في غضون أشهر قليلة أقدمت السينما الأميركية على معالجة موضوع العلاقة الزوجية القائمة بين عنصرين مختلفين. في «لفينغ» قصة مقتبسة عن وقائع حقيقية حول زوجين عانيا، في أواخر الخمسينات، من القوانين العنصرية التي ما زالت تتحكم في العلاقات الاجتماعية بين البيض والسود.
قبل أسابيع قليلة شاهدنا «اخرج» (Get Out) الذي لا يستند إلى وقائع، لكنه يقدم زوجين من عنصرين عرقيين مختلفين أيضاً. ومن قبل شاهدنا «مملكة متحدة»، ومع أنه فيلم بريطاني إلا أنه يصب في الخانة ذاتها.
كلاهما يعيد طرح هذا الوضع بطريقته. صحيح أن «اخرج» ليس مستوحى من أحداث واقعية، بل هو فيلم تشويقي في الأساس، إلا أنه يضع تحت مجهره صنف العلاقة القائمة بين رجل أسود وصديقته البيضاء ضمن مجتمع يرفض العلاقة. أما في «لفينغ» (Loving، وهو اسم عائلة الزوج)، فالصورة معكوسة من حيث إن الرجل أبيض والزوجة هي الأفرو – أميركية.
بطبيعة الحال، فإن «لفينغ» لجف نيكولز هو الفيلم الذي نال نقاشاً أوسع في الكتابات النقدية والتحقيقات السينمائية، أولاً وأساساً لأنه مأخوذ عن الواقع عندما تزوّج رتشارد (جوول إدغرتون) من الفتاة السمراء ملدرد (روث نيغا) في تحد للسلطات المعمول بها في الجنوب الأميركي، والقاضية بعدم الاختلاط بين العنصريين البشريين. هذا يقود إلى إلقاء القبض عليهما، ثم إطلاق حكم قضائي بالفصل بينهما ما يدفع الاثنين للهرب من الولاية باتجاه أخرى لا يشملها هذا القانون غير الفيدرالي.
«اخرج»، إخراج جوردان بيل، عانى (عندنا على الأقل) من النظر إليه بوصفه فيلم رعب حول الشاب كريس الأسود (دانيال كالويا) وفتاته البيضاء (أليسون روز) اللذين يقومان برحلة من المدينة إلى منزل والديها (كاثرين كينر وبرادلي وتفورد) اللذين يدعونهما للبقاء. منذ مطلع الرحلة، عندما يوقفهما شرطي أبيض غير مرتاح لصنو العلاقة بين الاثنين، وحتى النهاية هناك مظلة شاملة من المفارقات التي تكشف عن أن السبب في رفضهما يعود إلى اختلافهما العنصري.
علاقات مختلطة
الموضوع القائم على علاقة اجتماعية – عاطفية بين زوجين مختلفين في لون البشرة ليس جديداً، ولو أن التطرّق إليه متباعد. أغلب ما نراه وقع العنصرية على عائلة كلها من الجذور الأفريقية، أو العربية أو الآسيوية أو اللاتينية، وفي موضوعنا هنا فإن هذه الجذور الأفريقية تلتهم محيطاً من التفرقة التي يعاني منها السود في أميركا من خلال مواقعهم، سواء أكانت داخل المدينة أو خارجها.
والسينما لعبت على هذا العنصر تحديداً لسنوات طويلة وألّـفت منها أفلاماً بوليسية حول أبطال سود ضد عصابات تحركها عوامل كثيرة، من بينها العنصرية كما الحال في سلسلة «شافت» وفي أفلام «سلوتر» و«كوفي» وعشرات سواها في السبعينات.
لكن الأفلام غير التشويقية وحدها هي التي تناولت علاقات مختلطة وليس بطولة منفردة، سواء نجحت في طرح الموضوع أو اضطرت إلى مداراته؛ خوفاً من ردِّ فعل ما. هذا حدث على سبيل المثال عندما أخرج ستانلي كرامر «احذر من القادم إلى العشاء» (1967) مع سيدني بواتييه الذي يحب البيضاء كاثرين هوفتون، وهذه تصر على تعريفه بوالديها كاثيرن هيبورن وسبنسر ترايسي. كل شيء في ذلك الفيلم معالج بنعومة، بما فيه الرفض الداخلي إلى حين قبول الوالدين بتلك المساواة.
كان على ذلك الفيلم تقديم سيدني بواتييه بصفته مثقفا فوق العادة ورجلا ثريا (فوق العادة أيضاً بالنسبة لمعظم السود)، وبذلك رصف كرامر الطريق ممهداً لتحويل الطرح إلى ترفيه حصد أوسكارين، واحد لكاثرين هيبورن، والآخر لأفضل كتابة للسينما (ويليام روز).
والمعالجة الكوميدية كانت السبيل لتقديم عدد من الأفلام المشابهة؛ كونها تطرح نفسها على أساس أن ما توفره للمشاهد هو مادة للترفيه يستطيع قبول مفهومها أو رفضه، لكنه في الحالتين سيوافق عليها كونها كوميدية… في هذا الإطار، هناك فيلم لمخرجة مغربية الأصل اسمها سناء حمري عنوانه «شيء جديد» حققته سنة 2006، ونال قدراً من النجاح.
كل هذا لم يكن متاحاً في هوليوود القديمة. إظهار السود والبيض في علاقة اجتماعية كان ممنوعاً في الثلاثينات عندما سادت «شيفرة هايز» التي نصّـت على عدد ملحوظ من التحذيرات. ما يفيدنا التاريخ به، هو أن السود في الأفلام القديمة (من الثلاثينات وحتى الخمسينات على الأخص) أتيح لهم تمثيل الأدوار الصغيرة. هم الخدم في الأفلام التاريخية أو الحمّالون وملمعو أحذية في أفلام بوليسية ومرافقون للأبطال البيض في مغامرات عويصة. والسائد في ذلك الحين أن السود لعبوا أحد دورين: إما طيّـب وغبي قليل الثقافة والمدارك، وإما شرير قوي البنية و… قليل الثقافة والمدارك.
حتى الآن، ومع انتشار الزيجات المختلطة، فإنه ما زال من غير المعتاد مشاهدة أفلام تبحث في هذا الموضوع. لكن إلى جانب «لفينغ» و«اخرج» شاهدنا أيضاً «مملكة متحدة» لآما أسانتي، وهو إنتاج بريطاني، مأخوذ أيضاً عن واقعة حقيقية حدثت في الأربعينات عندما زار أمير أفريقي من بوتسوانا المملكة المتحدة ووقع في حب امرأة بيضاء من لندن.