فطيرة التفاح

خاص- ثقافات

*بيتر سناد /ترجمة : د.محمد عبدالحليم غنيم

الشخصيات :
عساف :
مدرس لبنانى  من 30 -40 سنة .
أبجيل : مديرة مكتب من  30 – 40 سنة .

المكان شقة عساف الصغيرة فى بلدة ريفية صغيرة .
الزمان : الآن .

( عساف فى شقته … يفتح الراديو على إذاعة البى بى سى العالمية ، طرق على الباب ، يغلق الراديو ، ينهض و يفتح الباب . تقف أبجيل هناك وفى يدها فطيرة تفاح محلية الصنع )

عساف : أى خدمة ؟

أبجيل : مرحباً عساف .

عساف : أبجيل !

أبجيل : أبجيل .

عساف : نعم ، نعم . آسف . كيف حالك ؟

أبجيل : لقد تقابلنا فى هندرسون . فى حفل عيد الميلاد ؟

عساف : بالطبع ، نعم . للحظة ، تعملين … لست مركزا  .

أبجيل : هل يمكن أن أدخل ؟

عساف : رجاء .

 ( يوضح لها كيف تدخل ، و يشير إلى الأريكة و يرتب أوراقه )

 اجلسى ، آسف ، تبدو الشقة فوضى .

أبجيل : ( تجلس ) يجب أن ترى منزل . لدى كلاب و كونيل .

عساف : حقاً .

أبجيل : حيوان اللاما . حسناً اللاما لا يدخل المنزل ، فقط يبصق على ، و يعمل فوضى فى الشرفة .

( تضحك بعصبية – مثل ضحكة الدجاج من الأنف . يبتسم عساف فى أدب ، و متردداً ماذا يعمل فى هذا ) آمل ألا أكون قد سببت لك إزعاجاً .

عساف : لا . لا . لا مطلقاً . أنا كنت فقط أرتب بض الأوراق .

أبجيل : أمازلت تدرس ؟

عساف : نعم ، الافضل أم الأسوأ .

أبجيل : لأفضل الطلاب . أنا متأكدة .

عساف : هل يمكن أن أقدم لك شيئاً ؟ شاى ؟

أبجيل : لا شكراً .

عساف : أأنت متأكدة ؟ لا مشكلة .

أبجيل : أنا بخير . كان على أن أحضر فى الوقت المناسب لكى أشكرك .

عساف : تشكرينى ؟

أبجيل : بسبب تغير حياتى .

عساف : كيف حدث ذلك ؟

أبجيل : هل تتذكر المحادثة التى كنا أجريناها معاً فى هندرسون ؟

عساف : على ما اذكر ، تحدثنا فى عدة أمور .

أبجيل : لقد قلت لى السر فى قشرة فطيرة التفاح .

عساف : آه ، نعم .

أبجيل : الزبد . مزيد من الزبد . الفطيرة التى أحضرتها . لا أستطيع أن أصدق كيف كانت القشرة رقيقة و خفيفة و أنت قلت : الزبدة كان ذلك بمثابة الوحى لى . كل هذه السنوات و أنا أستخدم الكرنسكس .

عساف : ( جامد الوجه ) أفضل للمصابين بالنوبات القلبية .

أبجيل : ( تضحك بعصبية ) نعم ! لذلك هذا بالمناسبة . شكراً لهديتك . بالطبع . أريد أن أعرف رأيك فى القشرة . أقصد لكنى أحب أن تجربها و تعطينى خبرتك المهنية .

عساف : إنه لكرم كبير منك . لكنى لا أرغب فى ذلك إن لم تمانعى .

أبجيل : لكن عليك أن تجرب ذلك .

عساف : لقد تناولت عشائى للتو .

أبجيل : لكنك لم تمل . صحيح ؟

عساف : سأجربها فيما بعد .

أبجيل : لا . ليس ذلك … أريد أن أرى رد فعلك .

عساف : لكن ماذا لو كنت لم أحبها ، سوف أجرح مشاعرك .

أبجيل : لا بأس . لدى بشرة سميكة مثل الفيل .

عساف : جلد .

أبجيل : ماذا ؟

عساف : للفيل جلد و ليس بشرة .

أبجيل : صحيح . كل ما اريد قوله أنك لا تستطيع إهانتى . أوكيه ؟ إن ذلك مستحيل ، هنا . جرب هذه

( تأخذ السكينة ، و الشوكة و منشفة من حقيبتها و تقدمهم إليه . دقة )

عساف : إنها تبدو جيدة جداً .

أبجيل : نعم . هى كذلك . أليس كذلك ؟

( دقة . فى تردد )

عساف : آسف . لا أستطيع أن أفعل ذلك .

أبجيل : عساف . لقد قطعت كل تلك المسافة من المدينة إلى البلدة فى هذه الليلة الباردة جداً لكى أحضر لك هذه الفطيرة . رجاء جاملنى و أقطع لنفسك شريحة صغيرة و قل لى رأيك فيها . و بصدق من فضلك ، أستطيع أن أتحمل ذلك .

عساف : هل تعتقدين أن من السهل على مهاجر لبنانى أن يكون صادقاً فى أمريكا ؟

أبجيل : بخصوص الفطيرة ؟

عساف : بخصوص أى شىء .

( دقة )

أبجيل : حسناً , تناولها فيما بعد ، أو لا تتناولها ، إذا كنت لا …

عساف : آسف . حقيقة ، لم أقصد أن أكون وقحاً معك .

أبجيل : ( ناهضة لكى تخرج ) ما كان ينبغى أن أحضر ، و اقتحم شقتك على هذا النحو ، فجأة .

عساف : لا ، لا . أنا سعيد بحضورك .

أبجيل : أأنت كذلك ؟

عساف : إنه لطيف جداً منك . لفتة طيبة ، رجاء .

( يدعوها للجلوس ، تفعل )

كما تعرفين ، أجد مفارقة فى تلك الجملة : الأمريكان فطيرة التفاح “

أبجيل : لماذا ذلك ؟

عساف : كما لو كان الأمريكان هم من اخترعها .

أبجيل : حسناً ، نحن إلى حد ما فعلنا ، أليس كذلك ؟

عساف : الفطائر و التفاح موجودة حولنا من زمن طويل . اليوم ، ينتج الأمريكان التفاح أكثر من أى بلد آخر فى العالم ، لكن الرومان زرعوه فى أوربا من ألفى عام ، لكنك تذوقت التفاح الجيد فى نيوزلاندا ، حسناً …

أبجيل : لكننا رقم واحد فى التفاح .

عساف : نعم . الأمريكان رقم واحد فى التفاح .

أبجيل : لابد أنك تظن أننا نفخر بذلك جداً .

عساف : أمريكا بلد شابة ، ويأتى التواضع مع التقدم فى السن .

أبجيل : أنت لا تحب  المكان هنا .

عساف : لم أقل ذلك .

أبجيل : أنت بارع فى النقد . أستطيع أن أحس هذا .

عساف : و هل ذلك يعنى أننى لا أحب هنا ؟

أبجيل : لماذا أنت هنا ؟

عساف : لماذا لبنانى حاصل على دكتوراة فى الفلسفة يدرس االدراسات الاجتماعية فى كلية المجتمع فى مكان مثل هذا ؟ و كيف يتأتى له أن يصنع مثل هذه الفطائر اللذيذة ؟

أبجيل : إذن ما الإجابة ؟

عساف : أنت قلت لى .

أبجيل : لم يكن عندى فكرة .

عساف : أحمق .

أبجيل : أوكيه . دعنا نرى . أنت لاجىء و تحتاج إلى وظيفة . كشخص عربى ، لديك صعوبة فى الحصول على واحدة ، فى الأوساط الأكاديمية على نحوها . هكذا انتهى بك الأمر هنا حيث يصعب إرضاءك .

عساف : و ماذا عن خبرتى فى فطائر التفاح ؟

أبجيل : فى أيام دراستك عملت فى مطعم أمريكى فى بيروت ( يومىء عساف موافقاً ) صحيح ؟

عساف : تماماً .

أبجيل : هل يوجد طعام عشاء أمريكى فى بيروت .

عساف : كل شىء فى بيروت ، حتى ماكدونلدز .

أبجيل : ألديهم مطاعم ماكدونلدز فى بيروت ؟

عساف : إنها أمريكية مثل فطيرة التفاح . دعينى أسألك شيئاً .

أبجيل : أكيد .

عساف : لماذا أتيت لرؤيتى ؟

أبجيل : أعجبت بك ، عندما قابلتك فى الحفل .

عساف : كان ذلك من عشرة شهور .

أبجيل : أنا مطلقة الآن .

عساف : فهمت .

أبجيل : هل يمكن أن تخرجى معى ؟

عساف : فى لقاء غرامى ؟

أبجيل : نعم .

عساف : حسناً ، ذلك عرض مغرى جداً .

أبجيل : هل تود ؟

عساف : كما تعرفين . لو كان هناك شيء واحد قد تعلمته منذ أن حضرت إلى هذه البلد ، سيكون هو أن الأمريكان لا يؤمنون بالمداعبة .

أبجيل: جرب معى .

عساف : كلام مجازى .

أبجيل : هل ترغب فى الخروج معى ؟

عساف : لا أعتقد أنها فكرة جيدة .

أبجيل : أنت لست متزوجاً و غير مرتبط  أيضا  .

عساف : كيف عرفت ؟

أبجيل : راجعت بياناتك .

عساف : أنت و الأمن الداخلى .

أبجيل : بدون توقعات – مجرد فرصة للتعارف و إذا كانت هناك كمياء ، حسناً ، لا ضرر من القيام بذلك . هناك مطعم صغير لأطعمة الشرق الأوسط فى شارع هارسون .

عساف : أوه  . نعم .

أبجيل : هل تعرفه ؟

عساف : تتم إدارته من قبل الرومانيين .

أبجيل : رومانيون ؟

عساف : الفلافل فى كيس . يستطيع أى أحد أن يعملها.

أبجيل : إذن أنت اخترت بنفسك  . أنا بسيطة ، أحب كل أنواع الأطعمة الأصيلة .

عساف : أبجيل ، إنه عرض لطيف جداً . دعينى أفكر فى ذلك .

أبجيل : ما الذى تفكر فيه ؟ أوكيه ، لست عبقرية جداً و أضحك بصعوبة و لدينا مانستمع به . شىء ما يقول لى أنه يمكنك أن تمارس بعض المتعة .

عساف : لن يكون جيداً أن تتورطى معى .

أبجيل : أنا أتحدث عن العشاء و رحلة إلى ديزى كوين .

عساف : أتعرفين كيف ينظر الناس إلى ؟

أبجيل : نعم ، لقد رأيت الناس  وهم ينظرون إليك .

عساف : أنت لم تستمعى إلى بعض الرسائل التى وجدتها على جهاز الأنسرماشين .

أبجيل : يمكننى  أن أتخيل .

عساف : لا . لا يمكنك .

أبجيل : هل تعتقد أننى لا أستطيع أن أفكر فى كل هذا ؟

عساف : يحاول الأمريكان دائماً أن يجربوا شيئاً جديداً .

أبجيل : أذلك ما تعتقده ؟ ذلك أنك بالنسبة لى أجنبى ؟ أنت لطيف ، و حساس ، و جنتلمان  أحب أن أتعرف عليك . ذلك هو كل ما فى الأمر .

عساف : آسف . أحتاج إلى قليل من الوقت .

أبجيل : حسناً ، لا أريد أن أذهب إلى أى مكان .

عساف : كان لطيفاً منك أن تأتى .

( يتصافحان ، تنهض لكى تغادر )

أبجيل : سأتصل بك .

عساف : لا ، سأتصل بك ، رجاء ؟

أبجيل : بالطبع ، تمتع بالفطيرة ، سأسمح لنفسى بالخروج .

عساف : مع السلامة ، شكراً لك ، شكراً لحضورك .

( تخرج . يجلس عساف ، ينظر إلى الفطيرة ، ثم يمسك بالسكينة و يقطع شريحة منها . تظهر أبجيل من جديد عند مدخل الباب . تشاهد . متناسياً حضورها ، يأخذ قطعة من الفطيرة . يستطعمها )

أبجيل : إذن ما أريك ؟

عساف : ( مندهشاً و هو ينظر حوله ) تمام .

[ تعتم الأضواء ] نهاية المسرحية

المؤلف : بيتر سناد ، كاتب مسرحى أمريكى من اصل بريطانى ، يقيم فى امريكا منذ عام 1977 ، مثلت مسرحياته فى معظم انحاء أمريكا ووكندا وبريطايا واستراليا ، وحاصل على العديد من الجوائز المسرحية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *