خاص-ثقافات
*عبد اللطيف رعري
مَا رَاحَ مِنَّا راحْ
وَبُكُاؤُنا وَالنَّحِيبُ…
لا يمْسَحَا عَنِ الصّخْرَةِ آثَارَ الجِرَاحِ
الرّيحُ مَنفَذُنَا لِتَطْوِيحِ المَهَالكِ بالأقْدَاحِ
وَحَفَاؤُنَا يُقَربُنَا لِضَرباتِ القَلبِ
مِنْ وَجَعٍ لوَجَعٍ….
من هَلَعٍ لهَلَعٍ….
مِن فُرْصَة الهَذيَانِ هَاتِه
لوَشْكَةٍ إلزَامِيَّةٍ لِلتّيمُنِ بمَاءِ النّهرِ
خُلدَة فِي خَواءٍ يَسْتَمِرُ …
وما راح منا راح…
وما تبقى كافٍ ..
ماتبقى من نُدفِ القُدسِيةِ يلتَقِطُه الطَّيرُ
على يد الأنبياء في مَغارة الزُهد
والفلاسِفة في طيّاتِ الهُدب
وما تجْنيه العامَّة مِن الكُتبِ ..
.ما تبقَى كافٍ لنسْج الحكايات
حتى تنام الصبية على رُكبتي
وتغْفوا الشُيوخ أطول غَفوةٍ
لتعْديلِ الهَفواتِ…
ماتبقى كافٍ لحصْد الرُؤوسِ البلهَاء
والاستحْمامِ بدَمهَا حَتّى نَنجُو مِن تصفيقَاتٍ كَاذِبة…
ننجوا من تعليقاتٍ بائِدة ..
ننجوا من حَرِّ الوعُود الصادمة ..
.ما تبقى… لازاَل كافيا لولائِمِ السُقُوطِ..
كَافيًا للسَّوادِ في عيُون قُطُوط …
كَافيًا للبُكاءِ حتَّى الغَشَاوةِ…
كَافيًا ليتَقَوَّسَ ظهركُم وتتَسَوّسُ عُكازتكُم من الوسَطِ
فَتمّ شَركُ فِعلتِي بالأحضان
وَتمَّ مُصِيبتِي… وَصُراخِي….. وَنَفْثِي….وَجُنُونِي…. وَعَودَتِي لِحُزْنِي ….
لأصْرُخ ..لأنْفُثُ….لأجَّن..كَمَا أشَاءُ
فالأرْجُلُ التِّي تَنِطُّ فَوقَ قُبُورنَا نَقطَعُهَا
والعُيون المُرْمَدَةِ نُجلِّلُها بالكُفُوفِ
حتَّى تَلتقِي الأضْراسُ عَلَى سَبَابَاتكُم …
وتضِيعُ الحِكْمَةُ فِي صُدُوركُم….
وَمَنْ لِأمهِ عِصْمَةٌ بيَننَا فلْيَقِف عَلَى السُؤالِ
لِنَقْرعَ معًا كُؤوسَ النَّدامَةِ
برجْفَةِ الأجْسَادِ…
والأيَادِي المَشْلُولَةِ…
ونُعْلِنهَا إنْ شَاء اللهُ بِدَايةً لثَورةٍ
مِنْ مُسْتَهَلِ الحُمقِ حتَّى آخِرِ ثَمْلَةٍ فِي الرأسِ
مِنْ بابِي دَارِي حَتَّى الأبْوابَ المُوصَدَةِ
فمِنْ عُقْمِ الصّيحَاتِ تُولُدُ الصّيحَات
ومِن حَليبِ الأمّهَاتِ تجَرعْنَا السلامَ هَيْهاتَ هَيْهَات
فَكيَفَ تنْمُوا بَينَنا الخَديعَةُ؟
ما رَاحَ مِنَّا رَاحْ…
ولازال كَافِيًا هَذا الدمُ الحُرُ فِينَا
حتَّى نَعُدَّ مَوجَ البحْرِ
حتّى نُسَاءِلَ العَاصفَة عَن أصْلِها…
والعَتْمَةُ عَن أمِّهَا…
والآمَةُ عَن رَضِيعِهَا
ونبْنِي جِدَارًا لِلصَّمْتِ بيْنهُما
ونُعَرِّي سَوْأتنَا للِرِّيحِ الفَاجِرِ
فأمّهَاتِهم تَسْتَحِيي مِن الرَّحِيلِ
بِبُرْقُعِ الهَوى مَثْقُوب
مَبلُولاً بِنَدى الجِيَّافِ
يحْكِي زَمَنَ الهَلعِ والرّهْبَةِ
زمن العُريِّ فِي قِمَّةِ العَتمَةِ ..الإنْدِحَارُ والخَيبَة
انتَظِرُونِي سَأدُقُ أبْوَابَ مَضَاجِعِكم
وعَلى ظَهْرِي أحْمِلُ أحْزَانِي
وَفِي يَدِي مَورُوث عَن جَدِي
مُدْيَةٌ حَافِيةٌ كَتبَ عَليْها بِعرَقِ الأحْرارِ
.. حتَّى النَّصْرِ…
.وأفْضَحُ القُبحَ والخِيَّانَات …
والهَمْسُ والمُلابسَاتُ..
.أفضَحُ مَكْرَ العُيُون فِي عُيُونِكُم
وأجْرِي عَارِيًا هُنَا مَخْمُورًا
وأتَمَرَّغُ فِي التُّرابِ هَُناك كالمَسْعُورِ
اسْتَظهِرُ نُصُوصِي بالجَهْرِ والعَلَنِ
ونُصُوصَ مَنْ عَلَمُونِي التحيُّرِ
وأتَبَوَّلُ عَلَى الكَراسِي القَصِيرَةِ مِنهَا والطّوِيلَةِ
وَأكَسِّرُ كُؤوسَ المُدَامِ عَلَى مَوَائِدِكُم
وأحْرقُ ثِيابِي الحَريرِيةِ تحْتَ الشَّمْسِ
وآكُلُ مِن لَحِْمي….
واكتُبُ تَاريخَكُم بدَمِي…
وحِزَامِي الجِلدِي قَادِر ٌعَلى مَنحِي شَنْقَة أخِيرَةٍ بيَنكُم والبسْمَةُ لاَ تُفَارِقُنِي
فَمَنْ سَمِعَ عَنِّي
قَالَ رَجُلٌ مَلُولٌ عَشِقَ الثوْرَةَ فَأَدْرَجُوهُ لِحَتْفِهِ
_____
مونتبوليي/فرنسا