خاص- ثقافات
يعتبر المفكر العربي الجزائري محمد أركون، واحداً من المفكرين الحداثيين المعاصـرين، الذين جهدوا بحثاً في قراءة التراث الفكري الإسلامي قراءة حداثيّة، تعتمد في أساسها الفكري على استخدام المناهج المُستحدثة، والعلوم الغربية المعاصـرة، وتوظيفهما معا لغاية إنتاج فكر إسلامي معولم المفهوم. والمنهج الأركوني هو في ذاتيته نتاج ثقافة فرنكفونية لازمته بحثاً وفكراً ومعايشة. وقد اشتغل أركون بشكل أساسـي على تأويل وقراءة النص القرآني قراءة معاصـرة. من هنا جاء اهتمام الباحث الأردني أستاذ الفلسفة في الجامعة الأردنية الدكتور محمد الطوالبة بدراسة فكر أركون.
الكتاب الصادر عن الآن ناشرون وموزعون، ويتكون من(255) صفحة، يتناول بالبحث المقاربات الفكرية المعاصـرة للواقع العربي الإسلامي المتعثر بتراثه عند المفكرين العرب والمسلمين. ويرى الباحث أن هذه المقاربات تمحورت حول محاور فكرية ثلاثة:
المحور الأول ينطلق من المسلمات الإيمانية، وبالتالي يعتبر التراث – وخاصة الديني- هو المرجعية الأساسـية، والوحيدة. والثاني ينطلق من فهمٍ براجماتي للتراث بمعنى: ضـرورة أن نأخذ ما يخدم واقعنا، وينسجم مع مقتضيات الحاضـر من التراث، ونترك ما يتعارض مع معطيات الواقع. أما الثالث فهو حداثي الأهداف والمناهج، يرى ضـرورة نقد التراث، ومناهجه، والقطع معه إبستيمولوجياً، للانخراط بفهم حداثي يعتمد المنهجيات، والعلوم الحديثة، لا سـيما الغربية منها بصفتها مرجعية له.
يرى الباحث أن مقاربة أركون من المقاربات الجريئة التي تطرح الفكر الحداثي في الفكر الإسلامي المعاصـر من وجهة نظر نقدية، وجذرية في آن واحد. ويرى المشـروع الأركوني متمركزاً حول سؤالين أساسـيين: الأول وجودي، يتعلق بماهية التراث، والثاني منهجي، يتعلق بكيفية تأويل النص القرآني، ومنتجاته اللاحقة فكرياً وسـياسـياً.
ويشير الباحث إلى أن المشـروع الأركوني يؤسس لقراءة إبستيمولوجيّة تجديدية للتراث، مغايرة للإبستيمولوجيا الماضوية، أو الكلاسـيكية الإسلامية. وكذلك الإبستيمولوجيا الاستشـراقية من ناحية ثانية. ويؤكد على أن أركون يحاول عبر مشـروعه أن يقدّم قراءة نقدية تفكيكية حفرية للتراث الإسلامي، اعتمادا على مجموعة من المناهج العلمية الحديثة المستمدة من العلوم الإنسانية. فالإبستيمولوجيا الجديدة التي يعمل أركون على تحقيقها، تهدف إلى هدم الحدود المرسّخة التي تفصل بين الثقافات المختلفة. كما أنها إبستيمولوجيا نقدية منفتحة ومتحركة، تعمل على إبراز البعد التاريخي للحقيقة والمعنى، وكيفية إنتاجهما. لذا عمد أركون على فحص عمل آليات اشتغال العقل الديني الإسلامي بمختلف تجلياته، (الفقهي، والتفسـيري، والتاريخي) وعمل على تفكيكها.
يتكون الكتاب من مقدمةٍ وخاتمةٍ وخمسة فصول. جاء الفصل الأول بعنوان: «التوجهات الفكرية عند محمد أركون»، وتناول أهم عناصـر المشـروع الأركوني الفكرية، والمنهجية المتمثلة بالحداثة، والعلمانية، والتاريخية، والتأويل، والمنهجية النقدية، والمناهج الأوروبية الحديثة.
أما الفصل الثاني فكان بعنوان: «المنهجية النقدية» تناول فيه الباحث مفهوم العقل عند أركون، ونقده للعقل الإسلامي الذي تركز حول آليات عمل هذا العقل بمختلف تجلياته، ونقده لمنهج الاستشـراق في مجال الدراسات الإسلامية، ومدى قصوره.
أما الفصل الثالث فقد جاء تحت عنوان «التأصيل لنزعة التأويل في الفكر العربي الإسلامي»، وقد أبان هذا الفصل بحث أركون في الأفكار المغيبة واللامفكر فيها والمسكوت عنها في العقل الإسلامي، وأسباب ذلك من الناحية التاريخية. كما استعرض القراءات التأويلية، وأشكال الفهم عامة بشكل موجز، سواء في الفكر الإسلامي التأويلي، أم في الفكر الغربي.
أما الفصل الرابع وهو بعنوان«قراءة النص الديني» فتحدث عن بنية النص القرآني الذي عدّه أركون وحدة واحدة، وذات طبيعة مجازية أسطورية، وطبيعة تاريخية يحوِّل الواقع التاريخي المعاش إلى رموز، ومفاهيم مطلقة لتحقيق غاية النص.
أما الفصل الخامس والأخير الموسوم بـ«ملاحظات نقدية»، فقد قدم الباحث فيه وجهة نظره النقدية للمشـروع الأركوني على المستوى الفكري، والمنهجي، والتأويلي، مبيناً مدى تحقيق أركون لأهداف مشـروعه المعلنة، وكاشفاً عن مضمرات الخطاب الأركوني المسكوت عنها. ومدى إمكانية تحقيق المنهجيات التي يقترحها أركون، ومدى ملاءمتها لقراءة الفكر الإسلامي، وإنتاجيتها وخدمتها للمشـروع النهضوي العام.