خاص- ثقافات
*مصطفى ملح
أُقيمتْ حفلة صغيرة بمناسبة الخطبة. كانت وجنتاها مورّدتين خجلا. واستقبلتنا خالاتها الثّلاث وأبوها وأختها هاجر بترحاب كبير. وانطلقت الزغاريد، ووُضع الطّعام، وشُرب الشّاي، والتُقطت الصّور التّذكاريّة. وبعد ذلك مباشرة، في غضون أسبوعين، عُقد القران، وأصبحتْ ليلى زوجتي.. أتأمّلها فأصرخ: (لا تضربْ أمّي! كفّ عن إيذائها يا أبي! اتركها رجاء!).. وكان أبي قويا مثل أتان. لا يسمعني. أتقدّم نحوه وأضربه في نفسي. أتخيّله يترنّح ويسقط ويغطّي الدّم السّاخن رأسه. وأرفع أمّي وأُجْلِسُها على الأرض وأقول لها: لا بأس يا أمّي لقد عاقبته!.. فيقوم من جديد غير مبالٍ بالدّم ويضرب أمّي بسيخ حديديّ، فأعترض طريقه، فينال منّي القضيب الحادّ، فيسيل دم أجد صعوبة في تحديد مصدره، أهو دم أمّي أم دم أبي أم دمي أم دم الزّمن؟! ولكنّ صوت فيروز يمسح صورة أبي، يمسح الدّم، ويمسح دمعة أمّي، فلا أرى إلا ليلى: مزهريّة من رخام تتمدّد في وعيي كما لو كانت كائنا ينتسب إلى برزخ بعيد.
مرّت ثلاثة أشهر، وربّما أربعة، وأمّي فرِحة بزيجتي، قريبا ستحمل حفيدها. وفيروز تملأ البيت مصرّة على العودة إلى الحيّ القديم. وفي صباح بارد، على السّاعة السّابعة، يرنّ الهاتف:
-
آلو.. من معي؟
-
أهلا.. أنا عبد الإله..
-
كيف الحال؟ ما بال صوتك متهدّجا؟
-
أخونا أحمد.. رحمه الله!