الشخصية والكاتب

خاص-ثقافات

*عبد الجليل لعميري

*انطباع :

    أزعم أن لا احد يعرف الشخصية القصصية أو الروائية أكثر من كاتبها ،الذي هو مخترعها أو ملتقطها أو الساهر على تركيبها….يعرف هشاشتها ونقط قوتها أو ضعفها ونسبية حقيقتها…زيفها أو صدقها…

 إنه مجرد انطباع مزعوم ؛ فللشخصية وجودها النسبي المنفلت من أسر الكاتب.

*الشخصية الحقيقية :

    كثيرا ما تجذب الكاتب نماذج بشرية مميزة ،لا بمعنى تفوقها دائما ،وإنما بمعنى تميزها بصفات أو مواقف أو خصائص تفوح دلالة  ورمزية …تكون هذه النماذج البشرية شخصيات من لحم ودم يعرفها الكاتب عن قرب …يكلمها ويناقشها ويقاسمها الضحك والأكل أحيانا…يراها تمشي في الطرقات مع حكاياتها الملونة بعبق الألم والتاريخ…تمشي وتتخاصم وتخطأ وتصيب…قد تكون محبوبة أو مذمومة…وحين يقع في حبالها أو يوقعها في حباله (فالادعاء في الأمر متبادل) يحولها إلى كائن ورقي(وفي لغة الآن نقول كائن رقمي) مع التشذيب المطلوب والتصرف المقصور…مما يطرح سؤالا جديدا :ما درجة حقيقية الشخصية ؟

*الشخصية المركبة :

   قد يشبه الكاتب مهندسا أو تقنيا يركب نموذجه انطلاقا من عدة أجزاء تنتمي لهياكل متعددة…لبناء نموذج جديد…فالكاتب يلتقط صور نماذج بشرية متعددة ….و لكنه لا يهتم سوى بميزة من ميزاتها…فيتوقف عند نفسية هذه الشخصية وعند شكل الثانية  وعند موقف تلك …فيعمل عمل النحلة بطوافها حول الزهور والتقاطها لبعض الرحيق في أفق تحويله  لعسل…هو كذلك  الكاتب يشتغل على عدة نماذج بشرية لنحت شخصيته المركبة….فيوظف مهارة المهندس والتقني والنحلة والنحات لتشكيل شخصيته المفترضة…وهو أمر قد لا ينتبه له البعض حين يبحثون عن المقابل الموضوعي الحرفي للشخصية في الواقع…

*الشخصية المتخيلة أو العجائبية :

 يسعى الكاتب إلى ابتكار نماذج بشرية متعالية عن الواقع …أو غير مألوفة…شخصيات لا يربطها بالواقع سوى خيط رفيع…مفارقة للواقع ومثيرة للاستغراب أو حتى النفور…والخيال والعجائبية درجتان مختلفتان من الإبداع …فمثلا شخصية نسميها “السيد الكلذيبي” هي شخصية متخيلة لأننا لن نجد في الواقع إنسانا بهذه التسمية والصفات ولكنها تتصل بالواقع من حيث هي أنموذج لصراع الخير والشر في ذات الإنسان…وحين تتحول (La métamorphose)مرة إلى ذئب ومرة إلى كلب حسب تحولات الحالة النفسية للشخصية الخيالية فإنها تصبح شخصية عجائبية 🙁personnage fantastique) لأنها تقوم بأفعال خارقة (كلام الذئب والكلب للتعبير عن حالة الشخصية نفسيا).

 

*الشخصية في مواجهة الكاتب :

   هذه الشخصيات بأنواعها قد تهرب من النص وتتمرد على سجنه اللغوي وتجدها تتسكع في الطرقات…قد يفاجأ الكاتب بالوقوف وجها لوجه أمام إحدى شخصياته في الشارع أو في السوق أو أي مكان آخر..حينها يصدم أو هي تصدمه بخرقها للصورة التي نمطها فيها …قد يحس الكاتب بالارتباك أو الحيرة أمام هذا التمرد…أو قد يحس بسعادة ما وهو يرى شخصيته تسعى بين الناس بنفس الصورة التي رسمها لها..قد ينجح في حدسه أو قد يفشل ولكنه يكون سعيدا إلى حد ما يذلك الارتباك الجميل …قد تكذبه الشخصية أو تكرس انطباعه …انه أمر ممتع على العموم.

 

*الشخصية والقارئ :

   الرهان الأخر الذي قد يحضر قصديا او بدون قصد عند الكاتب هو عندما ترافق  القارئ  شخصياته ويتعرف عليها …بل قد يجد فيها جزءا من نفسه أو بعض صفات من يعرفهم من أقاربه وجيرانه…قد تصبح للشخصيات علاقاتها الخاصة ومعارفها الخاصين الذين لا علم للكاتب بهم وتلك رحلة جميلة وممتعة للإبداع …

   ليست الشخصية الحكائية سوى امتداد للذات في علاقاتها المركبة مع المجتمع ،سواء كانت حقيقية واقعية أو متخيلة عجائبية …إنها إعادة تشكيل لنماذج بشرية يسعى الإبداع إلى إثارة الانتباه إليها بكل أعطابها أو ايجابياتها…وللقارئ سلطة الحكم عليها بالكشف عن صدقها أو زيفها.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *