سـارة بيـري: الإبـداع اسـتغراق في أحـلام اليقظــة

القاهرة- الكتابة الإبداعية عملية ذهنية ونفسية مركبة، ولا يمكن اعتبارها مهنة أو وظيفة، حتى وإن تفرغ المبدع للكتابة.

يتعرض المبدعون عادة إلى ضغوط وتحديات كثيرة في عملهم لدرجة تدفع البعض إلى التوقف تماماً أو مرحلياً عن الكتابة. ليس هناك طريقة عمل معتمدة أو خطوات محددة يتبعها المبدع في إنتاج عمله كما يتضح من شهادات كبار الكتّاب في العالم. قلة من الكتّاب هم من يعملون بمعدل ثابت، ولا تعطلهم المؤثرات الخارجية؛ بينما يحتاج أغلب المبدعين إلى التركيز ويواجهون العديد من الصعوبات، ويجربون طرقاً مختلفة للتغلب عليها.

هذه ترجمة لمجموعة من المقالات القصيرة لكبار الكتّاب؛ يتحدثون فيها عن يوم الكتابة وإدارة الوقت وخبراتهم في التعامل مع المشروعات الأدبية التي يعملون عليها، وطريقة التغلب على التحديات التي تواجههم.

نعرض اليوم لتجربة الروائية والكاتبة الإنجليزية سارة بيري، التي ولدت عام 1979 في مقاطعة إسيكس، وحصلت على الدكتوراه في الكتابة الإبداعية.

تعمل سارة صحفية وتكتب على نحو منتظم في صحيفتي غارديان وسبكتيتور، أصدرت سارة روايتين فقط، الأولى «ومن بعدي الطوفان» عام 2014، ورواية «أفعى إسيكس» هذا العام، وتم اختيارها من أفضل الروايات في 2016.

تقول سارة: أنا لا أكتب كثيراً، ولكن ذهني يعمل طوال الوقت، قد أحدّق عبر نافذة حافلة وأنا أتخيل قصة درامية مؤثرة وأبكي، أو أدخل في نقاش محتدم مع شخص متخيل، ونادراً ما أمسك القلم وأكتب، في طفولتي، حلمت أن أصبح كاتبة مرموقة حين أكبر، وأن أدوّن ملاحظاتي على الفواتير والمناديل الورقية، وأن أكتب مذكراتي يومياً، وأن أكتب ألف كلمة في اليوم على الأقل، لم يحدث هذا على الإطلاق، وبقيت كما أنا، أستغرق في أحلام اليقظة لعدة أيام متوالية، ثم أكتب قليلاً بعدها.

لهذا، قد يقتصر يوم العمل بالنسبة لي على أحلام اليقظة، ولا أتمكن من البدء في رواية جديدة قبل أن أشعر وكأنني قرأتها عدة مرات، لقد واتتني فكرة رواية «أفعى إسيكس» أثناء قيادة السيارة في الريف ذات يوم، ولم أكتب فيها كلمة واحدة لمدة 18 شهراً.
في تلك الفترة، حضرت محاضرات عن جراحات القلب، وذهبت إلى مكامن الطيور في مقاطعة إسيكس، وزرت الكنائس هناك، كنت أدوّن ملاحظاتي أحياناً، ولكني لم أرجع إليها.

أدركت أن فترة الكسل انتهت حين وجدت نفسي استظهر مقاطع افتتاحية الرواية وأنا أسير على رصيف محطة قطار -ما زلت أحفظها عن ظهر قلب- ولكن لا تواتيني الشجاعة لتلاوتها أمام الجمهور، لحظتها أدركت أنني يجب أن أكتب الرواية.

أعتبر نفسي محظوظة لأن لدي غرفة مستقلة، كنت أضع على جدرانها كل ما يحرضني على الكتابة: حفر وشظايا من الزجاج أزرق اللون، ومخطوطات عن النباتات من العصر الفيكتوري، ورغم أنني أشعر بألم في راحة يدي إن كتبت بعض كلمات، أنشأت ملف وورد، وكتبت.. لم أتوقف يوماً عن الكتابة حتى انتهيت من الرواية، كنت أستيقظ مبكراً، وأتناول العديد من أقداح القهوة القوية، ثم أتصفح الإنترنت؛ خاصة موقع تويتر، ومواقع بيع الملابس التي أشتريها ولا أرتديها، كنت أخشى قراءة أي روايات في تلك الفترة حتى لا أتأثر بما أقرأ.

تمر الساعات دون كتابة كلمة واحدة، وفي النهاية أشعل شمعة وأقوم بتشغيل الموسيقى، وأفصل الإنترنت ثم أبدأ، تستمر جلسة الكتابة لمدة 55 دقيقة بالضبط، وتمنحني متعة كبيرة وألماً كبيراً كذلك، لأنني أعاني لحظتها اليأس بسبب قلة التركيز وتلاشي المفردات من رأسي.

بعد 10 شهور، انتهيت من كتابة المسودة الأولى للرواية، وسلمتها لوكيلي الأدبي، ثم إلى المحرر، وبعدها بدأت دورة جديدة من أجل رواية جديدة، عام كامل من عدم الكتابة، انتهى حين وجدت نفسي ذات صباح أتلو المقطع الافتتاحي للرواية، وأدرك أنني يجب أن أجلس لأكتب، لا يتغير شيء من طقوس الكتابة، عدا أنني أحتفظ بمفكرة وأحملها معي أينما ذهبت، ولم أفقدها حتى الآن.
___
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *