ايسكولاس.. باب الجنة العراقي للروائي هيثم الشويلي

خاص- ثقافات

*أحمد العتبي

رواية ” الباب الخلفي للجنة” الصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع/ عمان/ 2017
قد يختلف المتابعون حول نسبة قراءة القراء العراقيين للرواية العراقية اليوم، إذ نجد الكثير من الشباب يلجأون إلى الروايات الكلاسيكية العالمية، هاربين -في نظري- من الواقع الذي بات عليه حال الرواية العراقية في كونها مرآة تعكس المجتمع اليوم، وهو الذي عج بالسياسة والحروب والاقتتال والفوضى والدم. لقد خلقت الحروب جيلا لم يؤمن بالرواية على أنها عنصر مجتمعي فعال لمواجهة الذات وتقويمها ومواجهة الواقع وتصحيح المسارات وتثقيف الجيل وإمتاعه..
وإذ يطول الشرح لذلك سأدخل في صلب الموضوع مباشرة، أي في الحديث عن رواية (الباب الخلفي للجنة) للعراقي هيثم الشويلي، الذي حاز في العام 2014 على المركز الثاني في جائزة الشارقة للإبداع الروائي العربي عن روايته (بوصلة القيامة).
تنتمي الرواية لجنس الرواية الميتاقصية، مقتربة من الواقع تارة ومبتعدة صوب الأعاجيب والغرائب تارة أخرى، يستعين فيها البطل الرئيسي (أسعد) بثماني مخطوطات سحرية يزوده بها (العم عباس شاه) للوصول إلى حبيبته ولقاءها، كما تتخلل صفحات الرواية لغة شعرية هي مجمل حوار البطل مع حبيبته.
وهي بتلك الخلطة تكون قد زاوجت -إن صح التعبير- بين الواقعي والمتخيل، فتوافرت فيها بعض الخصال التي جعلتها تتجاوز التقليدية التي باتت عليها الرواية وليدة الحرب وصورتها في العراق اليوم.
سأتناول الرواية بشكل أحلل فيه عناصر (اللغة، الفضاء الروائي، الأبطال، التراث والمعاصرة، العجائبية والرمزية، المحظور والمسكوت عنه)، وقد اخترت ذلك التقسيم للاختصار ولصعوبة الإلمام بكل تفاصيلها ومكنوناتها في مقال واحد، لئلا أرهق قارئي بتفاصيل ربما يجد نفسه في غنى عن معرفتها فأتركها للمختصين والأكاديميين في مجال النقد الروائي.

1.اللغة
كانت لغة هيثم الشويلي جيدة سليمة، بسيطة البناء اللغوي وقوية الوقع البصري للتراكيب والجمل، مكنته من الوصول إلى قراءه، من مختلف الطبقات الثقافية، ومما زاد الأمر حلاوة -بالنسبة لي- وجود الكثير من الجمل جاءت باللهجة العامية البغدادية، ساعدت في خلق تواصل جيد بين النص والمتلقي، الذي بات -في الأعم الأغلب- يستصعب وينتقد غريب التراكيب والعبارات ويتجه نحو السهل الممتنع بشكل كبير. ولنا في النصين التاليين خير مثال: (والكاظم ابو الجوادين أصولي عثمانية وجدي إسماعيل باشا أستاذ العلوم الدينية في الإستانة مركز الخلافة) ص58 ، (شبيك إبني روح صلي واذكر الله حتى أيرحمك ويكفيك شر بني آدم) ص60.

2.الفضاء الروائي:
لما كان الحديث عن فضاء الرواية أمكننا معرفة الفضاء الزماني لرواية (الباب الخلفي للجنة) وتحديده بدقة بسنوات حروب العراقيين، فقد وقعت أحداث الرواية إبان فترات التفجيرات الإرهابية التي أحدها تفجير كنيسة الطاق، أو سيدة النجاة في الكرادة ببغداد.
واما جغرافيتها فتتوزع بين بغداد حيث يعيش البطل أسعد في مدينة الكاظمية ويعمل حمالا في الشورجة. وفي بابل حيث يذهب إلى معبد ننماخ و بئر هاروت وماروت الملكين لاجتياز أحد الطقوس السحرية التي توصله بمجموعها لمدينة (إيسكولاس) السرية المتخيلة. وذي قار حيث آثار أور التي يجتاز فيها طقسا سحريا آخر.

3.الأبطال:
أسعد الكاظمي هو بطل الرواية، صاغ الشويلي شخصيته مثقفا رومانسيا محبا للخير رافضا للواقع المؤلم المعاش، لديه من الجرأة ما يكفي للقتال في سبيل تحقيق هدفه والحصول على حبيبته (ماريا گورگيس حنا) ابنة الكرادة المثقفة الهادئة الجميلة، التي كانت خير حبيبة، عذبتها الأيام بعد أن شوه انفجار الكنيسة في العام 2014 نصف وجهها.
ولأسعد أصدقاء في سوق الشورجة تعرف عليهم، ولم يكن لأي منهم تأثير على سير الأحداث، وأظن أن وجودهم بهذه الصيغة قد ساعد في ترهل النص وأفقده تماسكه. فكأنما أقحمهم هيثم الشويلي إقحاما لأسباب أجهلها.

4.التراث والمعاصرة:
أولى الروائي التراث أهمية كبرى في روايته، فهو يصف لنا بكل براعة على لسان البطل أزقة مدينة الكاظمية القديمة، وسوق (الاستربادي)، وشوارع ومحلات الشورجة، وغيرها من مناطق بغداد. يقول على لسان أسعد في وصف زقاق منزله في الكاظمية: (الرطوبة المتصاعدة من الجص والطابوق الفرشي وأعمدة الخشب النخرة تمنحه عطرا قدسيا غريبا و رهبة تدب في النفوس ليبقى السوق والزقاق القديم محافظا على نكهته التراثية مكتسبت رونقا جذابا وشكلا مميزا) ص37.

5.العجائبية والرمزية:
تنتمي عجائبية الشويلي الى بناء اعتمد المخطوط للوصول الى أرض الجنة -في ترميز ناجح كل النجاح ومحسوب لصالح الروائي هذه المرة- فبالاستعانة بمدخلين أولهمما عن طريق الآل من ولد علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، والثاني عن طريق المتصوفة من أتباع الشيخ عبد القادر الكيلاني (رحمه الله تعالى) اختلق مخطوطات ثمانية، محفوظة لدى العم (عباس شاه)، بائع الاواني والجرار الفخارية في سوق الشورجة.
يرمز الشويلي عبر بطليه إلى مأساة العراق كله، وحاجة أجياله إلى الحب والوئام والصلح المجتمعي، لصنع جنة العراق الكبير الواحد الموحد.

6.المحظور والمسكوت عنه:
لقد تناول بعض الروائيين مواضيعا كالشذوذ والتحول الجنسي بشكل جعلوا منه ثيمة أساسية لرواياتهم مثل وحيد غانم في روايته (الحلو الهارب إلى مصيره) للكاتب والروائي (وحيد غانم) و (أوراق الزمن الداعر) للأستاذ (صلاح صلاح) اللتين خاضتا في البورنوغرافية بشكل واضح صريح تجاوز كل تابوهات سابقيهم ممن أتوا على ذكر ذلك بشيء من الخجل، وهو ما كان من هيثم الشويلي في صناعته لشخصية (سمير)، الحمال في الشورجة، صديق البطل، وهو الذي وصفه على لسان أصدقاءه بالشذوذ.
يقول سمير:
( -سأذهب إلى سردار وبولص لأقضي يومي هناك..
قالها بعد ان لملم اشلاءه المبعثرة فوق الأرض ناهضا بقوة، واقفا باتزان على قدميه.
-اذهب واشبع شذوذك منهما، فبشرتك البيضاء تساعدك على ذلك) ص15-16
ثم يعلن في نهاية الرواية على تحول سمير (إلى شاب من الجنس الثالث والذي تغيرت كل معالم وجهه وجسده ليصبح شاذا بكل تفاصيله المثيرة الأقرب بها للأنثى من الذكر، والذي لم يفرط به سردار وبولس بل تشبثا به لأنهم عشقاه أكثر من عشقهم للإناث) ص343.

7.الإسقاطات السياسية على لسان الأبطال:
تسأل ماريا حبيبها حول الوضع في العراق، فيجيبها:
(العراق كما هو، بلا كهرباء أو ماء قتل و دمار وخراب، فساد إداري و مالي، قتل عشوائي، وإبادة جماعية، فكلنا نخرج عند الصباح على أمل العودة أحياء مرة أخرى، فكل منا يحمل بين يديه كفنا، فقد يعود حيا أو لا يعود) ص83 وفي هذا النص وما تلاه نقد واضح لما وصل إليه الحال، في حينه، من خراب المؤسسات وتدهور الأمن كنتيجة لتدهور الوضع السياسي العام..
ويقول على لسان (صادق) الدليل في أرض بابل الأثرية واصفا بعض الجنود يلبسون ملابس موحدة مع علامة على ظهر بدلاتهم الزرق تلك، وكتابة ربما تكون عبرية حسبما ألمح النص ولم يعلن، فيقول: (هم يسرقون الأرض من خلال دفنهم هذه الأشياء في بابل ليقولوا بعد سنوات طويلة كأن تكون خمسين سنة أو أكثر من هذا أن هذه الأرض هي لهم….. هم سرقوا زبور داود الذي كان يخبئه النظام السابق في خزنة من خزائنه المذهبة بعد ان أخرجه من مقام نبي الله الكفل في ناحية الكفل القريبة من آثار بابل، وهم يفتشون عن صحائف سليمان وخاتمه الذي ملك به كل العالم) ص229. في إشارات لحراك الموساد والجمعيات الصهيونية داخل أرض العراق إبان فترات تراخي قبضة الأمن العراقي وعدم السيطرة على حدود البلد.
تتساءل ماريا في نهايات الرواية:
(هل نستحق كل هذا نحن ابناء المسيح؟ ….. هل يستحق العراق كل هذا؟!!) ص345 هل يستحق العراق الموت والخراب؟
هل ستظفر ماريا واسعد بأرض الجنة من بابها الخلفي ايسكولاس؟ أم ماذا؟… هذه دعوة مني لقراءة الرواية والتعمق فيما جاء فيها.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *