كونغ/جزيرة الجمجمة(2017): محض تسلية خالصة وإبهار مشهدي أخاذ

خاص- ثقافات

*مهند النابلسي

 

تلقى هذا  الشريط الجذاب مراجعات نقدية إيجابية بنسبة 80% في موقع “الطماطم الفاسدة”، واذا أردت أن تتسلى حقيقة فعليك أن تذهب لمشاهدته  فهو تحديث جذاب  لقصة كونع الأصلية (1933)، ويحوي مناظر أخاذة مبهجة بصريا ومن زوايا تصوير مصممة بإتقان ومدهشة، مع سرد وترفيه سينمائي، في قصة سريعة الخطى وتقديم رائع لجميع العناصر الفيلمية من تمثيل مقنع وتصوير مبهر ومؤثرات قل نظيرها، وقد تأثر المخرج “فوجت روبيرتس” بأفلام شهيرة وضمن فيلمه مشاهد منها مثل: القيامة الآن وبلاتون، مثل غروب الشمس البرتقالي وانطلاقة طائرات الهليوكوبتر القتالية في سماء الجزيرة  والتي تذكرنا بمشاهد لا تنسى من تحفة “كوبولا” الفيتنامية الخالدة، كما انه اقتبس من أسلوب سبيلبيرغ السينمائي الخاص من سلسلة مغامرات “انديانا جونز”…تم التصوير في ثلاث جزر فيتنامية ساحرة، كما التقطت بعض المشاهد في الساحل الذهبي لاستراليا وشينا تاون في هونولولو.

يستهل الفيلم في العام 1944 وأثناء احتدام معارك الحرب العالمية الثانية، حيث تسقط طائرتان “أمريكية ويابانية” فوق هذه الجزيرة النائية في المحيط الهادي، ويتعارك الطياران بالأيدي والسلاح الأبيض، قبل أن يقطع وحش مرعب زخم القتال الضاري بينهما، مما يتسبب بهروبهما للنجاة…ثم في العام 1973 يتم تعاقد الكابتن السابق “جيمس كونراد” (توم هيدليستون) من قبل وكيل الحكومة الأمريكي  “بيل راندا” (المسؤول الحكومي الكبير عن المهمة الاستكشافية)، ويتم بغرض حمايتهم تحضير سرب من طائرات الهليوموبتر القتالية بقيادة الليوتنانت المخضرم “بريستون باركارد” (الممثل المبدع صموئيل جاكسون)…ثم يبدأ باركارد باسقاط المتفجرات الخاصة باحداث اهتزازات للتأكد من “تجوف” الأرض، وفجأة تتعرض طائرات الهليوكوبتر لهجوم ساحق من قبل قرد كبير خرافي يقيم في الجزيرة (كونغ)، ثم يباشرون بدفن قتلاهم والبحث عن المفقودين ومن ضمنهم جاك شابمان “توبي كيبيل” الميجور في الجيش الأمريكي ومساعد باكارد، ثم يكشف النقاب فجاة عن الطيار الأمريكي المفقود (هانك مارلو) الذي تحطمت طائرته في العام 1944 مع الطيار الياباني، ويلعب الدور بظرافة لافتة الممثل “جون رايلي”، حيث قضى أكثر من 28 عاما في الجزيرة النائية وتصادق مع القبيلة المحلية التي لا يتكلم أفرادها بل يكتفون بالبحلقة والتهديف بالرماح، وقد أظهرهم الشريط كالعادة كأشخاص متبلدي الحس وقليلي الذكاء…وبدا وكأنه قد تزوج فتاة من القبيلة وأنجب ابنا، ويحذرهم من وحوش كاسرة تعيش تحت الأرض ويمكن أن تظهرإاذا ما تم القضاء على كونغ، ويبدأ العراك فيتصارع كونغ مع اخطبوط كبير هائل وينتصر عليه ويفترس جزءا منه، ثم يواجهون في طريقهم حشرات هائلة وجاموسة ضخمة وقد حشرت تحت هليوكوبتر محطمة، فيقوم كونغ برفع الطائرة وانقاذها بعد أن تعجز المصورة الفوتوغرافية  “ميسون ويفر” عن إنقاذها، ثم يهاجمون جميعا من قبل مخلوقات زاحفة مجنحة  شرسة مما أسفر عن مقتل أحدهم (فيكتور نيفيس وهو ضابط رفيع)…ويعاند باكارد مصرا على البحث عن مساعده الميجور “جاك شابمان”، الذي تلتهمه الزواحف المجنحة، ثم يقود كونراد المدنيين للعودة للقارب مع فريق النجاة…ويعاني ” كونغ” من جروح خطيرة اثر تعاركه الوحشي مع عظاية هائلة جامحة، فتصر ميسون ويفر (بري لارسون)( المصورة الفوتوغرافية والناشطة البيئية السلمية) على العودة لانقاذ “كونغ”، والذي يبدو أنه وقع بحبها او اعجب بها، ويضمها بحنان داخل يده الهائلة ويواصل اقتتاله الدامي مع العظاية “الديناصورية” الفتاكة، ويبقى محافظا على سلامتها وهي بحالة اغماء…ويرفض باكارد بصلف الاستسلام لهيمنة كونغ، وتغلب عليه شهوته للانتقام، ويأمر بتفجير المكان، ونراهم يهرولون سريعا نحوالشاطىء، فيما يعود”كونغ” لإنقاذهم، ويقتل الزاحفة المتوحشة أخيرا ممزقا أحشاءها بفمه، سامحا لهم بالهروب وكأنه يتواصل معهم معبرا بنظراته التي تشي ربما “بروح واعية”!

نرى في المشاهد الأخيرة مارلو وهو يعود أخيرا لأرض الوطن ليلتقي بزوجته وابنه المندهشين من عودته اللامتوقعة، ونسمع جدالا مع كل من كونراد  وويفر ولين والآخرين، ليصلوا لقناعة مفادها بأن “كونغ” ليس هو الوحش الوحيد الذي يزعج العالم وكأنهم يبررون فائدته للتوازن البيئي الحيواني داخل الجزيرة النائية، ولا يمكن ان نغفل عن دور العالمين المرافقين للرحلة الاستكشافية وهما “كوراي هواينكس” العالم  الجيولوجي الشاب خريج جامعة يال وصاحب نظرية في الاهتزازات، ثم “جينغ تيان”  بدور “سان لين” عالمة البيولوجيا الشابة، واليهما يعود الفضل في اقناع الحكومة الأمريكية بالقيام بالرحلة ودعمها بالعناصر الكفؤة والقتالية المرافقة، ولكن دورهما يختفي أثناء الرحلة ويضيع في متاهة الأحداث وخضم الأهوال، وفي الختام نرى عرضا للقطات أرشيفية تصور “كهف غودزيلا ورودان وموكورا والملك جيدورا” ثم تتلاشى تدريجيا على الشاشة…واخيرا نسمع هدير صوت غودزيلا الهائل وضرباته الاستعراضية على صدره.

إنها نفس الجزيرة التي تحدث عنها “ادوارد جاريث” في فيلمه اللافت غودزيلا (2014)، وهناك مؤشرات لوجود مثل هذه الحيوانات المنقرضة من تحليل الهياكل العظمية الكبيرة التي وجدت في المقابر والحفائر الجيولوجية للجزيرة، مثل السحلية الهائلة بلا أرجل التي تعاركت بضراوة مع كونغ في نهاية الشريط، وديناصورات منقرضة من نوع “ترايسيراتوبس”، وكذلك عناكب ضخمة ذات ارجل عملاقة، وحشرات العصا الكبيرة والجاموس المائي العملاق  وزواحف مجنحة طائرة، وحسب قصة الفيلم فقد كشف القمر الصناعي “لاندسات” عن وجود هذه الجزيرة الغريبة في العام 1973.

انطباعات نقدية:

 

يلقي الفيلم أضواء على تداعيات حرب فيتنام “الخائبة”، ونرى “بريستون باكارد” (صموئيل جاكسون) وهو يحاول اثبات شيء لنفسه وبأن كل الأرواح التي فقدت لم تكن عبثا، ونراه يكاد يتعرض لنوبة جنون في آخر الشريط  في مواجهته النارية الشرسة مع القرد العملاق، حيث يضع نفسه ندا لكونغ، وقد تبلد حسه  وتغلبت عليه “هواجس التدمير الذاتي”…كذلك يبدع “رايلي” بدوره المعقد وباظهاره لغرابة الأطوار وحس الهزل والسخرية المبطنة (يفهم الحرب الباردة على أنها الحرب التي تحدث في الشتاء)! اما “هيدليستون”  فيظهر عمقا ومنطقا قياديا وحسا بالسببية والمغزى، وكل هذه الشخصيات أنقذت الفيلم من السطحية التي كاد أن يهبط اليها، وأعطته بعدا مجازيا لدراما انسانية وخيارات مصيرية…والشيء الفريد اللافت في هذا الفيلم أنه بالرغم من الكم الكبير من المعارك النارية والتفجيرات والمشاجرات الوحشية الضارية، فهو يلفت الانتباه ويشد الأنظار وينال الاعجاب والاندهاش، ولكنه غير مخيف ولا مثير بل يقودك كمشاهد لنوع فريد من “التسلية الغريبة الخالصة”…وكما قلت تحدث مواجهة فريدة بين القرد العملاق والكولونيل باكارد في النهاية، وتلتقي نظراتهما وجها لوجه التي تشي بالتحدي والتكافؤ والوعي والمغزى، وربما قصد المخرج هنا توجيهنا لتفسير هذا المجاز!

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *