القطب الجامعي محمد اليعلاوي بجندوبة يحتفل باليوم العالمي للغة العربية

*لطفي العيّادي – تونس

“غير أن التخلف العلمي و المعرفي و الثقافي والنزعة المحافظة تشكل عوامل تسهم في إضعاف اللغة العربية لتكوّن مجتمعة عائقا نحو الإصلاح اللغوي المنشود… ” شكري المبخوت

انتظمت يوم الخميس 15/12/2016 برحاب جامعة محمد اليعلاوي بجندوبة فعاليات الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية تحت شعار: مكانة اللغة العربية و إسهامها في المعرفة البشرية الذي يتزامن مع ذكرى وفاة المرحوم محمد اليعلاوي حيث استهلها السيد حسن باشا رئيس الجامعة بكلمة رحب فيها بالضيوف وبالمشاركين مستعرضا تقديما موجزا لشخصية اليعلاوي ودوره المميز في بعث هذا الصرح الجامعي بالشمال الغربي التونسي كتتويج لحصيلة حبه للمنظومة الجامعية ودافعية إهدائه لكامل مكتبته للمعهد العالي للعلوم الإنسانية بجندوبة معتبرا إدخال اللغة العربية ضمن اختصاص تكوين المعلمين بالمركب الجامعي تنفيذا لوصيته
ثم أحال الكلمة لرئيس جامعة منوبة السيد شكري المبخوت الذي قدم مداخلة بعنوان: ” اللغة العربية في العصر الرقمي ” مبينا أن قضية اللغة العربية في المشهد العالمي معقدة ومتشابكة فالحديث عن اللغة العربية في العصر الرقمي يقتضي التوقف عند جملة من المؤشرات أولها : مفهوم السياسة اللغوية ذلك أن تدخل السلطة السياسية في مسألة اللغة العربية مرتبط بمسألة سيادة الدولة مشيرا إلى أن الإطار العلمي و الوسائل الكفيلة بتطبيق هذه السياسة : تبدي ملامح لسياسة لغوية عفوية تتصف بردة الفعل في تعاطيها مع تعريب الإدارة إلى جانب سيطرة خطاب اللهجة المحلية في وسائل الإعلام وفي المؤسسات التعليمية ويرجع ذلك إلى غياب القرار السياسي الذي أدى بدوره إلى غياب هياكل رسمية لرصد وتقييم الظواهر اللغوية مضيفا بأن الوعي بمنزلة اللغة العربية في الفضاء الرقمي مرتبط باستعمالها المكثف في الشبكة العنكبوتية ضمانا لمكانتها بين اللغات العالمية فهي علاوة على حضورها في وجدان الناطقين بها فإنها تعتبر ضمن الخيارات البشرية و العلمية لإدارة المخططات اللغوية والاستفادة من تطور علوم اللسانيات كما يمكن توظيف الحماستين – ” الحماسة القومية والحماسة الدينية ” – ضمن تلك التخطيطات لتطوير اللغة على غرار قرار عبد الملك بن مروان بتعريب الدواوين الذي نتج عنه حينها تعميق الدراسات المرتبطة باللغة العربية ودراسة اللهجات المحلية ووضع المعاجم وهو ما يتيح زيادة فرص تدريس العربية لغير الناطقين بها في مناطق أخرى ، كما أن استئناف هذا الجهد الذي يجمع بين القرار السياسي و الكفاءة العلمية ومتطلبات العصر الرقمي يجعل اللغة العربية تفرض نفسها في التعليم و الإدارة و الإعلام وهو يقتضي تكوينا علميا للاشتغال على المحامل اللازمة لتطوير البحوث التطبيقية ودعم الحكومة الالكترونية لتظل اللغة العربية قائمة .
ومن وجهة نظره المتفائلة يرى شكري المبخوت أن اللغة العربية لا يتهددها الاندثار لوجود مؤسسات مرتبطة بالدولة الحديثة  وبخاصة التربية و التعليم غير أن التخلف العلمي و المعرفي و الثقافي والنزعة المحافظة تشكل عوامل تسهم في إضعافها لتكوّن مجتمعة عائقا نحو الإصلاح اللغوي المنشود مبينا جدلية العلاقة القائمة بينها وبين تطوير اللغة العربية
معتبرا أن صناعة المحتويات العلمية تقوم على مقومات ثلاث وهي الاستثمار والتقنيات و اللغة كما أن الدوارج لا تهدد اللغة العربية الفصحى فالفصيح هو لغة مصنوعة بالضرورة ذلك أن التطور التاريخي للغة العربية مرتبط بمقدار احتكاكها باللغات الأجنبية فالتفاعل اللغوي و التدوين بالعربية والانفتاح على لغات المستقبل كالفارسية و الصينية لا يفقد اللغة العربية قيمتها و لا يضعف من اللغات الأجنبية .
– وعن مؤشر اقتصاد المعرفة : أشار المبخوت  أن تقنيات الاتصال المعلوماتية فتحت فضاءات رحبة للّغات بصفة عامة غير أن ضعف عدد التطبيقات باللغة العربية مرتبط بضعف صناعة البرمجيات و المحتويات الرقمية كما تشير إليه إحصائيات سنة 2010 من تدن لنسبة صفحات النات العربية  – صفحة واحدة مقابل 1000 صفحة باللغات الأخرى وكذلك ضعف نسب النفاذ إلى المعلومة و المقدرة بـ : 4.1 بالمائة مقارنة بنسب النفاذ المرتفعة باللغات الأخرى غير أنها في تطور ملحوظ حوالي 20 بالمائة.
واعتبر الأستاذ مُجيد الشارني في مداخلته : ” اللغة العربية بين التعلّم و التعليم وتحديات العولمة” أن اللغة العربية تشهد تحدّيين إثنين أولهما التحدي اللغوي الذي يتطلب مهارة التعلم و الإبداع ومهارة المعلومات والإعلام ثم الحياة والمهنية أما التحدي الثاني فيتعلق بالعولمة الثقافية بما تعنيه من تدفق كبير للمعلومات و زيادة الهيمنة و للحد منها لابد من قرار سياسي وسيادي وطني مشيرا إلى أن التعلّم هو ذلك البناء الذاتي للمعرفة داخل المجال المدرسي وهو مرتبط بنشاط التعليم فاللغة العربية متطورة ولكن السياسة متخلفة و يظهر ذلك في التراجع عن استخدام اللغة العربية داخل المجال السياسي ومن جهته خلص الشارني أن لا خوف على اللغة العربية من الفناء جراء انتشار اللهجات المحلية معللا بكونها تعد منطلقات علمية لفهم الفصيح و أن حراك الأنظمة اللغوية يتيح للغة العربية المنجزة الفاعلية في مستوى الثقافة مشيرا إلى سياسوية تجربة تعريب مادة الرياضيات في تونس ورداءة تطبيقها  مضيفا أن المدرسة التونسية أهملت في تعليمها البعد التخييلي ذلك أنه أكثر أهمية في نظره من المعرفة ذاتها فاللغة لا تتطور إلا من خلال الفكرة ” الداروينية ” التي تضمن لها الاستمرار.كما أن ما  أسماه بــ “النديم البشري” مفيد بتفاعله عبر صفحات الشبكة العنكبوتية  لما له من دور إيجابي في تجدد اللغة العربية فالمعالجة الحاسوبية للغة مثل تجربة اليابان و الصين و إيران عبر السلطة الاقتصادية تدفع نحو الدخول في الجيل الخامس حتى تصبح العربية ضمن عملية التفاعل الالكتروني مستدلا عن فكرة الأزمنة عبر الذاكرة و الرغبة و الخلود مشيرا أن الغرب يعكفون الآن على دراسة اللغة العربية لفك شفرة الإرهاب أما أزمة اللغة العربية في مستوى التدريس فهي أزمة قيميّة بالأساس مقارنة بما كان يدرس من نصوص قديما .
