انفلات درامي في رمضان




أحمد عثمان

هناك اصرار غريب من صناع الدراما على التقليد الأعمى لمفردات السينما ونقلها للمسلسلات عبر شاشات الفضائيات وأصبحت الدراما محصورة ما بين البلطجة والقتل والفساد والحشيش والمخدرات والتدخين والدعارة وزاد عليها بقوة هذا الموسم السحر والشعوذة والدجل والخرافات التي تسيطر علي سيناريو اكثر من مسلسل رمضاني، وأصبحت صورة مصر في دراما رمضان صورة مكررة ونمطية مستمرة بين هذه السلبيات وكأنه لا يوجد «شيء ايجابي» في البلد أو «حاجة حلوة».. يمكن أن نبني عليها صورة مشرفة تصلح قدوة للشباب حتى جيل نجوم الوسط أمثال السقا وكريم وما بعدهم سواء عمرو يوسف، ويوسف الشريف وأمير كرارة وحسن الرداد يقدمون أدواراً جيدة ومعقولة لشخصية «الهيرو» لكن يقدمها المخرجون إما بالتدخين بشراهة أو بشرب الخمر والغريب أن هذه الأدوار تقدم لشخصية «الهيرو» الذي لا يقهر ويضرب بالعشرة وهو يستمتع بالتدخين مما يعطي انبهاراً للشباب بسحر السيجارة أو الشيشة.

وبالنظر والمشاهدة للدراما المعروضة في أسبوعها الأول نجد أنها تحمل كثيراً من الايجابيات وكثيراً من السلبيات المستمرة.. أما الايجابيات فتتعلق بجودة الصورة وتحسن مستوى الاخراج ومستوى جيد للمضمون اعتمد في بدايته على الاثارة والتشويق، وكذلك من ايجابيات الدراما وجود عدد كبير من الوجوه الشابة الواعدة التي تؤدي بتميز واضح الاضاءة والديكور والاكسسوار مستواهم جيد لكن هذا الاستثناء في بعض وليس كل الأعمال.
أما السلبيات الملحوظة في العديد من الأعمال استمرار مسلسلات العنف والبطلجة والخمر وتجارة الحشيش كما وضح في أعمال «حواري بوخاريست» و«بين السرايات» و«حارة اليهود» لكنها في هذا العمل طبيعة مرحلة وكذلك في أعمال مثل «يا أنا يا انتي» تحمل «تيمة» قديمة ومكررة وصورة سيئة وأيضاً التدخين بشراهة ومشاهد الخمر أصبحت قاسماً مشتركاً في معظم الاعمال وعلى رأسها «بوخاريست» و«بين السرايات» أيضاً و«وش تاني» و«أستاذ ورئيس قسم» و«يا أنا يا انتي» و«مريم» وزاد هذا الموسم ظاهرة السحر والشعوذة.. في العديد من الأعمال وفاقت الحد مثلاً في مسلسل «العهد» الذي يميل للخيال الهندي وتمادى المؤلف في الافراط في هذه المنطقة السوداء مما جعل المسلسل يدخل في دائرة الملل.. وكذلك في مسلسل «لعبة ابليس».
وتحول مسلسل «الصعلوك» لوصلة دروشة غيرت ملامح العمل وجعلت اداء خالد الصاوي «أوفر» حتى في مسلسل «وش تاني» بطل المسلسل حسين فهمي يعيش «هواجس» وحالة رعب بسبب «عرافة» سوزان نجم الدين قرأت له طالعه المرعب.. ومازالت الدعارة والعري والكباريهات قاسماً مشتركاً في كثير من الأعمال ولم نجد حتى الآن مسلسلاً يعالج قضية مهمة أو يدفع للعمل والانتماء حتى دراما رجال الاعمال تدور في قالب الفساد والانحراف الاخلاقي ومازالت صورة المرأة في الدراما رخيصة وساقطة كالعادة.
في الموضوع تحدث المخرج الكبير علي عبد الخالق قائلاً: ان الحلقات الأولى من دراما رمضان لن تكون الفيصل في الحكم النهائي على مستوى الأعمال ومن الظلم البناء عليها رغم قاعدة أو مثل «الجواب يظهر من عنوانه» وأضاف: غياب الدولة عن الانتاج كان له أثر واضح في اختلال ميزان الدراما وتركها في يد القطاع الخاص حولها لمجرد بيزنس وتجارة وجعلها مجرد تسلية وترقية وتغاضى عن دورها الأساسي الذي كان يطمع الرئيس السيسي في أن تلعبه في المجتمع لما لها من تأثير كبير، وأضاف: وهو مارأه الرئيس عبدالناصر الذي دعم السينما والفن في عهده ونجحت السينما في العمل على نجاح ثورة 23 يوليو ويكمل: كنا نطمع في أن ينجح الفن في اتمام اهداف ثورة 30 يونية لأن الدراما والفن يجب أن يدفع المجتمع للأمام ولابد للرئيس ومن حوله أن يدركوا قيمة ودور الفن ويتدخلوا في عودة انتاج الدولة ودعمه وليس الوصاية على ما يقدم لأن الفن لا يقوم على توجيهات.
وأوضح عبدالخالق أن الرقابة على الفن لا تصلح خاصة الهابط ولكن يجب أن تتصدى لهذه الظاهر خاصة المشاهد والألفاظ الخادشة والدراما الضارة على المجتمع النقابات الفنية وخاصة نقابة السينمائيين خاصة أن بها اعتقد لجنة للانضباط أو اداب المهنة وهى التي يجب أن تحاسب المؤلف والمخرج والممثل وحتى المنتج الذي يقدم دراما تضر المجتمع وتفسد الذوق العام وتروج للتدخين والمخدرات والخمر والضرب والبلطجة والثراء وتجارة الحرام بدون عمل وانتماء وعطاء ولا تقدم أفكاراً وموضوعات بناءة تساعد على نجاح الثورة التي في رأيي والكلام لعبد الخالق أنها لا تنجح الا بالفن الراقي والاعلام المنضبط.
وأشار: هناك بالتأكيد ظواهر ايجابية في دراما رمضان وليس كل ما يعرض سيئاً لكن تقييم كل هذا العدد مسئولية وظلم لها لأنه ليس بمقدور الفرد أن يشاهدها جميعاً وقال: شاهدت على فترات مثلاً مسلسل «حارة اليهود» فيه اخراج جيد وتوازن رائع في الشكل والمضمون والصورة للنجوم حتى الديكور والملابس والازياء والاكسسوار ايضاً أداء ناضج لكل الأبطال خاصة منة شلبي وهالة صدقي واياد نصار.
وأضاف: الحدوتة جيدة والايقاع سريع ومتوازن وعجبني أيضاً اداء هيفاء وهبي في «مريم» فهو أداء متوازن «لا أوفر.. ولا أندر» وهيفاء اهتمت بادائها التمثيلي وحافظت على المضمون على حساب الشكل حتى مكياجها منطقي ورائع وليس مبالغاً فيه وأيضاً عجبني أداء طارق لطفي وفاروق الفيشاوي في «بعد البداية» وأحمد عبد العزيز في «حق ميت» هو والرداد وايمي ودلال عبد العزيز.
ولم يعجبني تيمة ولا صورة مسلسل «يا أنا يا انتي» فهى قديمة ومستهلكة في الدراما رغم الجهد الرائع للمخرج ياسر زايد واهتمامه بدفع وجود جديدة متميزة وهي جرأة له عملها في مسلسل «هبة رجل الغراب» وصنع من حازم سمير نجما.
وأضاف عبد الخالق: برامج المقالب أو برامج الطائرات مستفزة و«أوفر» جداً وممثلة خاصة برنامج رامز الذي يصوره بشكل تمثيلي والطائرة على الارض.
ويقول السيناريست مجدي صابر: من الظلم أن نحكم على الدراما ونهاجمها هذا الهجوم الفظيع لمجرد وجود عملية أو أكثر خرجوا عن السطر وتجاوزوا في رصد الواقع لأن ما نراه على الشاشة صناعة كبيرة تخطت تكلفتها اكثر من مليار جنيه وتفتح بيوت الآلاف من العاملين بها وصعب نعترض أو نضع وصاية على ابداع المؤلف وخياله لكن اذا كان هناك تجاوز في البعض فالغالبية العظمى هذا العام اهتمت بالمضمون فهو متميز ورائع وبداياته رائعة في معظم الأعمال واداء النجوم والنجمات متميز ومختلف ومعظمهن تخلين عن شكلهن مقابل الاداء المتميز واشار حتى لو هناك تجاوز وألفاظ ومشاهد خادشة لكن لن يكون هذا سلاحاً لقتل صناعة مهمة من أجل بعض الاعمال وهى مقاييس حقيقية تخضع لرؤية المؤلف والمخرج فمثلاً – والكلام لصابر – قدمنا «سلسال الدم» بدون لفظ خادش، لكن هناك مشاهد قتل وحرق وهى للضرورة الدرامية وواقع العمل يبررها، وأضاف: الرأي العام كله ينساق وراء هجوم الاعلام على الدراما رغم أنني ارى أن للناس مستمتعة بالمضمون والشكل الجديد في مستوى الصورة والاخراج والديكور والاداء والعديد من الأعمال تطرح قضايا مهمة وهذه أمانة يجب أن أقولها رغم عدم وجود أعمال لي في رمضان.
وانتقد صابر بيان نقابة الممثلين ووصفه بأنه «شو اعلامي» ومستعجل وأنا ضد هذا البيان لأنه عمم هذا على كل الاعمال والبرامج وكان أولى به لو رأى خروجاً عن المألف في بعض الاعمال أن يجتمع بمخرجيها ومنتجيها ومؤلفيها ويشرح لهم وجهة نظره ومحاولة تلافي ذلك في المستقبل لأنها من الصعب وضع كل هذا الجهد في سلة النقد والانتقاد والرفض لأن وجود هذا الكم من الأعمال نفسه شيء يحسب لصناعه وتأكيد لريادة مصر في الفنون وكل ما نراه على الشاشة نتيجة تأثر واضح بواقع المجتمع وتم تناوله في فترات الازدهار في السينما في الخمسينيات حتى الدراما في بداية الثمانينيات وحتي الآن.
وأضاف صابر: أنا معجب بالاداء والشكل الجديد لغادة عبدالرازق ومنة شلبي وطارق لطفي ومعظم نجوم الدراما واضح انهم اجتهدوا لصالح الجمهور.
بوابة الوفد

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *