خاص- ثقافات
*إبراهيم مشارة
بولفار سان جرمان أحد أشهر معالم باريس الثقافية إنه يضم سلسلة من المقاهي التي عرفت ألوانا من النشاط والإبداع كما عرفت صخبا وضوضاء واحتجاجات سياسية وفنية وفلسفية، والحق أن المقهى مظهر من مظاهر التمدن ،الحميمية، البهجة،التثاقف، الفرجة والتسلية بل والكتابة. في القاهرة في الماضي إذا أردت لقاء نجيب محفوظ توجه بسكون إلى مقهى ريش غير بعيد عن ميدان طلعت حرب وفي خان الخليلي يضم مقهى الفيشاوي جناحيه على عبق الماضي الثقافي الفكري العربي إنه المقهى الذي تردد عليه العقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ كذلك كما تردد عليه كل من زار القاهرة من رجالات السياسة والفكر والفن والأدب،وفي بغداد كان مقهى الزهاوي منبرا للمساجلات الشعرية والنقد وقراءة الأشعار ففي هذ المقهى جلس الرصافي والزهاوي والكاظمي والنجفي ثم السياب والبياتي وحسين مردان وعبد الأمير الحصيري ، لكنني سأتحدث عن مقهى دي فلور في بولفار سان جرمان،هذا المقهى الذ تردد عليه فيلسوف فرنسا جان بول سارتررفقة سيمون دي بوفوار وألبير كامي وثلة من مثقفي فرنسا وفنانيها وفي هذا المقهى تعرض سارتر لكثير من المضايقات بسبب تأييده لنضال الشعب الجزائري وشجبه للسياسة الاستعمارية وفضخه لها خاصة في مقاله الشهير عارنا في الجزائر، اختار سارتر الوقوف مع الشعب الجزائري في نضاله ضد الاستعمار ومن هذا المقهى بالتحديد عرض سارتر أفكاره السياسية ونظم المسيرات المؤيدة للقضية الجزائرية حتى أن أحد الوزراء اقترح على ديجول سجن سارتر فقال الجنرال مقولته المشهورة: لا أستطيع أن أضع فرنسا في السجن،فسارتر هو فرنسا إنه صوتها وصورتها الفلسفية والثقافية إلى العالم، لكن كامي اختار الوقوف مع فرنسا على حساب نضال الشعب الجزائري متنكرا لقيم الحق والعدل والمساواة، هنا تعرف سارتر على الدكتور علي شريعتي وقال له: لو كنت متخذا دينا لاتخذت دينك مذهبا ، ومن هنا مر شغفا وعشقا كل الكتاب والمثقفين العرب طه حسين والحكيم وأحمد ضيف وهيكل وغيرهم.وفي هذا المقهى كان الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي يلتقي بالروائية الكبيرة آسيا جبار للحديث الثقافي والفكري والتاريخي، هذه هي المرة الثالثة التي أدخل فيها إلى مقهى دي فلور مستحضرا صخب الأمس وبهجة الماضي وعبق الكلمات ، غير بعيد عن مقهى فلور مقهى آخر هو لي دو ماغو وكان يتردد عليه فرلين ورامبو وفي مونبرناس مقهى وكان يتردد عليه صموئيل بيكيت لايكلم أحدا كعادته كل يوم.