محمد اليعلاوي ودعمه القوي للغة العربية
وفي سياق مداخلته تحت عنوان : ” الأستاذ محمد اليعلاوي ودوره في خدمة اللغة العربية و آدابها ” استعرض الأستاذ مبروك المناعي محطات هامة من حياة العميد اليعلاوي من مواقع متعددة تحرك فيها خدمة للغة العربية بدءا من موقعه كأستاذ  للعربية ومسيرته المهنية و كذلك من موقعه الإداري و السياسي و من موقع الباحث: الدراسات المعمقة أطروحة الدكتوراه حول ابن هانئ الأندلسي ومن موقع المؤلف حيث استعرض حصيلة منشوراته وإصداراته منها أشتات في اللغة – 4 أجزاء – و نصوص كثيرة محكمة – فهو يعدّ سلطة علمية معرفية  فضلا عن موقعه كمترجم لعدة أعمال بإتقانه للعربية و الفرنسية و الايطالية منها ترجمته لأطروحته إلى الفرنسية  ملاحظا أن  محمد اليعلاوي  تولى بنفسه تأليف سيرته الذاتية  التي قدمها لبيت الحكمة. وعن موقعه كمحقق فقد اعتبر مبروك المناعي أن محمد اليعلاوي من كبار المحققين الذين افتقدتهم الجامعة التونسية . مضيفا أن ما يتميز به موقف اليعلاوي من ثوابت مبادرته انتصاره للغة العربية منتهزا كل الفرص لإنارة هذه القضية وحرصه على إدخال اللغة العربية إلى جامعة جندوبة ودعمه لها لم يكن صادرا عن أحادية لسانية أو موقف إيديولوجي من منطلق الهوية العرقية أو الدينية وإنما ناجمة عن إيمان ثابت بان اللغة العربية ضرورية لأبناء هذا البلد باعتبارها مكونا من مكونات الثقافة الوطنية ولكونها قادرة على اختراق العالم فهي لغة الآداب و الفلسفة و القانون و العلوم و الفنون وغيرها فضلا عن كونها قناة ناقلة للحضارة الإسلامية بكفاءة ليختم بقراءة نص كتبه إبان وفاة الراحل بعنوان :” إنما المرء حديث بعده ” .
و قد أثارت هذه المداخلات القيّمة عند بعض الحاضرين جملة من التساؤلات و الملاحظات تتعلق باللغة العربية نورد منها عينة تلخص الآراء المطروحة :
– هل يمكن اعتبار فشل المجاميع العربية و المخابر المتخصصة في وضع المعاجم وترجمة المصطلح  نابعا من عدم قدرة العربية على استيعاب المصطلح أم عدم قدرتنا على التعامل معه ؟ كما أن ترسيخ المصطلح العربي يطمئننا بأن العربية ذات أفق ضمن  جدلية التطور التكنولوجي و الحضاري و أن سقاية اللغة العربية هي تطوير ترجمة الكتب و المقالات و الثروة الأدبية سلاح  فعال زمن تطور المعلوماتية فقد بات من الضروري العمل على إعادة هيكلة اللغة العربية من خلال التصورات والسعي إلى إيجاد خطط تعليمية وبرامج تنسيقة مع الأليكسو
وعن إصلاح  المنظومة التربوية عبر أحدهم عن أهمية تشريك اللغويين وضرورة العمل على تجذير المتعلم في الهوية العربية من خلال المناهج التربوية كما أنه لا يمكن الحديث عن سياسة وطنية في ظل افتقارنا للموارد المالية وعند استيراد منظومات أخرى نلاحظ طغيان الجانب النظري على حساب الجانب الإجرائي. في حين تقدم أحد الحاضرين باقتراح بعث مركز للدراسات يتولى إطلاق جائزة إبداعية باسم محمد اليعلاوي لصناعة المقاومة الإبداعية على حد تعبيره .
التوصيات
-السعي المستمر إلى تنمية الوعي والعزة الوطنية في مستوى الاختيارات في مجالي التعليم و الثقافة
– صناعة المعاجم وتحديث اللغة العربية و تطوير أعمال الترجمة على غرار ما كان في الماضي و بعث بيت الحكمة للترجمة من القرارات السياسية الجريئة
– سلامة الأداء و الانجاز وتطوير مناهج التدريس والعناية بملامح مدرس اللغة العربية بمظهره ولباسه

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *