لست استثنائية

خاص- ثقافات

*عزت كوشجير /ترجمة :  د.محمد عبدالحليم غنيم

الشخصيات :

كريستال : امرأة أمريكية بيضاء فى أواخر الثلاثينات

سارة : أمريكية من أصل إيرانى – خبيرة فى تقليم الأظفار ، أنيقة الملبس فى منتصف الأربعينات

ماريا : أمريكية من أصل مكسيكى ، عاملة تنظيف فى أواخر الأربعينات .

( لكل امرأة من الثلاثة لكنها الخاصة بها )

المكان :  محطة حافلات فى الجانب الشمالى من المدينة فى منطقة الضواحى .

الإعداد : على أريكة فى محطة الحافلات تجلس ماريا وهى تنظر أمامها . تقف سارة بالقرب من علامة المحطة ، عند قدوم حافلة ، تدخل كريستال وهى تحمل حقيبتين ، تقفز النساء الثلاثة من أماكنهن ، ويتطلعن إلى الحافلة القادمة فى الاتجاه المعاكس ، ويستعددن لركوب الحافلة ، تمر الحافلة دون تتوقف لهن . يصرخن وراء الحافلة فى لهجات مختلفة .

كريستال : ماذا بحق اللعنة ! ماذا تعمل ؟ كنت على وشك أن تطيح بى . أنت أطراش . أن تطيح بى . أنت أطرش . ألا يمكن أن ترى العلامة المعلقة .

سارة : قف ! قف !

ماريا : قف ! قف من فضلك .

كريستال : أعمل لمدة اثنى عشرة ساعة ، ثم تتركنى أنت فى الشارع هكذا .

ماريا : كاريجوا ! كاريجوا ( اللعنة اللعنة !، أى اللعنة باللغة الاسبانية )

كريستال : وضح قدومه على  الدواسة وقاد العربة  دون أن يتوقف ، لأننى بيضاء !

( تجلس سارة وماريا على الأريكة ، ماتزال كريستال تتطلع إلى الجانب الأيمن ، غادرت الحافلة شمالاً .تبدو النساء الثلاثة مرهقتا منزعجات )

كريستال : أنا عنى ما أقول  ! لقد حدث ذلك مرات ومرات …

ماريا : أنا غاضبة جداً .

كريستال : الآن علينا أن ننتظر لأكثر من خمس وأربعين دقيقة . النذل .

سارة : لا أستطيع أن أصدق ذلك

كريستال : أنا لا أتطلع إلى معاملة خاصة ! هل تعتقدان  أنكما فقط المضطرتان إلى العمل ؟

( وقفة )

لو استطعت أن أدخل الحافلة ، لابد أن أقول له أنه خراء .

سارة : لقد غادر للتو ، ولم ينتظرنا !

( صمت )

( بأسلوب مهذب و عصرى تنظر سارة لى ماريا ثم إلى كريستال )

كريستال : انا أعمل فى ثلاثة وظائف ، الوغد .

( تحدق سارة فى كريستال )

كريستال : ماذا ؟

( تبتسم سارة مع شعور بالتعاطف معها )

كريستال : ماذا ؟

( تهز سارة رأسها مع شعور بالتعاطف معها )

كريستال : ماذا ؟

( تهز سارة رأسها وتبتسم من جديد )

كريستال : هل أنت من بورتويكو ؟

سارة : لا !

كريستال : مكسيكية ؟

سارة : لا .

كريستال : هل أنت من إفريقيا ؟

سارة : لا .

كريستال : من أين أنت ؟

( سارة تغنى فى لهجة سوبرانو )

سارة : ( تغنى لنفسها ) الجميع يسألنى .

من أين قدمت ؟

لقد ولدت على هذه الأرض .

أفضل الصمت .

لأن لهجتى .

يمكن أن تكشف عن موطنى الأصلى !

كريستال : هيا ! من أين أتيت !

سارة : ( تغنى لنفسها ) لو قلت ذلك .

فإنها ستجد .

تلك الكلمة السيئة

إرهابية

سوف تخطر على ذهنها

كريستال : من أى مكان فى إفريقيا ؟

سارة : أنا … فارسية !

كريستال : أين تلك ؟

سارة : ( تغنى لنفسها ) ذلك عظيم ،

فى لوحتها .

ربما ، ليس هناك صورة من الكراهية .

كريستال : أه ! هل يوجد سود البشرة فى بلدكم ؟

سارة : نعم ، فى الجزء الجنوبى .

كريستال : هنا ، فى هذا الجانب الشمالى ، هناك العديد من العصابات ! كما تعرفين ، إنهن يبيعن المخدرات ، ويتسكعن أمام محلات البيع،  أتودين أن تعرفى كيف ينظرن إليك ؟ إنهن ينظرن إليك مثل البوم السخيف ! يجرونك مثل الذئاب ، ثم يمزقن ملابسك … نعم ، يمزقنك .

( تنظر ماريا بعيداً )

كريستال : إنهن حفنة من العصابات كسالى لا يريدن أن يعملن ،إنهن جميعاً فتيات ،كما تعرفين

( وقفة )

أنا أكرههن .

ماريا : ( إلى نفسها ) مؤلم جداً  ( بالإسبانية )

كريستال : هل لديك عصابات فى بلدك؟

سارة : ( تغنى لنفسها ) كيف يمكن ان أجيب ؟ العصابات فى كل  مكان !

( تنظر سارة إلى كريستال وتهز رأسها )

كريستال : هل يوجد مكسيكون فى بلدك .

سارة : ربما يوجد هناك … لست متأكدة .

كريستال : أكرهها ….

( تنظر ماريا فى صدمة إلى كريستال ثم تحدق فى الأفق فى البعيد من جديد )

ماريا : ( لنفسها بالاسبانية ) وأنا أيضاً أكرهك !

كريستال : إنهم عنصريون  جميعهم عنصريون .

ماريا : ( لنفسها ) إنها لا تعرف أننى أفهم كل ما تقوله

كريستال : يكرهوننى لأننى بيضاء ! أكرههم .

( صمت )

سارة : ( تحدق فيها للحظة ، ثم تغنى لنفسها ) لا أستطيع أن أمنع دموعى ! ليست الكراهية من طبعى .

( صمت )

( تمسح سارة دموعها )

كريستال : إنهم إرهابيون ، جميعهم ارهابيون !

مارياً : آى ، آى ، آى ، يا،  يا .

كريستال : يعيرون الحدود ، يأتون إلى بلدى ويرعبوننى ! يحاولون أن يمتصوا اقتصادنا يحصلون على السيارات مجاناً ، ومنزل مجانى و وبنزين مجانى ! إنهم يريدون يأخذون كل هذا ! إنه يريدون يأخذون كل هذا ! إنهم يريدون أن يأخذوا ويأخذو لأنهم يعتقدون أنهم يستمتعون ذلك . إنهم غيورون ، لأننا أغنياء ، وأننا أقوياء ونحن الأفضل فى العالم ! أغنياء وجمال ! نعم إنه غيورون !

( صمت )

سارة : ( تغنى لنسها ) عندما تكرهين .

تعتقدين أنك تكرهين ، لكنك فى الواقع لا تكرهين .

أنت تحبين !

كريستال : أنا لست كسولة ! أنا أعمل ، أنا لا أنتظر الصدقات لرعاية أطفالى !

( صمت )

سارة : هل يمكن أعرف أسمك ؟

كريستال : ماذا ؟

سارة : اسمك ؟

كريستال : لأجل ماذ تريدين ذلك ؟

سارة : أنا … فقط … أنا سارة .

كريستال : ( تنظر إليها فى تمعن  ) كريستال .

سارة : كريستال .

كريستال : نعم !

سارة : كريستال ، إنه اسم موسيقى ، إنه واضح مثل …

كريستال : اسمتنى أمى كريستال .

سارة : زجاج

كريستال : ماذا ؟

سارة : اسمك جميل !

( صمت ، مازالت ماريا تحدق فى الأفق )

( تنظر كريستال عبر حقيبتها الكبيرة وتأخد كيسا من رقائق البطاطس وتشرع فى أكله بصوت عالٍ )

كريستال : ليس لى علاقة بهم … وليس لدى ما أفعله معهم على أى نحو نهم يأتون إلى بلدك ويتحرشون بك !

أكرههم ، أكرههم ، أكرههم جميعاً .

ماريا : آى آى يا يا

كريستال : هل يوجد لديكم إرهابيون فى بلدكم ؟

سارة ( تغنى لنفسها ) هذا العالم يخيفينى

سارة : أنا … أنا لا أعرف ! لا !

كريستال : إنهم جميعاً إرهابيون ! كل المهاجرين ، جميعهم .

( صوت قضم رقائق البطاطس  مع كل جملة يكون  بصوت مخلتف )

سارة : ( لنفسها ) إنها تجعلنى أشعر بالجوع .

كريستال : إنهم كسالى ويسرقون وظائفنا لابد أن يعودوا إلى بلادهم ! جميع المهاجرين ! جميعهم .

ماريا ( إلى نفسها ) إنها تضغط على أعصابى إننا لا نصدر مثل هذه الأصوات عندما نأكل رقائق البطاطس.

كريستال : هذه العصابات فى الجانب الشمالى … انهم يدعوننى قمامة بيضاء ، حمارة عنصرية … مهاجرون أغبياء .

( تمضغ رقائق البطاطس)

كما تعرفين ، عندما كنت طفلة صغيرة ، لم أعامل  أحداً بشكل سئ … ولم أسأل أحداً مطلقاً من يكون أو من أين أتى ؟ … لقد فقدت منزلى و سيارتى لأن هناك مهاجرين ملعونين ، كنت امتلك منزلاً ذات يوم ، ثم أتى البنك وأخذه . هكذا .

سارة : ( تغنى لنفسها ) هشة مثل الزجاج .

كريستال : إنهم يحضرون إلى المدينة فى دفعات دفعات ويريدون أن يكونوا عصابات قوية ! لكن ، لأنهم رجال ميتون

( تضع رقائق البطاطس  وتلعق أصابعها )

سارة : ( تغنى لنفسها ) أنا جائعة جداً .

كريستال:  هل أنت مع العصابات ؟

سارة : معذرة ؟

كريستال : هل تعرفين عصابتى ؟

سارة : ( بهدوء ) لا .

كريستال : هذه العصابات تأخذك من الشوارع ويغتصبونك فى الأزقة ! من الشوارع إلى الأزقة . نعم ، من الشوارع إلى الازقة …

( تمضغ رقائق البطاطس)

أنا جميلة … أنا لطيفة !

سارة : نعم !

( لا تهتم كريستال بما تقوله سارة )

كريستال : مهاجرون ملعونون !

سارة : ( تغنى لنفسها ) أنا جائعة جداً ! أريد أن أكل بعض الرقائق !

سارة : هل تعملين هنا ؟

كريستال : نعم ! نعم أعمل فى ثلاث وظائف ، فقط لكى أقيم أودى !

سارة : أنت تعملين فى هذه البناية بالقرب من الطريق السريع ؟

كريستال : أنا أعمل فى هذه البناية فى أيام الاثنين  والأربعاء والجمعة ! أعمل فى منزل ، أنا أعمل مساعدة منزل .

سارة : ولا وظيفة سهلة !

كريستال : أنا أقوم برعاية هذه السيدة العجوز . ثقيلة الوزن ، 300 رطل،  ثقيلة … أنت تعرفين ، ماذا يعنى ذلك ؟ ثقيلة جداً ! كما تعرفين !

سارة : أعرف .

كريستال : يجب أن أقوم بتحميمها كل يوم ، وأدخلها الحمام كل نصف ساعة ! أوه ، ياه ، إنها ثقيلة !…. …

( وقفة )

كريستال : ماذا تعلمين أنت ؟

سارة : كنت أنوى أن أكون … مغنية  أوبرالية .

كريستال : ماذا تقصدين ؟

سارة : أغنى !

كريستال : ماذا تعملين هنا ؟

سارة : لم يكن مسموحاً لى بالغناء فى بلدى  ولم أستطع الغناء هنا أيضاً ! أنا أعمل فى  صالون تجميل للأظافر .

كريستال : لديك أظافر جميلة !

سارة : كان على أن أتعلم كيف تقلم الأظافر … لا توجد وظيفة فى مجال عملى ! كما تعرفين ، أن تكونى مغنية فى المنفى ، فهذا يعنى أنك لن تتمكنى من  دفع الفواتير .

كريستال : ماذا ؟

سارة : أنا مغنية فى المنفى ! مهاجرة !

كريستال : هل أنت مهاجرة ؟

سارة : نعم !

كريستال : أنت لا تبدين مثل مهاجرة !

سارة : بل أنا مهاجرة !

كريستال : حسناً ، هل يمكن أن تغنى قليلاً …

سارة : هل يمكن أخذ منك بعض رقائق البطاطس ؟

كريستال : هل تريدين رقائق  ؟

سارة : لا توجد معى أى وجبات خفيفة .

كريستال : نعم … خذى قليلاً ..

( تقدم لها كيس رقائق البطاطس ، تأخذ سارة قليلاً ثم تعطى البعض منه إلى ماريا )

سارة : هل يمكن ؟

كريستال : بالتأكيد .

ماريا : شكراً . لا . لا أريد .

كريستال : ألا تتحدثين الانجليزية !

( وقفة  )

خذى قليلاً !

سارة : من فضلك !

ماريا : لا .

كريستال : غنى الأن !

سارة : لم أغنى من وقت طويل حتى بعد أن عشت فى المنفى !

كما تعرفين … كان عندى نزلة برد من الأسبوع الماضى ….

كريستال : هيا …

 ( تبدأ سارة فى الغناء تنظر ماريا إلى سارة فى دهشة )

سارة : ( تغنى ) من أجمل ما سمعت قديماً

ماريا ، ماريا ، ماريا ، ماريا

(جميع الأصوت الجميلة فى كلمة واحدة)

ماريا ، ماريا ، ماريا ، ماريا

ماريا ، ماريا

ماريا

التقيت للتو فتاة اسمها ماريا

وفجأة ذلك الأسم .

لن يكون هو نفسه

بالنسبة لى

ماريا

أنا قبلت للتو فتاة تسمى ماريا

وفجأة وجدت

كم هى رائعة لفظة

ماريا .

( الجميع يغنى معاً )

ماريا ماريا ماريا ماريا

سارة : ماريا …

كريستال : ( إلى ماريا ) لديها صوت جميل ، أليس كذلك ؟

ماريا : ( بالاسبانية ) نعم  . نعم ( إلى سارة ) اسمى هو ماريا .

سارة : أوه …

ماريا : أغنى هذه الأغنية أثناء العمل .

سارة : هل أنت مغنية أيضاً ؟

ماريا : لا ، أنا منظفة منازل

( مع ابتسامة واثقة )

اعتاد زوجى أن يغنى لى عندما كنت صغيرة .

سارة : هل لديك ذكرى خاصة حول هذه الأغنية ؟

( ماريا تومئ )

ماريا : لقد ضرب بالنار على الحدود ! لقد مات .

سارة : آسفة .

( صمت )

سارة : إنها تمطر .

كريستال : وليست هناك حافلة .

سارة : لقد تأخرت .

كريستال : كم الساعة ؟

سارة : سبعة ونصف .

كريستال : يستغرق الأمر معى ساعتين على الأقل للوصول إلى المنزل .

( تفتح كريستال حقيبة سفرها وتأخذ بعض المجلات ، توزعها على ماريا وسارة )

كريستال : أوه ، هنا ، هنا . ضعيها فوق رأسك ! يمكن أن تحميكن من المطر !

ماريا : معى مظلة .

( تفتش عبر حقيبتها )

( صمت )

كريستال : من أين ؟

ماريا : المكسيك

( تخرج مارا مظلة سمراء من حقيبتها وتفتحها )

ماريا : اقتربا !

( تقترب النسوة الثلاثة من بعضهن البعض )

كريستال : ( إلى سارة  )هل تريدين مزيداً من رقائق البطاطس ؟

سارة : نعم ، شكراً لك .

كريستال : ( إلى ماريا ) هل تودين قليلاً ؟

( لا تجيب ماريا )

كريستال : خذى قليلاً يا ماريا .

سارة : ماريا من فضلك .

( تأخذ ماريا بعض رقائق البطاطس ، تأكلن النسوة الثلاثة رقائق البطاطس بطرق مختلفة )

( صمت )

كريستال : لقد أحببت رجلاً مكسيكياً ، كان اسمه بيردوا .

( تأكل النساء الثلاثة رقائق البطاطس تحت المظلة )

( النهاية)

تعريف بالمؤلفة : عزت  كوشجير / Ezaat Goushegir 

     ولدت الكاتبة عزت السادات كوشجير في إيران عام 1952 . حصلت علي شهادة البكارليوس في المسرح والاَداب الدراسية من كلية الفنون المسرحية بطهران , هاجرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1986 حيث حصلت فيها علي شهادة الماجستير من جامعة اَيوا قسم المسرح . تعمل عزت كوشيجير كاتبة مسرحية وناقدة سينمائية وشاعرة نشرت أربعة كتب باللغة الفارسية ، ضمت كل مجموعاتها في القصة القصيرة : المرأة والحجرة والحب ـ فجأة بكي النمر ـ الهجرة إلي الشمس ديوان شعر . ولها ( التحويل ـ حمل مريم)  مسرحيتان .  وقد حصلت بعض مسرحيات عزت كوشجير علي جوائز عالمية في المسرح . وهي فوق هذا عضو فعال ونشط تشارك بإبداعها في عدد من المجلات الأدبية المعروفة ، حيث نشرت كتابتها في إيران وفرنسا وكندا وألمانيا . وتقوم الاَن بتدريس مادة الكتابة المسرحية في جامعة دي باول في شيكاغو

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *