شرّ ممزّق

خاص- ثقافات

*مريم لحلو 

بداية ،أعجبتني تسريحة “القنفذ” هكذا يظل شعري واقفا كالأشواك ،والحق أنني كنت أجد صعوبة في ذلك.. فقد كان اللعين كأنما يميل إلى صف والدي فينام يمينا أوشمالا .. نعم والدي الذي لا تفوز منه بنظرة رضا أبدا أما ماما حبيبتي فقد سمعتها يوما تقول لصديقتها الحميمة:
– آه كم أحب الشباب ببشرة بيضاء وشعر أسود مُشَوَّك!
كان هذا قبل أن أولد ،وقبل أن تعرف هي الرجل الذي صار أبي. لذلك ،فبمجرد ماخرجت من البيضة تأملت الرجل الواقف في ذهول إليَّ وأنا أتخبط مع الهواء الجديد هل هو ببشرة بيضاء وشعر أسود مشوك كما كانت ترغب هذه المرأة التي تمد سبابتها لوجنتي وهي مسجاة بين الحياة والموت ؟ ولكن، يا للخيبة!! لقد كان أسمر بشعر حريري يستحيل تشويكه.. أما أنا فقد جئت ،تقريبا،كما اشتهت الوالدة في شبابها الباكر..أو لأقل لقد حاولتُ أن أكون مثلما اشتهت .. فطول فترتي “القنفذية” تلك لم تنظر إلي أمي تلك النظرة السقيمة ،أقصد مثل نظرة أبي ، كما أنها لم تبخل علي بشراء مختلف أنواع “الجل”..لكني، عندما ثرت على القنافذ ،وفصيلة الشوكيات بدأت نظرتها إلي تسقم شيئا فشيئا إلى أن أصبحت تماما مثل نظرة أبي..وكعادتي لم أهتم كثيرا ،فقد انكمش إحساسي بأنني خيبت أملها في مكان ما في عقلي الباطن كما تقول أستاذة الفلسفة… ولأنني إنسان حرّ تركت شعري يطول ويطول  مع قص وجز من الجانبين ودفع مرهق لثمن الحرية ..فكلما دخلت البيت أواجه بنظرات متشابهة ،وبنصائح وبمفاوضات ،وبكلام كبير كأنني دولة من دول العالم الثالث لا ابنهما الوحيد.. يقول أبي لأمي وهو يضرب الطاولة بيده:
– هذه بوادر تمرد يجب أن أقطع دابرها..
تستفسره أمي وفي  نبرة صوتها شيء لم أفهمه وقتها:
– هل هناك بند من بنود حقوق الإنسان يجرم هذا الفعل ؟
يحتد أبي:
– دعينا من حقوق الإنسان … إن لم نضرب بقوة سينفلت منا الزمام٠٠
ترد أمي وكأن ( لْحال لم يعجبها) فأفرح قليلا:
-هذا هو الحال دوما القوي يأكل الضعيف …
أنسل إلى غرفة والديّ.. أفتح ألبومهما المشترك على عهد شبيبتهما ..أبي بشعر يكفي عشرة رؤوس ،وأمي بسروال جنز كالباراشوت..  وهما معا بتيشورتين بهما صورة كبيرة لتشي غيفارا..اليد في اليد يلوحان في مظاهرة ما ..أصور صورتهما بهاتفي النقال وأجعلها صورة لبروفايلي على الفايسبوك..
في الغد يدخل علي أبي معلنا حالة الطوارئ بوجه يشبه شاحنة حربية تلحقه أمي تصفر كقاطرة منتصف الليل .. يجداني أمام المرآة مختفيا وراء رأسي ..تفزع أمي قليلا .. بحركة رياضية متقنة أخرج من تحت رأسي. ينظران معا إلى رأسي الذي أصبح لامعا خاليا من الشعر.. تحت تأثير الصدمة يخرجان… أسمعه ينتقدها،ونادرا ما يفعل ذلك:
– هذا الولد يشبهك .. لن يكبر إلا بعد أن يقضي علي..
ترد أمي منددة بصوت مرتفع:
– إن البحوث الجينية …
قبل أن تتم جملتها،يحتد أبي:
–  اذهبي وهيئي لنا فنجان قهوة..
تذهب أمي إلى المطبخ مرددة بصوت مرتفع:
-القمع..القمع…أينما وليت وجهك القمع …
من غرفتي تضيء ابتسامتي الماكرة المسافة بين البهو والمطبخ وأنا أعد سروال الجنز الذي سأخرج عليهما به غدا وقد مزقته شرَّ مُمزّق ..

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *