خاص- ثقافات
تغلق الباب، تغلق النوافذ، تُعدّ شاي المساء وقلبها يشتعل، ففي مثل هذه الساعة كان ابنها الحبيب يعود مرهقاً من عمله في المصنع البعيد، تُعدّ الشاي كالعادة على أمل أن يعود، فمنذ أن قتلوه قبل مائة وأربعة عشر يوماً وهي لا تكلّ عن انتظاره كل مساء، تُعد الشاي وتسكب من الإبريق الأزرق كأساً له، وكأساً أخرى لها، وتجلس في الانتظار، لا تشرب الشاي ريثما يعود، ثم تبكي حينما ينقضي الليل ولا من مجيب.
هذا المساء، في اللحظة التي كانت تتوقع فيها أن يدق على الباب، لكي يشرب شايه الساخن، جاءوا دون حياء، دقوا على الباب، دقوا على النوافذ، ثم اندفعوا في البيت مثل الطوفان، فتشوا كل ركن وزاوية، فلم يعثروا على أحد.
يكتشفون فجأة كأس الشاي التي تنتظر الشهيد، تكبر علامات الاستفهام وتكثر الأسئلة، والمرأة صامتة لا تجيب، والكأس المذعورة تتجمع على نفسها في قلق، تفكر في لحظة عاصفة أن تهرب عبر الباب، غير أن أحد الجنود في اللحظة التي تسبق الخروج، يقبض على الكأس بحنق، يطوّح بها نحو الحائط في صلف، فلا تنام المرأة تلك الليلة، ولا ينام أهل المدينة، فقد ظلوا حتى الفجر يسمعون صوتاً شبيهاً بزجاج يتكسر حيناً، وأحياناً أخرى شبيهاً بالبكاء.
________
*من مجموعته “صمت النوافذ”/قصص قصيرة جداً/ منشورات الأهالي/ دمشق/ 1991