدأ تعاون المستقبل يكاد ينعدم ويكون لحظيا ومؤقتا!!والاهم انها تعبير عن عدم فهم للتأثيرات والتغيرات الاجتماعية التي شهدتها المنطقة خلال اكثر من اربعين عاما حيث ادت مبادلة السلطة بالاقتصاد الى نمو كمي هائل للطبقة الوسطى واشتداد ساعد البرجوازية فتحولتا الى قوى صاحبة مصلحة في التغيير الكامل والعنيف! الثورات يحكمها منطق عميق وليس مجرد رغبات خرقاء!

ومن ثم علينا فحص بقية  الوظائف الخمس الاخرى وفقا لنفس الالية! وهذا ما نحن بصدده.

 

 

مراجع الورقة:

اولا باللغة الانجليزية:

1.The oxford dictionary of literary termes,chris baldick,third edition,oxford university,oxford,2008.

ثانيا بالعربية:

ا. معاجم:

1.معجم السيميائيات؛فيصل الاحمر؛ط1؛الدار العربية للنشر -و منشورات الاختلاف؛بيروت- الجزائر؛2010م.

2.معجم العلوم الاجتماعية؛فريدريك معتوق؛ط1؛اكاديميا للنشر؛بيروت؛1993م.

ب:مراجع اخرى:

1.جيهان رشتي؛الاسس العلمية لنظريات الاعلام؛د.ط؛دار الفكر العربي؛ القاهرة؛1975م.

2.جوناثان بجنيل و جيرمي اورليبار؛المرجع الشامل في التليفزون؛ ترجمة:عبدالحكم احمد الخزامي؛ط1؛ دار الفجر للنشر؛ القاهرة؛2007م.

  1. عبدالسلام المسدي؛ الاسلوبية والأسلوب: نحو بديل السني في نقد الادب؛د.ط؛الدار العربية للكتاب؛ليبيا تونس؛1977م.

4.موجز تاريخ الفلسفة؛ مجموعة من الاساتذة؛ترجمة؛ توفيق سلوم؛ط1؛دار الفارابي؛ بيروت؛1988م.

  1. فريدريك نيتشه؛ اصل الاخلاق وفصلها؛ترجمة:حسن قبيسي؛ط1؛المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر؛بيروت؛1981م

6.سعيد بنكراد؛مدخل الى السيميائيات السردية؛ط1؛تانسيفت؛مراكش؛1994م

ثالثا:

دوريات:

مجلة اللغة والأدب؛معهد اللغة العربية بجامعة الجزائر؛العدد 14؛ديسمبر 1999م.

 

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …