*قاسم حداد
1
كما لو أنه نائمٌ في نهار.
شخصٌ يفتح دفتره على حلكةٍ ضارية، ويطفق في تغنيج كلماته لئلا تأخذها الغفوة وتغفل عن وشاحٍ هائلٍ الذي يغمر الخليقة.
هل هو ليل فقط؟
أم أن الليل صار يتجلى في صورةٍ لامتناهيةٍ، فيما يمتحن طقس الناس وهم يعمهون في بلهنية الواقع.
ثمة من يبتكر ليلاَ كثيفاً كل يوم،
فنرفع قدماً ونضعها بالوجل كله بلا خشيةٍ ومخافة، فتقع على فلذة حالكة من الحياة. نتقهقر يوماً بعد يوم، وليلاً تلو ليل، نحو الغابة والكهف في آنٍ واحد، كأننا كلما أمعنا في المستقبل استدار الخالقُ والخليقةُ فيما يشبه الكائن المسخ، لا هو مستقبلٌ ولا حاضرٌ، إلا بوصفه وقتاً خارج الزمن. في طقسنا اليومي الفادح، يكاد يكون المستقبل مصطلحاً خرافياً، يصعب إدراكه، لا يستوعبه الفهمُ ولا تطاله اللغة.
هل نحن ضحية مستقبلٍ مغدور، في حاضرٍ هشيم وماضٍ يتماثل بالعلل والموبقات، تجربة لا نزعمُ اكتشافها، نتعفّرُ في أشلائنا، نتمزق تحت وطأة ادعاءات القطيعة مع تراثٍ لم ندرك كنهه، فيما نطرح صوتنا بمزاعمَ وعي الذات الصغيرة في المحفل العظيم.
مثلنا مثل السائرين في ظلمة.
ظلامٌ يختلف عن الليل. فالليل ليس شرطاً محصوراً بالظلمة. رُبَّ ليلٍ أكثر ضوءًا من النهار، ورُبَّ ظلمة تحكم نهارنا المشمس.
غير أننا لسنا في نوم لنحلم، ولا في نهار لنعمل.
2
افعلي ما تشائين بي
جنتي في يديك
وبيني وبينك ما يكتب الله لي
فافعلي
أنني مُسْلَمُ القلب والروح
والنص والشخص
كي تكتبي رسمك.
أرسمُ في لونك الشعر
كالشهق في المخمل
فافعلي ما تشائين بي،
مثل قلبي
ها أنا ضائعٌ في دفء محرابك الهاطل
شاهقٌ برجك الذهبيّ البعيد
فلا تنزلي
بالتضرع أو بالتهدج
أو بالذي يجعل الدم باب الجحيم
بالصغير الحميم الذي يسع الناس حباً
وينتابني
بالذي ترك الخلقَ في الكونِ واختارني.
ما تبقى من العمر لي
من الشعر والنثر
ما ينتمي للملائكة المولعين
حرةٌ فافعلي ما تشائين بي.
فلستُ سوى شاعر جالس تحت نسيانك الهاطل
ربما كنتُ، يا نجمة في دمي، وردةً في كأسكِ الأول.
3
كلما انتهيتُ من مراجعة النص بدأت ثانية.
التنور قلبُ العاشق وهو يغادر الحب.
النص لا يدركني قبل أن أموت .. تقريباً.
الآخرون يرون في انتظار الكتابة كتابة محتملة.
غير أنني لا أنتظر.
أذهبُ، دائماً أذهبْ.
لعودٍ غير مأمون.
_______