“قصور الحمراء” .. عمارة الفردوس الأندلسي المفقود

خاص- ثقافات

*د. رضوى زكي

لطالما كانت العمارة هي كتاب التاريخ المفتوح، تتعاقب الدويلات في التاريخ الإنساني، وتتغير نظم سياسية شتى، ويبقى البنيان شاهدًا على حضارة الإنسان. وقد كانت العمارة الإسلامية التي خلفتها الحضارة الإسلامية التليدة في الأندلس مرآة لعظمة الحضارة والثقافية الإسلامية في تلك البقعة من أوروبا.

تقع قصور الحمراء على هضبة مرتفعة في الجزء الشمال الشرقي من مدينة غرناطة، الواقعة بدورها جنوب مدريد عاصمة إسبانيا. وتعد ” المجموعة المعمارية المسماة بـ “قصور الحمراء” بناءً أثريًا بارزًا يعود لعصر ملوك بني الأحمر؛ حكام غرناطة المسلمين في الأندلس بعد سقوط دولة الموحدين، وترجع بداية تشييد قصر الحمراء إلى القرن السابع الهجري، الموافق للقرن الثالث عشر الميلادي، وترجع بعض أجزائه إلى القرن الثامن الهجري الموافق للقرن الرابع عشر الميلادي.

وبعد سقوط الأندلس في يد ملوك إسبانيا تحول إلى كنيسة؛ ثم مر الزمن دورته على مدار قرونًا طويلة لتصبح قصور الحمراء في النهاية مزار سياحي فريد، ومعلم من معالم الأندلس الإسلامية في قلب مدينة إسبانيا، وموضعًا كان يومًا شاهدًا على ذكريات مجد الحُكّام المسلمين، وبطولاتهم التي سُطرت في ألواح التاريخ، ومزيجًا استثنائيًا من العمارة العربية والفنون الإسلامية في أوروبا.

وقد رصد كتاب “قصور الحمراء: ديوان العمارة والنقوش العربية” لمؤلفه الدكتور محمد عبد المنعم الجمل جانبًا من روائع عمارة قصور الحمراء، ونقوشها العربية على مدار ستة فصول، يتنقل أحداها إلى آخر في سلاسة ويسر، ليقدم للقارئ العربي في قالب أكاديمي أنشودة عمارة الفردوس الأندلسي المفقود، متخذةً من عمارة قصور الحمراء نموذجًا على تطور العمارة والبنيان في الأندلس.

 ويعد هذا الكتاب بمثابة موسوعة لتحليل النقوش الكتابية العربية التي تزين جدران قصور مدينة الحمراء بغرناطة في مدينة الأندلس، ويعكف على دراسة تطور طرز العمارة الإسلامية بالمدينة، منذ عصر بني أمية وحتى عصر بني نصر آخر ملوك وسلاطين غرناطة، والذين يرجع إليهم الفضل في إنشاء مجموعة قصور الحمراء بوحداتها المعمارية الفريدة.

ويستعرض الكتاب كذلك تاريخ انتشار الخط العربي في الأندلس، وخصائص النقوش الكتابية العربية وتطورها، ويلقي الضوء على النقوش الكتابية المدونة على وحدات قصور الحمراء معتمدًا على الصور التوضيحية والدراسة الوصفية المفصلة. ويُختتم الكتاب بدراسة تحليلية لأنماط الخطوط العربية المدونة على قصور الحمراء كالخط الكوفي وخط الثلث، ومضامين النقوش الكتابية والعناصر الزخرفية مما يعكس حقيقة تميز فن النقوش الكتابية العربية في غرناطة الذي اتسم بالثراء الزخرفي والفني أثرت فن الخط العربي في الأندلس.
__________
*(باحثة وكاتبة مصرية)

 

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *