«إرهاب- مسلسلات- أسعار»… توليفة شاشات رمضان

*أمينة خيري

متابعة التفجيرات وتصويب الرصاصات على وقع حوادث المسلسلات، وبين هذه وتلك إعلانات تدق أوتار الجيوب الخاوية. مواجهة بين برامج السخافات والجماهير الغفيرة والنتيجة واحد – صفر لمصلحة الأولى. إعلانات وعلاقة حب وكراهية وغلبة القنوات ذات نسب الإعلانات الأقل وفواصل إعلانية أقل بحثاً عن مواجهة إعلانية أقل أيضاً. لكن الإعلانات لم تعد مجرد فواصل، بل تحولت مجالاً للتحليل وساحة للتنظير وفي بعض الأحوال ساحة للتقاضي حيث أبناء مهنة هنا ناقمون على تصويرهم كمرتشين أو تقديمهم كفاسدين. حتى برامج الـ «توك شو» أبت أن تموت في رمضان فقررت أن تميت ما تبقى من عقل ومنطق بين الجماهير التي تذهب إليهم طواعية في أيام الشهر الكريم. وأجواء خير صناعية تمطر تبرعات آنية، ولكن تشعل أثير العنكبوت وتؤجج وسواس الجماعة.

«الجماعة» في جزئها الثاني للمؤلف الجريء والمبدع وحيد حامد لم تحدث بعد الصخب الهادر الذي أحدثته في جزئها الأول، لكنها تبقى علامة فارقة حيث جرأة في تناول تطور الجماعة التي أطبقت على رقبة مصر ومصارحة تاريخية في علاقاتها السياسية وتبادلات المصالح قبل نحو ستة عقود. وسواء كان ذلك على سبيل نقل الواقع أو من باب الترويج للمسلسل، فإن ردود فعل غاضبة بدأت تصدر عن دوائر إخوانية تتأرجح بين السخرية من تصوير الحوادث على اعتبار أنها عارية عن الحقيقة، أو الغضب والنقمة عليها ومن كتب حوادثها ومن أقنع أبطالها بتجسيد هذه الأدوار.

صخب مماثل لكن من جهة مغايرة، بل يمكن القول إنها مناقضة، بدأ يتناثر بقوة. هذه المرة يأتي من بعض الرافضين لتجسيد شخصيات «متدينة» في شكل يعتبرونه مهيناً للدين أو ينال من هيبته أو يمس الثوابت. فقد بات من الثابت في عدد كبير من المسلسلات الرمضانية هذا العام أن تظهر شخصية أو اثنتان على الأقل في كل عمل تقدمان نموذجاً من نماذج التدين المظهري أو التطرف، وهو ما اعتبره بعضهم إمعاناً في تشويه صورة المتدين و «جعله أشبه بالأراجوز أو الإرهابي أو النصاب».

نصب واحتيال من نوع آخر يقول بعضهم إنهما يطلان عبر مائدة رمضان التلفزيونية. الكم الموسمي الهائل من إعلانات للدق على أوتار الصائمين المؤمنين والتبرع لغير القادرين، بلغ مداه هذا العام. اذ دخلت على خط الاستجداء والابتزاز العاطفي للشرفاء مجموعة منتقاة من الفنانين المعروفين، بل ومنهم من غير المسلمين، وهو ما أثار العجب تارة والإعجاب تارة والاستفهام دائماً.

ويعود جانب غير قليل من الاستفهام المصحوب بالاستنكار إلى أن شبهات تحوم حول عدد غير قليل من الجمعيات التي تقدم نفسها باعتبارها جمعيات خيرية. وعلى رغم عدم ثبوت «تهمة» الأخونة أو الإعلان عن ارتباط ما بجماعة إرهابية هنا أو مجموعة تنتهج العنف هناك، فإن وساوس تنتاب المشاهدين ومطالبات يعبر عنها ضيوف برامج الحوار الباقية على قيد الحياة التلفزيونية الرمضانية بالتدقيق في هذه الجمعيات، وذلك حتى لا تُستخدم التبرعات لقتل المتبرعين عبر التفخيخ أو التفجير أو الضرب بالرصاص.

الرصاص الغادر الذي أزهق أرواح 28 مصرياً مسيحياً غالبيتهم من الأطفال على وقع صيحات «الله أكبر» مع مطلع الشهر الكريم، ألقى بظلال وخيمة على الولائم الرمضانية التلفزيونية. فعلى رغم مطالبات مصحوبة باللوم للقنوات بإعلان الحداد ثلاثة أيام ووقف بث البرامج والمسلسلات التلفزيونية احتراماً للشهداء، يبدو أن اقتصاديات رمضان التلفزيونية ومسابقات العرض الحصرية ومنافسات استقطاب المشاهدين والاحتفاظ بهم ملتصقين بشاشات دون غيرها تعرض المسلسلات نفسها، حالت دون حدوث ذلك. وكانت النتيجة خروج العديد من الشاشات في شكل مزعج للقلوب البشرية.

مسلسلات صاخبة وكوميديا متناثرة تفصل بين المشهد والآخر فواصل إعلانية لا تخلو من شخوص راقصة ونغمات مبهجة، ثم فجأة تسود الشاشة ناعية شهداء الوطن تارة أو يركض شريط الأخبار البغيضة أسفل الشاشة المفعمة بالبهجة الدرامية ناقلاً عداد الموتى وعاكساً تطورات الموقف من ضربات جوية ثم مطاردات صحراوية ووقوع مزيد من الشهداء وهلم جرا.

وقد جرى العرف الرمضاني التلفزيوني منذ هبوب رياح الربيع العربية على أن تصاحب الولائم الدرامية والترفيهية المعروضة أخبار التفخيخات والاقتتالات والصراعات الدائرة رحاها، بينما المسلسل يُعرض وفقرات المسابقات تستعر وبرامج الكاميرا الخفية تأبى أن تنقشع.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد الى أن انقشاع برامج الكاميرا الخفية الذي تطالب به قاعدة جماهيرية كبيرة في كل رمضان عبر السنوات القليلة الماضية لا يتحقق لسبب واحد، وهو أن هذه القاعدة نفسها هي من يضمن نجاح البرامج رغم سخافتها واستمرارها بغض النظر عن ضربها عرض الحائط بأخلاقيات العمل الإعلامي وبديهيات الذوق الإنساني.

وليس أدل على ذلك من برنامج «رامز تحت الأرض» الذي يحقق أعلى نسبة مشاهدة، مصحوبة بأعلى نسبة نقد، وبأعلى نسبة إعادة تحميل على الإنترنت، وبأعلى كم من التغطيات الإعلامية والتداولات الشعبية. وقد وصل الأمر إلى درجة تخصيص عداد يومي للسباب الذي يوجهه الضيف أو الضيفة لجلال مع تصنيف الكم الموجه للأب والكم الموجه للأم. وتكفي مثلاً منازلة نيشان/ طوني خليفة في شأن البرنامج والتي حققت وحدها على «يوتيوب» نحو مليوني مشاهدة في أيام قليلة.

أيام قليلة وينتصف شهر رمضان. ويبدو واضحاً تماماً أن اختيار المذيع عمرو أديب قبل أيام لثالوث «إرهاب – أسعار – مسلسلات» لتلقي مداخلات المشاهدين في برنامجه «كل يوم» (أحد برامج الـ «توك شو» الباقية على قيد الحياة الرمضانية) لم يكن مجرد فقرة في برنامج، بل هو شعار مرفوع على شاشات رمضان.

________

*الحياة

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *