خاص- ثقافات
* مهند النابلسي
يقوم باول رود (سكوت لانغ) بدور الرجل النملة الذي لم يفلح بإيجاد عمل، ولكن العالم المتخصص هانك بايم (مايكل دوغلاس) يمنحه فرصة جديدة ذهبية، ويسعى جاهدا لتدريبه مع ابنته المحبطة “هوبفان داين” (الممثلة ايفانجلين ليلي)، المهتمة نفسها بأن تلبس البذلة الخاصة المصغرة، ثم يفاجئها (ويفاجئنا كذلك كعادة أفلام مارفيل) والدها بنهاية الشريط بقيامه بتحضير بذلة خاصة لها، تكريما وتخليدا لذكرى والدتها التي قضت أثناء محاولتها الباسلة لتفكيك صاروخ سوفيتي طائر متوجه لأمريكا (في استعادة مكررة لثيمة احتقانات الحرب الباردة).
هذه البذلة المبتكرة التي صنعها العالم الفذ هانك بايم تسمح بتقلص وانكماش حجم مرتديها ليتماثل مع صغر وحجم النملة، ولكن قوته تتزايد طرديا، ويسعى بايم جاهدا للقضاء على الأسلحة الخطيرة ومنها هذه البدلة (وبراءة اختراعها) قبل أن تقع بالأيدي الخطأ، حيث قام سابقا بتأسيس شركة باسمه، ووقع الفورمولا الخاصة بالتقليص، ولكن مساعده الشرير الطموح سعى لبيعها لأشخاص ينتمون لمنظمة عالمية شريرة تدعى “هيدرا”، وتجنبا للمخاطر الناتجة يطلب بايم من “الرجل-النملة” مسابقة الزمن للقضاء على الأسلحة وتدمير العينة والملفات الخاصة قبل أن تصل تفاصيل الفورمولا لمنظمة الهيدرا، ويساعده بإتمام مهمته ثلاثة رفاق ظرفاء من “زملاء الكار”، وتقليدا لفيلم “أفنجرز” الشهير، تظهر هنا أيضا شخصيات نمطية من أفلام مارفيل السابقة (حيث تظهر هنا بشكل مفاجىء شخصية “فالكون” ويقوم بالدور الممثل أنتوني ماكي)، ولكن هذا الفيلم يتميز عن أفلام السلسلة الشهيرة بأنه أكثر طرافة وتشويفا وأقل حدة، وربما يتماثل في ذلك لحد ما مع فيلم “حراس المجرة” الطريف اللافت، ويعزى ذلك ربما لبراعة كاتبي السيناريو ادجار رايت وباول رود ذاته، حيث نجح الجميع بإخراج شريط طريف وجاذب ودامج للأكشن والدراما والكوميديا بآن واحد، ومع وجود شخصيات بارعة مؤثرة كالشرير دارين كروس (كوري ستول)، ومايكل بينا بدور كوميدي جديد، كما بوجود بوبي كانافاني الشرطي المتزوج من زوجة باول رود السابقة ماغي “جودي كرير”، كما لا يمكن نسيان الأداء الطفولي البريء والشقي لابنته (آبي رايدر فورتسن)، وخاصة أثناء متابعتها لمشاهد العراك الطريفة بين “الرجل-النملة” ونظيره الشرير “الجاكيتة الصفراء” والتي دارت حول “لعبة القطار الملون” بغرفة نوم الفتاة الصغيرة.
أسلوب السرد السينمائي المشهدي لافت هنا وشيق ومحكم وتصاعدي وبلا لقطات مجانية، أما المرجعية العلمية للقصة فهي ضعيفة وغير مقنعة، فالنمل معروف بأنه يقاد من خلال ما يسمى “الفيرمونات”، أما هنا فتستبدل بالتخاطر الذهني “السحري”، وكيف يمكن للفيرمونات أن تعمل من خلال خوذة مغلقة بإحكام؟ كما أن الأمر يتطلب من جحافل النمل أن تتمتع بذكاء جماعي يمكنها من العمل سويا لإنجاز أعمال معقدة (كما شاهدنا بالفيلم).
بمشهد محدد يتقلص الرجل-النملة لمستوى حجم الذرة تقريبا، ومع ذلك تبقى كل أجهزته البيولوجية تعمل بشكل طبيعي، وهذا يتناقض تماما مع نظرية “الكوانتم” العلمية، ثم يعود لحالته الطبيعية ناسيا كل ما حدث، وهي نفس الحالة التي تورطت بها زوجة بايم السابقة ثم اختفت بلا رجعة، كما يصعب تفسير حالة “فقدان الذاكرة” التي مر بها.
مؤثرات الفيلم الخاصة مدهشة، ويستهل الفيلم بلقطات “فلاش باك” بارعة يظهر فيها مايكل دوغلاس شابا (بالأربعين من عمره) وحانقا لفقدان زوجته ومصرا على الاستقالة الفورية من منصبه، كما أن هناك لقطة عند النهاية تشير ضمنيا لفيلم كابتن أمريكا الجديد القادم “الحرب الأهلية”.
البطل الأمريكي “الضئيل” القادرعلى تغيير العالم!
تماما مثل معظم أبطال قصص المارفيل المصورة، ذات الشحنة الفنتازية العالية، مثل كابتن أمريكا وباتمان، فشخصية “الرجل-النملة” هنا تمثل السلوكية المتفوقة للنموذج الأمريكي، الذي يسعى دوما لتجاوز الحدود والطاقات الطبيعية، وبطريقة معاكسة هنا للفكرة الدارجة تتمثل بقيام “شخص ضئيل جدا” قوي بتغيير العالم، ويتناول بطرافة مغامرة الرجل-النملة “الأصغر من الدبوس” وتمكنه ببراعة من التسلل عبر أنابيب المياه والصرف الصحي، كما تحت كعوب الفتيات الجميلات الراقصات بملهى الديسكو، وبالحد الأدنى من المخاطرة وبدون أن يصيبه الأذى المتوقع، كما أن معظم حوارات الفيلم لافتة وذات مغزى وطريفة أحيانا، ولكنه كمثل أفلام السلسلة المعروفة يستعيد نفس الشخصيات المكررة مثل شخصية العالم المتردد النادم والزوجة المفقودة والابنة البارعة الحزينة، والرومانسي العبثي المفعم بالحنين الجارف للم الشمل مع ابنته الظريفة، وانتهاء بحالة “العد التنازلي” للقنبلة الحمراء المزروعة بمركزالأبحاث، كما بشخصية الشرير الأصلع الطموح الذي يسعى لجلب الفوضى العشوائية للعالم والسيطرة وجنون العظمة، وهنا لاحظت أن محاولات هذا الأخير لتملك تقنية التصغير بدت ساذجة ورثة بالبداية وربما غير منطقية وصادمة، وخاصة عندما مارسها ضد أحد معارضيه وحولة “لمضغة لحمية حمراء” بعد خروجه من الحمام، ثم مسحها بورقة تواليت وألقاها بالتواليت، ثم استمرار محاولاته العنيدة التي تكللت أخيرا بقدرته على تصغير “حمل وديع”.
فيلم “وثائقي-تحريكي” عن النمل!
أبدع المخرج بايتون ريد بطريقة إخراجه وأغرقنا بقصة سردية شيقة حافلة بالطرافة والكوميديا والأكشن، ولاقى مراجعات نقدية عالية، كما أبدع مايكل دوغلاس بدور العالم وباول رود بدور “الرجل-النملة” وأضفى على الدور روح الدعابة والمرح، كما نجح بدمج الآكشن والدراما بالكوميديا الخفيفة والبعد العائلي الحميم، أما مأخذي النقدي “الخاص” على هذا الفيلم فيتمثل بضعف التماسك والكيمياء ما بين الجزء الدرامي والجزء الآخر المتمثل بالمغامرات مع النمل،حيث بدا وكأنه فيلم وثائقي آخر مدهش مع كم كبير “غير مسبوق” من المؤثرات الخاصة، ولم نقتنع تماما كمشاهدين بعضوية وتماسك وانسيابية الأحداث ما بين الشخصيات بحالتها العادية وما بين مشاهد النمل المتنوعة (التي بدت كأنيميشن).
بالرغم من أن بعض المشاهد بالحق كانت لافتة وجذابة مثل تعاون النمل لإسقاط مكعبات السكر بكوب القهوة، أو تعاونه لقهر ومضايقة الأعداء، وطريقة تنقل “الرجل-النملة” طائرا ممتطيا جناح نملة طائرة، والمشاهد الرائعة لطريقة جرف المياه للرجل-النملة داخل حوض الاستحمام، أو بانتقاله داخل أنابيب المياه، وبدا الفيلم أحيانا وثائقيا (كأفلام ناشيونال جيوغرافي) وهو يستعرض أنواع النمل الناري والمفترس والاستوائي وسلوكياته المتوحشة، أما فكرة خروج البطل من السجن بعد قضاءه ثلاث سنوات لإقدامه على السرقة بالرغم من كونه مهندسا كهربائيا بدرجة الماستر فلم تكن مقنعة تماما، وكذلك قيام “ايفنجالين ليلي” ابنة البرفسور بتدريبه على الملاكمة والتقلص والتخاطب مع النمل.
وقد انتهى الفيلم بلقطة ساخرة بدت كنكتة تمثلت بقيام الطفلة خلسة بإطعام نملة ضخمة قابعة تحت مائدة الطعام وكأنها حيوان أليف منزلي.