خاص- ثقافات
*مصطفى ملح
تقدّمتُ بإصرار نحوها. ماذا سيحدث؟ فستانها الزّهريّ وابتسامتها العريضة وعيناها الغارقتان في الحاسوب وعطرها السّابح في ملكوت الفراغ الصّامت. صباح الخير! خرج الصّوت مرتبكا مثل آخر قطعة ضوء تسقط في العتمة. ردّت: صباح الخير!
أكان صوتا أم موشّحا أم معزوفة تتدفّق من منقار سنونو؟ صباح الخير!.. الصّوت ليس مجرّد احتكاك شّفتين منسجمتين بدعم مسبق من الحلق، وإنّما هو لغة الباطن. هل أنا قريب من باطنها الغامض؟ تمنّيتُ لو أُدرك ما يحبُل به باطنها الذي جاد بهذا الصّوت المتناغم الحلو..
ومرّت الأيّام وأنا أحاول الاقتراب من خلية النّحل، والملكة بدأتْ تلين بالتّدريج. وعلمتُ أنّ اسمها ليلى. وصرنا نتحدّث ولو بكلمات قليلة عن حالة الطّقس وعن العمل والمدينة الكبيرة وعن فيروز. أجل فيروز! فبعد أسبوعين دعوتها لشرب العصير. كانت المقهى هادئة، والحديقة أمامها نائمة في السّكينة، ما عدا بضع فراشات ملوّنة تترنّح فوق أزهارها. مددت أصابعي نحو أصابعها. والنّادل يمسح الطّاولة، وشفتاها تتلذّذان بصمت الغروب المتدفّق. وأصابعي تغرق في دفء أصابعها. وابتسمتْ فلمع الدّرّ وهاج قلبي. وما زالتْ أصابعي تتشابك مع الأصابع المجاورة الصّديقة. والبرتقال في الكأس يوشك أن ينفد. وبعد لحظات انطلق صوت فيروز داخل المقهى:(حبّيتك تنسيت النّوم، يا خوفي تنساني). وشعرنا أنّها تغنّي لنا دون غيرنا. وبعد برهة تململتْ شفتاها وشرعتا في الغناء انسجاما مع الأغنية. بعدها ستخبرني أنّها عاشقة لفيروز ومارسيل خليفة.وفي طريق عودتها أخبرتها برغبتي في الزّواج بها. لم تقل شيئا. عيناها فرحتان. وجهها أبيض كالبَرَد. يدها تضغط برفق على يدي. تلتفت نحوي كظبي شارد:
-
ما الذي أعجبك فيّ؟
-
كلّ شيء.. رأيتك منذ شهرين أو أكثر بقليل.. كنتِ الموجة الشّاردة.. وكنتُ الغريق العاشق..
-
قل أيّها العاشق.. كيف ستعاملني إن صرت زوجتك؟
-
أكثر ممّا تتصوّرين..
-
كيف؟
-
كما يحدث للشّعاع حين يلتقي بشعاع آخر.. يلتحمان فيصيران شعاعا ثالثا أبديّا!
-
يا سلام.. ما كنت أعرف أنّ وراء هذا الوجه الخجول شلّالا من الكلمات العذبة..
-
جمالك الطّفوليّ من ألهمني هذه الكلمات..