يوسف وهيب يبحث عن القبطي الذي كان

خاص- ثقافات

*جهاد الرنتيسي

يغامر الشاعر يوسف وهيب في روايته الأولى ” تغريبة القبطي الاخير ” بالجمع بين تجريب طرق التناول الروائي والاجتهاد في تخصيب الفضاء الذي تدور فيه أحداث نص يلامس جوهر وتعقيدات التحولات المصرية.

دلالة “القبطي الاخير” في الرواية تتجاوز الايحاءات المتعارف عليها في زمن الإسلام السياسي وتداعيات الفرز الطائفي الذي يختزل البشر بمعتقداتهم الدينية لتحاكي “القبطي الاول” الذي تعود إليه الأصول دون إثارة الحساسيات بسرديات تاريخية تغطي زمن ما قبل تعريب البلاد.

للإمساك بأطراف المعادلة لا يكتفي وهيب بالتقاطات فنية تطال عصب التعايش بين ما بات يعرف بالمكونين المصريين الأساسيين قبل تعريته وتحويله إلى وجع دائم يهدد العلاقات الإنسانية .

ياخذ التناول اشكالا متعددة لا تخلو من رصد متأن لمظاهر التحولات التي شهدتها البلاد والمنطقة خلال عقود مضت وباتت آلية لتغريب الأجيال واستبدال الهويات الجمعية بأخرى فرعية.

انهيارات اليسار في مصر بعض هذه المظاهر حيث يتحول الاشتراكي إلى سلفي يكفر حمل صورة مريم العذراء ويهجر آخرون قناعاتهم لفتح “دكاكين” لحقوق الإنسان.

في موازاة الانهيارات تستعرض الرواية مظاهر أخرى أكثر عمقا تتمثل في انعكاس التطرف السلفي على البناء الاجتماعي بالشكل الذي يمس صميم التعايش الفطري بين مكونات المجتمع.

ويكاد البحث في فطرية الإنسان الذي عمل عليه وهيب بذكاء ان يكتمل بالاقتراب من وعي وأنماط تفكير البسطاء والغرف من ذهنيات فقراء المصريين وتفاعلاتهم الإنسانية.

استعراض الروائي المتأني والانتقائي للمظاهر يحفل بإشارات مساعدة على تقريب العدسة من القضية التي تتمحور حولها الرواية حيث الاستثناءات التي تمارسها بعض أجهزة الدولة وتترك مجالا للإحساس بالتمييز وجنوح جماعة الإخوان المسلمين نحو الخلافة بطبعتها التركية المشؤومة.

ولا تخلو الرواية من إشارات واضحة الى مؤثرات خارجية أدت إلى التحولات التي أفرزت ظاهرة التطرف السلفي ومن بين هذه المؤثرات الثقافات التي يأتي بها مصريون يعملون في الخارج.

يطل الروائي برأسه في “تغريبة القبطي الاخير” من خلال لغته التي تجمع بين شاعرية الشاعر ووضوح الصحفي وفي الاثنتين فضيلة التقاط التفاصيل وتقديمها إلى القارئ حية دون إطالة غير مبررة أو حمولات زائدة.

وتنقسم الرواية إلى صوتين أحدهما للشخوص التي تبوح بآلامها عبر رسائل “التلغراف” و”الهواتف” والآخر للراوي الذي يسترسل في سرده ليشمل تفاصيل أحداث وشخصيات عمل الكاتب من خلالها على إغناء عوالمه.

التجريد والتمرد على الشكل التقليدي للرواية لم يحل دون احتفاظ وهيب بخيط شفيف يربط الوقائع ويبقيها في سياق محور تحولات لا يتوقف عن الدوران دون التخلي عن مكاشفة القارئ وإيجاد مكان له داخل الرواية وتحفيزه للبحث عن القبطي الذي كان.

________________

  • كاتب من الأردن

 

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *