لا بدّ من مستمعٍ يجري كالماء.. ليشهد نصف الكلام فقط

خاص- ثقافات

* عادل بلغيث

ـــــ ديزورتوغرافيا ــــــــ

تعريفي للحياة بسيطْ

أن أكون مندهشا بكلّ شيء

وتعريفي للموت أبسط

أن أعتادَ دهشةَ كلّ شيء..

تعرفين جيدا أنّني

أخفيكِ عنّي.. كي أجدك

وأنساكِ.. كي أجرّب العيشَ

بكِلْيَة الوِحدة الواحدة..

لا فرصة أروع منك

ليمشي القلبُ بعكّازتيْ بهلوان

ويسقط ضاحكا في كومة ضحك الأطفالْ

الكلّ غريب…

أعرف الكثير ممّن خرجوا من أنفسهم ولم يعودوا

وبَعدهم تغيّرتْ أقفالُ بيتِ الحُبّ…

لذا أعشقُ الحذرْ

وأحبّ ألعابَ التوازنْ..

وذكاء “الآلبينيستْ”

وهو يَنخر الغباءَ المقدَّسَ للجبالْ

لن يخدَعني المجدُ

فكم حوّل الأبطالَ إلى تماثيل من جصّْ

وكم حوّله البسطاء إلى ثروة من ظلماتْ..

فاقتنوا وارتدوا بعضهمْ…

معي حياةٌ مريضة..

لذا أرسم الصباحَ

وأكتب الطرقات لسوء ظنّي

بصحّة الإملاء في دفاتر الوجودِ

أدّعي التّصحيحْ!

وحين تلعنني الملائكة أجيبها:

أنا مريضْ

فالمدينة الّتي تحتَ المطرْ

ليست هي تحت القمرْ

والمرأةُ التي تُعدّ القهوة

هي السماء التي تخبزُ السّحبْ

هكذا.. عقلي لا يسمع جيّدا

فيضيفُ النّقيق والتّغريد لمنْ يشاءْ..

كلّنا يمدح قلبه

فالمجرم -مثلا- سيخبرك بإنقاذه لحياة

بائس… وإهداره لأخرى

لكنْ لا أحد يرفع قلبه عالياً

لأنّ الحبّ منحن دائما كناثر البذور

والسماء ليست سماء إلاّ على الأرض،

وأهداب اليتامى…

كلّ الهشاشات لها قمم من قسوة

فاستعدي للبكاء على طائرة الحرب المحطمة

والمقصلة… المحرومة من رأس

والطاغية المحاصر من الطغاة…

سيأتي اليوم الذي أتّهم فيه الضعفاء بالقوة المفرطة

والحنان بتعطيل العدل….

أمّا الآن.. أكتفي بلعن العمارة التي تصنع بنائين

والمطارات التي تنفث فقاعات اللقاء

فماديتي لها معنى آخر:

كأن أقطف الوجوه من النوافذ

والأيادي من الأبواب…

وأكمل العيش مستبطئا نضج حبيبتي.. على نار الخيال

فلتكنْ.. سمراء كظل من التلال

كثيرة الأثداءِ… كأشجارِ البابايا…

ولهَا جِلدٌ أمدّ فيهِ سِكك الحديدِ

التي مازلتُ مدينا لها… بالحديثِ

وكصبي مختل

سأشجع الطيور على تحريك حساء السماء الأزرق

وأقرع أجراسا على كنيسة عنقي فقط.. كالغنم

أو كالألم..

“لا أزال مثله أسأل:

كيف أغرق في عقلي مذ وجدتُ… ولم ينقذني أحد”

يعذبني الصّمت..

قدر حسرتي على خيار الله في الوحدانية بدل الكلام

ليته تكلم…. لأعرف من أنا من الحروف….

يعذبني الوقت…

لأنّه لا يعود بي ليلا إلى النجوم التي رأيت في بطن أمي

تعذبينني أنت فأشم ّمكنسة القشّ المبللة

لأتذكر عشيات المطر..

وأخترع صوتك.. من هديل… وهسيس.. وانكسار كأس

في حياتي الفطرية لا أحتاج إلى التنقيط

الكل يعي نون النهايات وثاء الثمن

لكنّ كلماتي على الورق مقعَدة

أشيرُ إليها أنّ السّفنَ دليلُ إعاقة

كلّ البّحارة في البحرْ..

بِرك المطر النّاتئة بالبلغم والورود

ليستْ الشعر…

أمّا الوطن فيعدّونه دوماً على رؤوس الصوامع

لا على شواهد القبورْ

الكلّ غريب

يسافر كي يأكلَ من حقل نافذة القطار

ما يرهقني… ليس الطّريق الطويلَ

بل دورانه في ساعةِ مِعصمي

..

كاسدة هذه الأياّم التّي تعود بنفس الأسماء

ولا يمكن للبشريّ فِعل ذلكْ.

رجال الدّينُ يرفضون نقدَ الزّمن

الأفكار تقتل المَلكَ.. وتعيش مع خلاياه الجذغية

وأنا..

حائرٌ في الموت الذي لم يكمل بناء بيته حتى الآن

..

ما الحياة؟

في أجمل ما يمكن منها هي

قتال بالكمنجات..

لو فصلوا مركز حفظ الجثث.. عن المستشفى

لفصلتُ الموسيقى عن الحزن…

وكلانا مستحيل…

سأقولُ في سعادتي الوقتيّة:

حبة عرَق في صدركِ

أثري الرّوماني

دمعتكِ.. نقرتي السّريعة

على أوتار وجهك…

لا أحب البقاء الدامع

وأنت تضفرين الرياح والأجنحة…

فهذه بداية سيئة لتكوني كلّ شيء

هيّا ضعي غيركِ

احملي الآن نفسكِ… لا تطلبي لونا

للهبوب… ولا ثيابا…

……

معي الليل..

فاتح في آخر أفريل

تغلبه الأضواء الصغيرة..

حتى كأنّني مسكون بروح شجرة.

لا أتمنى انتصار شيء ضئيل

كي لا يحل محل الليل… ذات ليل

لذا أعشق الحذر

ويعجبني تعويض النمل سريعا للنمل…

يا إلهي كم أحسد عمال البناء في الشتاء

على (سامور) الحطب

والسمك.. على رائحته بعد الشوي

والمداخن على التقيؤ في السماء

والراعي الذي عوّد فم العيش المهترىء

على هرمونيكا الرعي

وكم أتحاسد مع برتقاليّ الرّصيف:

يقول: ليس معه أطفال

أقول: ليس معه سوى البرتقال.

كلّ خوفي.. هو من نهوضي على النصب

التذكارية..

وآلاف المفقودين يبحثون عن يدي

لحمل مشكل البكاء..

موجع تضخم الندى فوق أسطح الزهور

ومرعب أن يستولي الشجعان

على مكان ديكة الريح.. في أعالي البيوت

أحس بالقوة

حين تهب الريح فأرتعش

وكما تقول أمي:

“ابقو حولي دُوّارا… ولو كفّارا”

لأنّني متأكد من مرض كلّ فكرة حولي

ومن رغبة النّقوش.. في الاستحمام

والأسوار أن يدوسها المشاة..

والأضرحة أن تفقس…

والحياة أن تتخلى عن القاموس…

أنا مريض..

ولم أعد واثقا.. في أن تقنع السماء أرضا أخرى

……

لا يهمني اكتشافك من أكون

لكن من خلق لي عينين.. كان على صواب

ومن أحرق الأيام خلفي….

منحني النّار التي أمامي

ما أفقده.. أشتاقه

وانتهى الأمر….

ففي الشوق لا يرحل أحد

لا تكتمل الأجساد… ولا الأصوات

مبهم هو… كخضرة الأمواج

وكرغبة الأطفال في البول على الصفيح

ابقي معي هكذا…

في هذا المكان الرخيص بالشوك.. وزهر المرغريت

واللقاء الذي يبدأ بغياب قرص الحبيب في بحر الحبيبة

في طفولتي رأيت شاعرا يحمل عصا المكروفون

ليضرب عدوا بعيدا…

لذا كان علي أن أكتب

ورأيت صيادا لا ييأس من ترقيع قاربه الميت

لذا كان على البحر أن يخلد

مبكرا تحسرت على الشجر الضخم..

لأنّه لا يتعانق..

لذا كان عليّ تسلّق من أحب…

ليَ الكونُ ما دمت أصغر…

ولا شيء… يحملني إلى الموتى سوى حياتي

ولا وجود لجنّة سهلة الدخول مثل اليأس

فاحذري من هالة برج مراقبة مهجور

لن تجدي الجندي ولا الحرب

سيكلفك المنظر.. حسا عظيما

يخرج منك إلى اللاشيء..

الحبّ ضعيف وكثيف

والنحلة لم تقنع مطرا يوما.. بتقليد العسل

هي حيلة أن يتزوج الأدباء فيما بينهم

هو دهاء.. أن تصبح الحروف كالمني..

والأوراق نظيفة… كجدران مدارس أشبال الثورة

لذا لم أعد مؤمنا.. بقدرة البشر على

تربية الأنهار… ولا الأقدار

أتعرفين أنّي أحبك..

خائفاً.. من سباق قبريْنا ذات يومْ

ومن كتابة شيء لا أعيه… كلّ يوم

توقفي عن وصفي بالشاعر… فلا علاقة لي بالتيجان التي على الألسنة

والصولجان الذي يجهل كم أنجب المنجل من مناجل

سـأبقى كالطيّان الذي يملكُ التّراب دون لفت الانتباه.

وكمن يقول له ذيله: اهرب/ سأهرب

وخرطومه: اشرب../سأشرب

وفروه: ستموت وأبقى/….

سأموت وأبقى

 24/04/2017

ــــــــــــــــــــــــــ

* شاعـر من الجزائر

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *