قراءة في إصدار محمد وقيدي الأخير ” محمد عزيز الحبابي : الفيلسوف والإنسان “

خاص- ثقافات

*عزالدين الشدادي

 

“إن ما كتبناه عن عن الحبابي لم يكن كافيا بالنسبة لكل ما يمكن أن يقال في حق هذا الرجل

  • محمد وقيدي –

تنويه :

أهدى أستاذنا محمد وقيدي العديد من الكتب والأبحاث كهدايا للمفكر والفيلسوف محمد عزيز الحبابي تقديرا له ، ومن أبرز هذه الهدايا ” دراسات مغربية مهداة إلى المفكر المغربي محمد عزيز الحبابي ” الصادرة عن الدار التنوير ببيروت سنة 1985 ، و” جرأة الموقف الفلسفي ” الصادر عن إفريقيا الشرق بالدار البيضاء سنة 1999 ، ليضاف إصدار مفكرنا الأخير المعنون ب ” محمد عزيز الحبابي : الفيلسوف والإنسان ” إلى قائمة هذه الهدايا والإصدارات المكرمة والمحتفية في آن واحد بالفيلسوف الحبابي .

مكونات الكتاب :

الكتاب نسق من الدراسات التي سبق أن تم نشرها في كتب سابقة مثل ” حوار فلسفي ” ، و”الآخر جرأة الموقف الفلسفي ” ، كما أن الكتاب عبارة عن كتابات كتبت بين سنتي 2013/2014 ، وقد كان هذا الكتاب جاهزا منذ 2014 ولأسباب شخصية وظروف صحية تم تأجيل صدوره إلى حدود هذا التاريخ .

مضامين الكتاب :

صدر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر طبعة أولى لكتاب محمد وقيدي المعنون ب ” محمد عزيز الحبابي : الفيلسوف والإنسان ” ، وهو كتاب يضاف إلى ما كتبه مفكرنا وأستاذنا وقيدي حول الفيلسوف الحبابي ، كما هو نوع من الاعتراف والتقدير والوفاء لذكرى محمد عزيز الحبابي ، وكذا هو تعريف بجوانب الحبابي الفكرية والإنسانية والأخلاقية ، وقد تم تقديم وتوقيع هذا الكتاب بمناسبة احتفاء الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة باليوم العالمي للحكمة في مدينة وجدة بمناسبة تخليد ذكراها الخمسين ، وقد ألقى أستاذنا وقيدي الدرس الافتتاحي للجمعية تحت عنوان ” الفلسفة والحرية والديمقراطية “

يقدم وقيدي كتابه كاعتراف ووفاء لذكرى الراحل الفيلسوف الحبابي الذي كان أستاذا وفيلسوفا ، ويبدأ هذا الاعتراف بالوقوف عند ميزات الحبابي الرجل والإنسان والفيلسوف الذي كانت له أفضال لا يمكن نكرانها على الدرس الفلسفي بالمغرب ، فالحبابي حسب وقيدي كان مؤسسا لجمعية الفلسفة بالمغرب التي صدرت منذ اوسط الستينات من القرن العشرين ، وهو تأسيس تجاوز مجال الفلسفة إلى مجالات الثقافة والإبداع  ، إذ أن الحبابي اشتغل بالذات بالفلسفة، يدرسها ويكتب فيها وينظم الندوات حول موضوعاتها أو يشترك فيها ، وبإبداع واهتمام كهذا اعتبر الحبابي ركنا أساسيا من أركان الدرس الفلسفي في المغرب ،خصوصا على مستوى متنه الفلسفي المفاهيمي ، فقد وضع مشروعه الفلسفي انطلاقا من بناء مفاهيمي غني كالكائن /الشخص / الشخصانية /الشخصانية الواقعية /الغدية ،،،

 

dscn1277

يحضر مفهوم الكائن هنا عند الحبابي بما يكون عليه الانسان عند ميلاده ممثلا ذلك بقطعة القماش التي لا تكون لباسا محددا قبل تدخل الخياط ليتحول الكائن إلى شخص من خلال ميكانيزم التشخصن المتعلق والمرتبط بالوعي- بالذات ، وليس الوعي بالمعرفة ، ويعود وقيدي إلى حياة فيلسوفنا الحبابي راصدا ذلك الجدل بين الحبابي والفكر الفلسفي بالمغرب ، بين الفيلسوف والأستاذ ، بين الفيلسوف  ومؤرخ الفلسفة ، وبين الحبابي والغزالي ،،،

فالحبابي ارتبطت مواضيعه بثيمات عامة مثل : الكائن ، الزمن ، الشخص ، الكينونة ، الحرية ، الإنسان ، الفن ،،، إلخ ، بالإضافة إلى حضور تاريخ الفلسفة في كتاباته ، ومن أبرز المفاهيم التي نجد صداها لدى الحبابي مفهوم الحرية الذي خصص له كتابا بعنوان “حرية أم تحرر” والذي تمت ترجمته إلى اللغة العربية باسم ” من الحريات إلى التحرر” ، ويقيم الحبابي مفهوم الحرية على أساس شعور باطني ويرى أن الارتباط بين الحرية والديمقراطية لا يكون على الصعيد المفهومي فحسب ، وإنما على الصعيد الواقعي بمعنى لا وجود لحريات في مجتمع تغيب عنه الديمقراطية كممارسة وسلوك لأن الديمقراطية نسق مجتمعي يحافظ على توازن المجتمع .

إن عدة الحبابي المفاهيمية جعلته يقدم نقدا لتصور برغسون للحرية ، ونقد الحبابي حسب محمد وقيدي يندرج ضمن الطابع العام للفكر الفلسفي منذ بداياته الأولى ، واختيار الحبابي لتصور برغسون للحرية لم يكن اعتباطيا ، بل اختيارا واعيا وذلك لما تحتله فلسفة برغسون من مكانة في فرنسا وأوروبا ، وينتقد الحبابي برغسون بكون الأخير يحضر عنده مفهوم الحرية في ارتباط بالأنا العميق الذي يعي حياته في ديمومة وأنه ينبغي البحث عن الحرية في هذه الديمومة ، في حين ينسب الحبابي الحرية إلى الشخص الذي يعيش في علاقات مع الغير  ، وبعد برغسون سيعرج الحبابي عن كل من الغزالي وابن خلدون حيث يرى أن ابن خلدون يلتقي مع ديكارت من حيث نقد كل واحد منهما لسابقيه ، كما يلتقيان في الربط بين ذلك الانتقاد وبين الدعوة إلى تطبيق منهج جديد ، واهتم الحبابي بمسألة المنهجية التاريخيىة عند ابن خلدون ، وكذا انبهر بتعدد أفكاره وقد ظهر هذا الاهتمام في توجيه الحبابي لطلبته وكذا في الندوات التي كان يشرف على تنظيمها .

إن المفاهيم هي عدة كل فيلسوف ، بل كل فيلسوف له نظام مفاهيمي خاص به ، ونفس الشيء ينطبق على الحبابي فمفهوم الشخصانية الواقعية من حيث النشأة نما لدى الحبابي أثناء وجوده في فرنسا  ، وتكونت وجهة نظره الفلسفي في ذلك الإطار الفلسفي الذي جعل من فكره فكرا متطورا عبر مراحل عديدة ، ويقصد بالشخصانية الواقعية ذلك المذهب الفلسفي المؤسس للغدية التي ترتبط بالشخصانية الواقعية والشخصانية الاسلامية.

إن ما يميز فكر الحبابي هو إقدامه على معالجة القضايا الفلسفية المعاصرة بضمير المتكلم المحاور ، وأمام هذه الصفة فما كتب عن الحبابي حسب محمد وقيدي ما هو إلى جانب من جوانب رجل جمع بين الفلسفة والتاريخ ، الانسان والفيلسوف ، ولا بد من العودة إلى الحديث عن عدد الجوانب الأدبية والفكرية للحبابي التي تستحق التنويه والاهتمام .

______________

  • أستاذ باحث

 

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *