الكتابة الأدبية لدى ليلى سليماني، الفائزة بجائزة “الغونكور” لعام 2016

خاص- ثقافات

*عمر ح الدريسي  

فور إعلان فوز روايتها “أغنية هادئة  Chanson Douce “، بأرفع جائزة للأدب الفرنسي، ألا وهي جائزة “الغونكور”، تقول الكاتبة المغربية ليلى سليماني، لم أكن أتوقع شيئا، لكي لا أفاجأ…”، والروائي الكبير، صاحب “طوق الياسمين”، الكاتب العربي، الأستاذ في جامعة السربون بباريس، واسيني الأعرج  يقول: “الصدف أحيانا مدهشة، أنهيت البارحة، فجرا، قراءة الرواية الجديدة للكاتبة ليلى سليماني: “موسيقى ناعمة”، لأُفاجأ بعد الانتهاء من محاضراتي في السوربون اليوم، بأن الكاتبة نالت الجائزة الفرنسية الأكبر: “الغونكور”. ألف مبروك ليلى. منذ روايتك الأولى: في حديقة الغول، أظهرت قدرة حكائية مميزة. الأدب هو القدرة على الإدهاش. وليلى مدهشة.”.. !!

كانت باكورة أعمالها الأولى في التأليف  بعض تفرغها للكتابة، عن مدينة الداخلة المغربية، سنة 2013، وكان بعنوان “خليج الداخلة”، وفي سنة 2014، أصدرت روايتها الأولى الموسومة بـ “في حديقة الغول”، والفائزة بجائزة “المامونية”، التي تُمنح لأرفع عمل أدبي مغربي، مكتوب بلغة موليير، ثم في سنة 2016، تتخطى روايتها القائمة الطويلة المكونة من 16 عملا، وتصل روايتها، “”أغنية هادئة  Chanson Douce”، القائمة القصيرة التي ضمت ثلاث روايات أخرى، هي: “الآخر الذي نعبد” للكاتبة الفرنسية كاترين كيسيه، و”متوحشون” للفرنسي لريجيس جوفري، و”بلد صغير” للفرنسي الرواندي غايل فاي.

الكتابة باللغة الفرنسية، بالنسبة للكاتبة ليلى سليماني، لم تكن صدفة، أو ضرورة مثل الكثيرين من النخب المتعلمة والأكاديمية المغربية، بل كانت هي لغتها التعليمية وقبلها، هي لغتها من الأم، ذات الأصل الفرنسي الجزائري، وإن كان الأب مغربيا، ثم ولوجها للبعثة التعليمية الفرنسية بالرباط، وانتقالها لدراسة العلوم السياسية بباريس، ومن بعده درست الإعلام، وانخراطها في تحمل المسؤولية بمجلة جون أفريك، ابتداء من سنة 2008، مكلفة بشؤون إفريقيا الشمالية، ولمدة خمس سنوات، لتستقيل، وتأتي فورة الكتابة الأدبية وهي ناضجة عبر أعمال تلقفت الجوائز منذ الولادة… !!

فكان تدشينها للجوائز بالعمل المميز الثاني لها، روايتها الصادر سنة 2014، تحت عنوان، “في حديقة الغول” (Dans le jardin de l’ogre) والتي رشحت لجائزة “لو فلور Le flore “، إلا أنها فازت بجائزة “المامونية”. وتتناول هذه الرواية الجريئة في الكتابة، والكاسرة لطابوهات المجتمع المحافظ، قصة إعلامية تُسمى أديل روبنسون، أدمنت الجنس وخيانة زوجها بسبب مشاكل نفسية، وصرحت وقتها الكاتبة ليلى سليماني، “إن ما عاشه رئيس البنك الدولي السابق دومينيك ستروس خان، واتهامه باغتصاب خادمة في فندق بالولايات المتحدة الأميركية، هو ما ألهمها تأليف الرواية”، تقول: “شاهدت هذه الصور لرجل شاحب ومنكسر، وهذا ما جعلني أتساءل: كيف يمكن لرجل تحكَّم إلى هذا الحد في حياته، ووصل إلى أعلى درجات مهنته، أن يخسر كل شيء بسبب مسألة جنسية، وسُرعان ما قررتُ تأليف الرواية على أن تكون البطلة امرأة”… !!

 ويتناول عملها لسنة 2016، الفائز بأكبر جائزة للأدب الفرنسي، جائزة “الغونكور”، روايتها، “أغنية هادئة  Chanson Douce”، عنوان يوحي بالتأمّل والهدوء والإنصات الذي نفتقده في حياتنا اليومية، ويورط القارئ في أحداث الرواية التي يتجاذبها ما هو اجتماعي وما هو نفسي وما هو سوسيومهني، إلى ما هو عاطفي “كاذب” لينقلب إلى “إجرامي”، فيصبح العنوان “أغنية صاخبة”، تحيط بنا من كل جانب وتحاول أن تُعبّر عَـنَّا على الرغم منَّا،  فتتقاطع عبر مقاطعها الحياة والولادة والموت، فتتوالى الأحداث عن طريق تفاعل أدوار شخصيات الرواية داخل سياج المتناقضات والمتضادات، ليبرز “الحدث الحقيقي” عبر حبك فني درامي، لتشويق القارئ، وربما يتضح رُعب القصة منذ البداية ولكن بِ “حلو الكلمات”، و”تناغم الموسيقى والعبارات”، مما يُحفز المتلقي للوصول إلى النهاية، عبر تقنية الفلاش باك Flash-back.

القصة التي تتميز فصولها بالقسوة، وقعت في الولايات المتحدة في عام 2011، السارد يشرح التطورات النفسية للمربية، وصولا إلى المأساة  في العلاقة الثلاثية “between”، بين الوالدين و المربية التي تولَّدت نتيجة العلاقة بين الأطفال والمربية،  وتتحدث الكاتبة عن هذه العلاقة “الودية الكاذبة”، بالنظر إلى ما تفرضه الحياة العصرية على الآباء من الرضوخ لترك أبنائهم للغير،”المربية”، لكن هذا ليس بالسهل الهيِّن نفسيا علي الأطراف جميعها، حيث يتداخل ما هو عملي، بما هو نفسي، “الغيرة”، ويختلط الحابل بالنابل، وندخل متاهة الحيص-بيص الإنساني، مما يجعل المشاكل تطفح، والعُقد تكبر، حد ارتكاب جرم قتل “الأطفال”.. !!

ويأتي تتويج ليلى السليماني، كأفضل كاتبة مغربية باللغة الفرنسية عن روايتها “أغنية حلوة Chanson Douce”، لتنضم إلى اللائحة، من غير الكتاب ذوي الأصول الفرنسية، والتي يستهلها الكاتب المغربي “الطاهر بن جلون” سنة 1987 عن رواية “ليلة القدر”، والأديب اللبناني “أمين معلوف” سنة 1993 عن رواية “صخرة طانيوس”.  والشاعر المغربي “عبد اللطيف اللعبي” عن أعماله الشعرية عام 2009، وعاتك رحيمي الروائي الأفغاني، ثم القاص المغربي فؤاد العروي عن مجموعته القصصية “القضية الغريبة لسروال داسوكين”. تتويج يأتي كـرسالة مضمونة الوصول، للعنصريين واليمين، واليمين المتطرف، والمعادين للعرب والمسلمين في أوروبا والغرب، ليبقى الإبداع والفن والكتابة  خير الأسلحة، لإقناع النّخب والرأي العام في العالم، بأنه يُوجد “مثقفون” عرب، مغاربة وغير مغاربة من الدول العربية،  ينتمون إلى عالم إنساني، عالم المبدعين الحقيقيين، الذين يقدسون الحرية والخلق والإبداع والشعر والآداب والعلوم الإنسانية والفنون وغيرها من العلوم الأخرى… !!

وعلى هذا الأساس تبقى جائزة “الغونكور”، جائزة  ثقافية، إنسانية مهمة، والتي أسسها الأخوان “(جول) و (ادموند) دي غونكور”، اللذان  وُلِدَا وعَاشَا في قرية فرنسية تحمل الاسم ذاته “غونكور”، بحيث يخطف الموت (جول) سنة 1870، إلا أن  شقيقه (ادموند ) الذي سيموت حتى سنة (1896)، سيوكل إلى الأديب الفرنسي الشهير (الفونس دوديه) بإنشاء جائزة ثقافية تمنح سنويا تخليدا لذكرى أخيه (جول )، وهي التي تُمنح، كأكبر وأهم جائزة للكتاب والمبدعين عن أهم الأعمال الإبداعية الأدبية في العالم باللغة الفرنسية.

للتواصل: E-mail : drissi-omar1@live.fr

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *