لطفيّة الدليمي تنقل السيرة الذاتيّة للراحل زين العابدين إلى العربيّة

خاص- ثقافات

يصدر قريبًا عن دار المدى، كتاب (رحلتي- تحويل الأحلام إلى أفعال) : السيرة الذاتية لمهندس الصواريخ العالمي والكاتب والفيزيائي والشاعر وعاشق الموسيقى والرئيس الهندي الراحل زين العابدين عبد الكلام.

الكتاب الذي ترجمته الروائية والأديبة العراقيّة المعروفة، لطفيّة الدليمي، عبارة عن استذكارات جميلة لتفاصيل صغيرة لم يأتِ عبد الكلام على ذكرها في سيرته الذاتية المنشورة في كتبه السابقة ومنها كتابه الشهير “أجنحة من نار”.

يقول عبد الكلام ”  أقول دوماً للكثيرين الذين أقابلهم : الأحلام ليست ما نراه في منامنا ، بل هي بالضبط ما ينبغي أن يجعلنا لاننام أبداً !! “، ويقول أيضًا ” ينبغي إحلال الروحية القائمة على مبدأ ( ما الذي يمكنني منحه ) محلّ الروحية القائمة على ( ماالذي يمكنني اقتناصه ) – تلك هي الطريقة المثلى لاستئصال الجشع الذي يقود إلى مشاكل خطيرة مثل : الفساد ، و التدهور البيئي المستديم ، و السلوكيات الأخلاقية الشائنة”.

تؤكد لطفية الدليمي على غلبة الجانب الحميمي في هذه المذكرات، وتركيزها على الجوانب الإنسانية النبيلة والتي تعدّ ضرورة لازمة تفرضها متطلبات العيش وإدامة الحياة في البيئات الفقيرة من العالم ، وهنا يكاد يشعر المرء أثناء قراءة هذه المذكرات برغبة عبد الكلام في تأكيد القيمة العليا للجوانب الإيثارية الرائعة التي حازها شخوص كثيرون في حياته ابتداء من أبيه وأمه وأخته وابن عمه وحتى بائع الكتب في مدراس وانتهاءً بالعلماء الكبار الذين عمل معهم في وقت لاحق من حياته المهنية ، وأحسب بحقّ أن أمثال هذه المذكّرات تعدّ وثائق أنثروبولوجية ومجتمعية ميدانية تضيف لعدّة الباحث والمتطلّع لفهم طبيعة العلاقات السائدة في المجتمعات الفقيرة – تلك العلاقات المتّسمة بالتعاضد العضوي الذي لانشهد مثيلاً له في البيئات الثرية ، وربما يكون هذا هو السبب الذي جعل البيئات غير الثرية ( والهند منها بالطبع ) قادرة على إنجاز أعاجيب تقنية بكُلَف لاترقى إلا بنسبة بسيطة للمقارنة مع كلف مثيلاتها في البيئات الغنية ؛ إذ أن العلماء والمطوّرين الذين نشأوا في بيئات فقيرة يميلون في العادة إلى الاستخدام الأمثل للموارد وإنتاج مُصنّعات ذات كلف تقع في نطاق قدرة الأغلبية على حيازتها ، ويمكننا في هذا الميدان أن نذكر التطوير التقني الخاص بتصنيع الدعامة القلبية بكلفة رخيصة نسبياً والذي ساهم فيه عبد الكلام ، كما لايمكن إغفال رغبته العنيدة في تصنيع حاسوب لوحي يخدم طلبة المدارس بخاصة ولاتتعدى كلفته بضعة دولارات .  يكاد المرء يشعر وهو يتفحص الكلمات الحميمة التي كتب بها عبد الكلام مذكراته هذه بأنه يريد تثبيت الحقيقة التالية أمام الجميع : من الطبيعي أن يبتهج المرء بإنجازاته العلمية والتقنية الباهرة ، وقد يحصل على أعلى المراتب الأكاديمية والجوائز التي قد ترقى لمرتبة جائزة نوبل ، وقد تنهال عليه الأموال كنتيجة لأعماله البحثية أو التطويرية في حقل ما ، ولكن تبقى سمات الإيثارية وكرم الروح والعطاء والانتباه لمعاناة الآخرين ونبذ روح الجشع هي القيم العليا التي تمثّل مشكاة مضيئة وإلهاماً مستديماً للكائنات البشرية جميعها في هذه الحياة .

وتضيف الدليمي : ” جذبني هذا الكتاب بقوة خارقة منذ صفحاته الأولى ، وبالإضافة لتوقي الشديد في قراءة السير الشخصية والمذكرات التي تسهب في الإشارة إلى المخفي وغير المحكيّ عنه فثمة سبب إضافي دفعني لترجمة هذا الكتاب . تمدّنا نظريات التنمية الحديثة بوسائل وأساليب ونماذج معيارية قياسية صارمة لتحقيق الارتقاء الاقتصادي والتطور التقني ، ولكن هذه النظريات لاتأتي في العادة على ذكر ( الرمزية ) التي تمثّلها بعض الشخصيات المؤثرة والتي يمكن لها أن تدفع بالتطور التقني أشواطاً إلى الأمام ، وربما يكمن السبب وراء هذا الأمر أن نظريات التنمية المعيارية تتحدث عن بيئات مؤسساتية شائعة في العالم الغربي الذي لم تعد تشغل الرمزية فيه أي حيّز في الاهتمامات الفردية ؛ في حين أن الأمر يختلف مع البيئات المشرقية التي لاتزال الرمزية الشخصية تلعب فيها دوراً مؤثراً ، وهنا لابدّ من التذكير أن هذه الرمزية عامل بنّاء ودافع للتنمية على الصعيدين الفردي والمجتمعي متى ما امتلكت الشخصية الرمزية سمات إيثارية وحازت على قدرات علمية وتقنية بارعة ومتقدمة تحصّلت عليها بالجهد والكدّ والتعب والمجالدة بعيداً عن الرمزيات الدينية أو العائلية او السياسية المعلّبة التي ابتلي بها العالم الثالث ( ونحن جزء متأصل فيه بالطبع ) . يقول عبد الكلام في سياق إجابته عن سؤال يختص بوصاياه للشباب : ينبغي إحلال الروحية القائمة على مبدأ ( ماالذي يمكنني منحه ) محلّ الروحية القائمة على ( ما الذي يمكنني اقتناصه ) ، وأرى أن هذه الرؤية الإيثارية الراقية هي التي تتغلغل في ثنايا تفاصيل هذه المذكرات ؛ ومن ثمّ كانت السبب الذي دفعني لترجمة هذا الكتاب ووضعه بين أيدي القرّاء الكرام .

قراءة هذا الكتاب الذي صمّم غلافه الفنان ماجد الماجدي، تشكّل متعة عقلية وروحانية، وكشفا مدهشا للطموح والتحدي لبلوغ الاهداف العظمى.

 

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *