صُنع الله إبراهيم.. الأدب خلف القضبان

*هيثم عبدالشافي

في القاهرة، ولد الروائي الكبير صُنع الله إبراهيم، عام 1937، لأب كان يتنقل في كثير من المدن، ويوم مولده كان والده يبلغ الستين من العمر، وصلى صلاة استخارة، وبعدها فتح المصحف فوضع أصابعه على «صُنع الله الذي أحسن كل شيء خلقه»، ومن هنا سماه، صُنع الله، لكن هذا الاسم سبب له مشاكل كثيرة.

لا ينكر صُنع الله تأثير والده وجدّه عليه في المرحلة الأولى، من خلال تزويده بالكتب والقصص للاطلاع، وبدأ مشواره مع الكتابة بقراءة الروايات والقصص والاتجاه للكتابة منذ الطفولة، إلا أنّه لم يُعِر الأمر الاهتمام اللازم حتى مرّ بتجربة السجن التي شكلت محطة فارقة في حياته الإبداعية، وكانت بمثابة تجربة مثيرة ومعقدة ومختلفة، حملت جوانب سياسية وإنسانية، وسمحت له بالانفراد بنفسه وإعادة ترتيب حساباته واكتشاف ذاته وماذا يريد أن يكون.
وعن كرة القدم والموسيقى في حياة صنع الله، قال: «في طفولتي كنت أعشق كرة القدم، لكن استخدامي لنظارة طبية مبكراً، فضلاً عن ضعف بنياني الجسدي كان يدفع الكباتن إلى استبعادي من فرقهم، وأنا عاشق للموسيقى الكلاسيكية».

سُجن صاحب «ذات» لأكثر من خمس سنوات من 1959 إلى 1964، وذلك في سياق حملة شنّها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ضد اليسار، وسجّل يومياته في السجن على ورق السجائر، وما دوّنه خلال هذه الفترة هو ما تمّ نشره في مذكراته فيما بعد، مع بعض الإضافات البسيطة عليها، لسرد ملابسات وظروف السجن، وبعد مروره بهذه التجربة اكتشف أنّه لا يتمتّع بمقومات النضال السياسي كما كان يعتقد، ووفقا للتهمة الموجهة له آنذاك والتي قادته إلى الاعتقال، إلا أنّها أسهمت في تشكيل محطة مهمة في مشواره الإبداعي.

رفض صُنع الله جائزة الرواية العربية، عام 2003، قاصداً توصيل رسالة بأنّ المعارضة ترفض الإغراء المالي، والمادي من النظام، وحصل على جائزة «ابن رشد للفكر الحر» عام 2004 وعن رفضه للجائزة قال: «رفضي للجائزة لم يكن اعتراضاً على سياسة نظام الحكام في مصر فقط، لكن كان هناك تراخٍ واضح من الأمة العربية تجاه الوضع في فلسطين والعراق، أمّا الآن فلكل جائزة ظروفها، ومسألة القبول أو الرفض تتعلق بأسباب الجائزة والجهة المقدمة منها، كما أنّ جوائز الدولة لا تمثل بالنسبة لي شيئاً، ولم أفكّر طوال حياتي في الحصول على أي منها سواءً في شبابي أو الآن، فأنا أعرف جيداً كيف تدار العملية، وتصلني كواليس التربيطات بين المرشحين وأعضاء اللجنة، لأن أي جائزة في العالم تخضع لاعتبارات إنسانية واجتماعية عديدة.
لم يكن صُنع الله من حرافيش أديب نوبل نجيب محفوظ كبقية أدباء الستينات الذين كانوا يلتفون حول الكاتب الكبير في مقهى ريش، فالرجل لم يكن من هواة المقاهي، كما كان لديه عزوف عن الاختلاط في الجماعات والتجمعات الثقافية «ليس موقفًا منها» كما يقول، بل لأنه يميل إلى الوحدة، ولا وقت لديه ليضيّعه في جلسات المثقفين في وسط البلد، ويرى أنه لا يوجد عمل أدبي نابع من الخيال تماماً، وأنّ الكتاب يبنون قصصهم عما رأوه أو سمعوه وعاشوه بشكل أو آخر، وينصرف دائماً عن متابعة وزارة الثقافة، وطالب مراراً بإلغائها وكل قطاعاتها، وجهات الرقابة الموجودة حالياً، واستبدالها بأشكال أخرى مماثلة للموجودة حالياً في أوروبا.

يتميّز إبراهيم بغزارة الإنتاج، وتنوع كتاباته التي تجمع بين السير الذاتية والتوثيق التاريخي، والنقد الاجتماعي لظواهر وأنظمة، خاصة النظام الرأسمالي كما في رواية «ذات»، التي كانت أشبه بوثيقة إدانة لعصر الرئيس الراحل أنور السادات، وعن مشروعه الأدبي، قال إنّه منذ روايته الأولى «تلك الرائحة» اعتمد على الخطّ التجريبي في السرد، بينما استغرقت منه رواية «نجمة أغسطس» 7 أعوام كاملة، موضحاً أنّ رواية «برلين 69»، كانت أهم نتاج الفترة التي قضاها في ألمانيا، والتي أعادت أيضاً اكتشافه للفن الكلاسيكي، ومكّنته من التعرف إلى ثقافة مختلفة.
أما رواية «اللجنة»، التي نشرت عام 1981، فكانت هجاءً ساخراً لسياسة الانفتاح التي انتهجت في عهد السادات، وصوّر صُنع الله إبراهيم أيضاً الحرب الأهلية اللبنانية في روايته «بيروت بيروت» الصادرة سنة 1984، بينما اختيرت روايته «شرف» كثالث أفضل رواية عربية حسب تصنيف اتحاد الكتاب العرب، بالإضافة إلى سيرته الذاتية مذكرات «سجن الواحات».
يرفض صُنع الله تصنيف روايته «التلصّص» باعتبارها سيرة ذاتية، قائلاً: «الرواية لم تكن سيرة ذاتية، لكن تحمل بعض الجوانب والتفاصيل من حياتي، وأي كاتب يستخدم تجاربه في الحياة داخل نطاق العمل الإبداعي بشكل مباشر أو غير مباشر، ولذا فالسيرة الذاتية لا بد أن يسبقها اعتراف من الكاتب نفسه» ويعود بتراجع معدلات القراءة في مصر، إلى الإنترنت وسماوات التكنولوجيا المفتوحة، فضلاً عن القيود التي يفرضها المجتمع والسلطة على حرية التفكير والتعبير، وأنّ آليات إعادة تأهيل المواطن وإعداده ثقافياً تتمثّل في إعادة الحيوية للحياة السياسية والمجتمعية، ومنح حق التظاهر والتجمع والتنظيم، ليصبح حقاً أصلياً للبشر، وإتاحة حرية التفكير والتعبير والابتكار والتجديد، والاعتراف بثقافة الاعتراض.
وعن كيفيّة تناوله لأحداث الثورة المصرية في رواية، قال: إنه يعشق العمل في أجواء الكواليس دائماً، وأنّ هذه الكواليس مجتمعة تمثل الجوانب المثيرة في أحداث الثورة المصرية.
وبخصوص ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، قال صُنع الله: إنه يفضّل استخدام تعبير الانتفاضة سواء مع أحداث 25 يناير/كانون الثاني أو 30 يونيو/حزيران، لأنهما انتفاضتان: الأولى أجهضت، والثانية استعادتها، وأنّ هناك تعبيراً سليماً يقول إنّ الثورة مستمرة حتى تتحقق أهدافها، كما يرى أن ٣٠ يونيو، كانت استكمالاً لانتفاضة ٢٥ يناير، لافتاً إلى أنّه لا ينطبق عليهما مصطلح ثورة لأنّه لم يكن هناك برنامج واضح أو قيادة محددة تصدرت المشهد قبل 25 يناير، وأنّه حتى الآن لم تحقق انتفاضة 30 يونيو أهم أهدافها وهي العدالة الاجتماعية.
__________
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *