خاص- ثقافات
*عدنان الصباح
كلما جلجلت ضحكة العربي عالية همس بصوت خافت خوفا وهلعا ” اللهم استر ” أو ” اللهم اجعله خير ” أو خير اللهم اجعله خيرا ” أو سترك يا رب ” كل ذلك خشية أن يتبع الضحك والفرح سوءا أو شرا وأبدا لا يستمتع العربي بفرحه بل على العكس من ذلك هو يستكين كثيرا للتشاؤم والحزن والخوف وبالتالي فهو يرفض الفرح في أعماقه ولا يسعى إليه وإذا فعل فانه لا يستطيع الاستغراق بفعل الفرح ولا الاستمتاع به وهاجس الشر والسوء يلاحقه.
غريب هو قبول العربي بالبقاء حيث هو خشية لمفاجئ جديد وكأن كل ما هو جديد مرتبط جذريا بما هو سيء ويبدو أن الهزائم المتكررة والتراجعات والخسائر التي مني بها العرب على مر التاريخ هي الأساس التي جعلت العربي يخشى كل ما هو جديد ويتمسك بماضيه كما هو على اعتبار أن مع كل جديد تراجع جديد وهزيمة جديدة وان الفوز والنجاح والانتصار باتت سمات لا تقترن على الإطلاق باسم العرب والعروبة وبذا وجدوا أنفسهم يقبلون اقتران اسمهم بالشتيمة بل ويمارسونها ويطلقون النكات مستهزئين بأنفسهم وتاريخهم فكيف يمكن لأمة تتندر بتاريخها وتعدد مساوئه بل وتعلن فشلها في الأدب والفن والتراث.
يقول مظفر النواب في أشهر القصائد السياسية وأكثرها شيوعا في العالم العربي
” ما أقذرنا … ما أقذرنا
ونكابر ما أقذرنا ”
ويختتم هذه القصيدة بخطاب على شكل نبوءة قائلا
” سنصبح نحن يهود التاريخ ونعوي في الصحراء بلا مأوى ”
وقدم نزار قباني نموذجا اخر في شتيمة الذات العربية في قصيدته ” مواطنون بلا وطن ”
” نحن بغايا العصر
كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن
نحن جواري القصر
يرسلوننا من حجرة لحجرة
من قبضة لقبضة
من هالك لمالك
ومن وثن إلى وثن
نركض كل ليلة كالكلاب
من عدن لطنجة. ”
ويصرخ محمد الماغوط بأعلى صوته قائلا ” أيها العرب يا جبالا ً من الطحين واللذة ويا حقول الرصاص الأعمى أتريدون قصيدة عن فلسطين عن الفتح والدماء؟ ” ويشتم احمد مطر حتى دعاة الثورة في العالم العربي بما هو أسوأ قائلا:
” إذا كان الثوري نظيفا
فلماذا تتسخ الثورة
وإذا كان وسيلة بول
فلماذا نحترم العورة ”
وانهي أمثلتي بما قاله احمد فؤاد نجم
” بشرى لأصحاب الديول
والي له أربع رجول
بشرى لسيادنا البهايم
من جمايس أو عجول ”
” خير اللهم اجعله خيرا ” همسة العربي بعد كل ضحكة هي شعار العاجز الخائف غير الواثق من غده الغيبي لإدراكه انه ممتنع أصلا عن النهوض لاستجلاب غد مشرق بفعل قادر على دفعه للاحتفال بانجاز يدفع به إلى الأمام, وهو بالتالي قابل بهذه المكانة في أسفل سلم البشر رغم إدراكه لها والأسوأ من ذلك رغم تكرار شتمه ورفضه لها لفظا إلا انه بفضل الاحتفاظ بسلامها الكاذب, وهذا تناقض عجيب حين تعرف السيء وترفضه بالقول وتعيش عمرك خائفا من حدوثه وفي نفس الوقت تقبل به فعلا كأمر واقع لتصبح كمن وضع نفسه بقيود لا فكاك منها ثم استكان لمقولة ليس باليد حيلة, حالة عجز وخواء وخوف وتردد نهرب منها للتشبث بما نعرف مهما كان سيئا خشية ما لا نعرف مهما حلمنا به لإدراكنا التام أننا خارج دائرة الفعل وان مهنة المتلقي العاجز لن تأتي لصاحبها إلا بسوء من يصنعون غده من الأعداء وكأنهم قدرنا ولا حيلة لنا بأمرهم.
فوبيا أو متلازمة خوف العربي من الفرح تأتي كنتاج طبيعي للخوف من المستقبل فالفرح مرتبط عادة بخبر سار أو قادم ايجابي مادي كان أو معنوي ولان العرب اعتادوا منذ زمن على الهزيمة تلو الهزيمة فان ارتباط الفرح بالمستقبل صار مستحيلا وبذا فهم يسارعون للتنازل عن خوفهم أو للاستعاذة منه خشية أن يأتيهم بالغد الذي صار مقترنا تلقائيا بما هو سيء وضار وتراجع جديد عن واقع الحال فكل ارتباط بغد هو ارتباط بتراجع وخسارة وسوء حال على الصعيد الجمعي العربي وهو ما انسحب حتى على الفرد بشكل تلقائي.