طُعونٌ تُراوحُ مَكانَها

خاص- ثقافات

*محمد الهجابي

(1)
الظّنون ديدنَك صارتِ،
وها أنتَ الآنَ، وقد طوّحتْ بكَ إلى خلجان،
ووحْدكَ في المهبّ تنوسُ عالقاً بيْن الضفاف،
هلْ باتَ ظلُّكَ يخجلُ منْ تواترِ صوركَ؟
وليسَ ما يعجِّلُ باستدارة مراوحكَ هو الرغبة المحتدمة التي تنغلُ في دمكَ كلّما سارت على غير منوالٍ.
ليكنْ هذا الزقوُ، الذي يأتيكَ منَ البحر، لطيورٍ لا تركبُ الريحَ سوى لبهجةِ التّحليق.
ليكن هذا الروشنُ معبراً لاستمالة عناصر البدء، بدئكَ.
لتكنْ أمداؤُكَ لها مثلَ التباساتِ المشي الوليد، إذ تبحثُ عنْ ثوىً للاستجارة، أو للمحو بالأحكم، حتّى تصْفَح عنْ كلّ مشيٍ لاحقٍ، كما البحر إذ يدسرُ أحشاءَه بلا رغبةٍ.
وكما الفختُ إذْ تعوزُه الدارة كيْ يفصحَ.

(2)
الألمُ (هلْ قلتُ: الأملُ؟) الذي ينهشُ منْك الدخيلةَ هو ليْمك،
والأولى أنْ تتعهّده بعد هجرٍ بوافرِ رياشٍ،
وبحنوٍ داعمٍ،
قد تَخسرُه في البراح، حيثُ لا تَصدُقُ النبوءةُ دائماً، وحيثُ لا أصداء في الجوار تمْهِلكَ حتّى تُسأْسئ بعِلجك إلى المودق مثلما رغبتَ.

(3)
هو منْك صار، غبّ نسيانٍ، هذا النسيانُ،
ومنْه الميرة تأخذُ منْها الأقساطَ كلّما ضغطتِ الحاجة،
وحاجتُك الساعة إلى أنْ تعفو ظلالكَ منْ على مرايا ثخينة زنّرتها الدياجير منذ زايلتَ المشيمة مصحوباً بشنارك، ولا تني تلجم فيك الصولة في مدائن الشهيق.

(4)
أنتَ وحدكَ وشآبيب منْ شمسٍ تتوسّدُ زندكَ،
وفي المدى ذروةٌ تستحثُّ،
ومنكَ تتبضّعُ المسامُّ.
هو البَدُّ، ولا خيار،
ولكَ غير ما لغير الناس،
وكان لكَ ما لهم قبل أنْ تذروك العواهنُ في الشتات،
وترفسَكَ النواجذُ صقاباً.
هو البَدُّ، ولا خيار،
فأنتَ اللحظة سوىً والعدمُ، إذ القُلاعُ منكَ على مرمى خطواتٍ، وفي يباسكَ وليمةٌ للشوامتِ تأتيكَ منْ كلّ فج، حتّى تهصر منكَ العظام والأنفاس، ثمّ تسفو بقاياكَ في مدْرج الهباءِ.
وما فضُل منْكَ كالخضاخض، لا الصَّبا يمنحُها المتّسع ولا الدّبور.
هو الوهمُ إذاً، وحدكَ تستمرئُه،
ووحدكَ تستغفلُه كيْ تستمرئَه في كامل عنفوانه،
وحتّى تظلّ الرهوط تنكأُ آثاركَ بحثاً عنْ بقاياكَ.

dscf3301

(5)
تباً لناصية الدرب التي استدرجتكَ ذات حكاية، ثمّ قذفتْ بكَ إلى شارع منْ دون عرّاب.
وحدها بضاعتُكَ تُلاحقكَ أنّى تنقّلتَ،
وأرى العجْوَ في الفم،
هلْ تسخرُ منّي؟

(6)
كتابُكَ بيْن يديّ،
وثَبتَ أنّكَ اذّخرته لأوقاتٍ آتيةٍ،
وثَبتَ أنّكَ راعيه إلى حينٍ،
ولا يُفتَح سوى بمفكّ براغي،
ولا يُقرأ منْ غيرِ منظار بعَدَستيْن.
كتابُكَ المدبوغ عنوانُ آفةٍ،
يسْلِم سمّه الزعاف لحرفِ اللّسان،
إذا ما الإصبعُ أخطأَ باب المهوى،
وسلكَ باب الافتتان حيثُ القراصنةُ في الانتظار.
الدفتان لا تسعفان،
والحروف تفتكُ بطلسم الولوج، ولا تبقي سوى على التخوم،
وأنتَ حارسُ الهيكل،
وحاميه الأمين، تزعمُ.
لنْ تمرّ أصابعُ الفتك، تقولُ.
أوراقُكَ بغابر السنين،
معظمُها مدعاة لكوميديا ناجزةٍ،
وبعضُها بذلٌ مزلمٌ،
وينقصُها الممثّلون فحسب.
كتابُكَ سِفْرُ وعدٍ تخلّصَ منَ الوصايا (أفكّرُ دون أنْ أجزم!)، ولم يتخلّص منْ أشباحه التي اتخذت الهوامشَ مراتع للتواري حتّى لا تضبطها شرطة المطار بلا جواز مرور.
كتابُكَ بكشحٍ ضامرٍ لا يتّسعُ لنحيبِ المفردات التي رقّشتِ الأهدابَ؛
كتابٌ بدفّتيْن لا يفضيان، كتابُكَ!

(7)
كيفَ أخرجتَ يدكَ منْ غيابة الجبّ سالمةً، وفي الصُّقْب تفّاحةٌ؟
ناضجة تفّاحتُكَ وهي تراوحُ أسفل البلعوم وحتّى الرغامى،
لكأنّها الفاكهةُ المرقومةُ في اللّوح العسْجَد،
الشآبيبُ لفحَتها،
ولمْ تعدْ تغري السكّينَ لولا نشازُ الصوتِ،
وكيفَ تنسى ألاّ تقرأَ أربعين يوماً، وتنفخَ على العنق؟
وكيفَ استعصمَ منكَ القولُ المجيدُ، ولمْ تتلبّسْكَ وساويسُ الطاووس إذ اعتلى صهوة ريشه، فتضجر؟
وكيفَ تراهنُ على غضروفكَ الدرقي كي يؤمّن لك التناسخ، فلا تنتهي إلى مسخٍ كما انتهى إليه صاحب فوطيفار منْ قبلكَ؟
أنا لا أرى سوى أنّك عائدٌ إلى الجبّ،
هو حسنُ المقام،
كلّ الذكريات تسكنُه.
وأنا لا أرى تفاحتكَ، وقد خرمَها سهمُ الكيوبيد، غير معبر لكلّ عزيفٍ فالتٍ.
وأنا لا أرى تفاحتكَ سوى قبضة رخوة في صميم العنق مثلما لو هي علامة تشوير منتهكة، أو نواس عنكبوت مهلهل.
تفاحتُك كما البلقعُ، عنوانُ إفلاس أيضاً،
فلا تخاتل.

                     (8)
هل فقدتَ نياشينَك؟
لا، لم تكن تحمل يوماً نياشينَ، ولا أوسمةً.
أنتَ لم تفقدْ شيئاً.
فقط، تشطّب، منْ حين لآخر، الهباريةَ منْ على كتفكَ، وتمضي لا تلوي.
لكن ها أنتَ ترجمُ بالغيْبِ:
«هؤلاء كانوا معي،
كانوا منّي  كما الشلو منَ الجسد،
ثمّ قطعوا الوادي في الغبشة (هل شعرتَ بهم؟)،
وانسلّوا جماعات وفرادى إلى الضفة الأخرى، يجرّونَ ذيول الريح، وفي يدهم الصكوك المعمّدة بختمٍ منَ الدهاقنة.
هؤلاء ارتشفوا قهوةَ الصباح رفقتي وقنينات بيرة،
واستفنا منَ الدخان ما لا يعدّ.
هؤلاء دخلتُ سكنَهم، وبادلتُهم أنخابَ الفرح كما تباريحَ الحزن.
كيفَ بارحوا؟».
وفي البعيد، خلفَ الماء، وقفتَ تطمسُ بعينيكَ وتوصوصُ، علّكَ تلتقطُ وجهَ أحدهم وهو يلقي آخر نظرة إلى الوراء قبل أنْ يغوصَ مداسُه في الغَرينِ.
لا، صدرُك لم يفقد نياشينَ، ولا الكتفان،
كيْ تشعرَ بخصاصٍ.
كلّ ما حمتله أنتَ، منذُ الأزل، مجرّدَ ركوة ماء بها تستجيرُ منَ الرمضاء وأنت في سبيلكَ إلى الذروة التي تستحثّ.

(9)
أتتكَ الرؤيا بياتاً، تقولُ.
لم تكنْ انسلكتَ في المنامة بعد،
وكنتَ متربّعاً على الأرض فوق سجادةٍ حائلةٍ،
وكنتَ متكئاً على مسندٍ،
ولم يطاوعكَ الوسنُ،
وأمامكَ برّادٌ ملقّمٌ بالمرددوش والحبق والنعناع البري والمريمية وإكليل الجبل والشويلاء،
وبعد رشفةٍ، ورشفتيْن، منْ كأس دهاق،
أتتكَ الرؤيا في عريها الفاضح،
والعينان في وسعهما لا يبْغيان،
فرأيتَ أنّ دابةً، لا تعقل فصيلتَها، ولا قِبَلَ لكَ بها، جاءتكَ منَ الخلف، منْ حيث أنت ساهٍ في يمّ ملكوتكَ، فرمحَتكَ إلى آخر العمر،
وفي عمركَ هذا، وقفت على جماعة الزنابير، وقد هبّت منْ خَشْرَمِها في غصنٍ مقعّرٍ، ترنّق فوق رأسكَ،
لا تهجمُ، فتلسعُ
ولا تهجرُ، فتحرّرُكَ!
ثمّ رأيتَ الملكة تنبقُ منْ وسط الجماعة، وتضببُ الأبوابَ جميعها، وتخاطبكَ: هيتَ لكَ!
ولم تكنْ أنستَ منْ ملكةٍ مُهابةٍ ومُبجّلةٍ دعوةً على المكشوف،
وإذ تناهى إليكَ زيزيمُها مشفوعاً بالنداء،
لبّيتَ مفتوناً، واستخذيتَ،
فصرتَ منَ الزلفى، بدايةً،
وعاقرتَ مضجعَها لزمنٍ،
ثمّ صرتَ عبداً شغّالاً، لاحقاً، منْ غير إجازاتٍ.
وقضيتَ أنّ ما بكَ إنّما هو اليُتْمُ عينه، وقد بلغَ بكَ مبلغاً،
وقضيتَ أنّ جماعةَ الزنابير، والملكةَ في مقدمتها، إنّما أرادت أنْ تلهيكَ عنْ لُقَمكَ نحو الذّروة التي لا تني تستحثُّ،
وأنتَ سيّد الأحوال،
فأعرضتَ بعد هِنْوٍ.
ورأيتَ أنّكَ عبثاً انتظرتَ طويلاً بيضة العقر،
ثمّ تيقّنتَ، بعد لأيٍّ، بأنّ دجاجات القنّ غيرَ ولودٍ.
وسمعتَ نعيباً جاءكَ منْ دغل أشجار في الجوار،
فصرختَ ملءَ فيكَ: أنا هنا، أنا هنا!
ثمّ عدتَ إلى سجادتكَ المهترئة وبكَ رعدةٌ وسفحانُ عرقٍ باردٍ.
وعند الباب، وأنتَ تزايلُ، لم يكن ثمّة سوى شبورة وانهيار ليلٍ.

(10)
قالَ لكَ: اذهبْ
والذي هو في آخر المدخلِ، قالَ:
تفقّدْ فردةَ حذائكَ، قبل أنْ تخطوَ،
تفقّدْها،
ربّما تكونُ منَ الرخويات، فتخطئ الموطئَ وتهوي في عقّة.
يجدرُ بك أنْ تنتهيَ منْ حيثُ بدأتَ
حريصاً على موْطنِ الخطوِ منْ مجرى العيْن الحمِئَة.

(11)
وأنتَ المددُ،
وهذا منْ حُسن حظّكَ.
عليكَ أنْ تضبطَ نبضَ الساعة قبلَ استراحة الظلّ منْ يومكَ،
وعليكَ أنْ تشحذَ أجنحةَ النوارس في شرفتكَ على مقاسِ أثباجِ أعالي الموج،
وعلى قدر ما ترتفعُ على قدر ما تدنو منْ وقدة النّار،
وهو منْ حُسنِ الحظّ، لا مشاحةَ في الأمر.
حتماً، لنْ تخسرَ كثيراً،
إذا ما أخّرتَ قليلاً
منْ اندفاعة طيرِ الشّمال ترسيخاً للتوازنِ عند الاقتضاء،
واقتداءً بأثرِ الأولينَ ممّن عبروا،
فأنتَ في حضوركَ المددُ.

(12)
منْ أينَ يدهمُكَ الأسودُ والأبيضُ كلّما شغّلتَ بؤبؤَ العينيْن، والتهاويلَ توثرُ؟
لا لونَ لكَ،
لا لونَ بعيْنهِ لكَ،
فمنْ أينَ هذا الجَوْنُ؟
أسودٌ، أسودٌ، أسودُ،
أبيضٌ، أبيضٌ، أبيضُ.
وها أنتَ تشرعُ جرحكَ لنزيفِ الغواياتِ إلى آخر قطرةٍ،
ثمّ تنشبه بأرشاق منْ محابر الألوان،
علّها تخصبُه قوْساً بما تجمّعَ لديكَ منْ فاضلِ أنفاس المسافاتِ المطروقةِ،
ولكَ منْ هذا القوْس مسلّةٌ ثابتةٌ، وبابُ محجّةٍ.
كيفَ تعودُ إلى جسدكَ بحروفِ الفرشاة؟
كيفَ تُشبعُ عطشَ الرّوح بكلام الأفلاكِ؟
لمْ تكنْ مانوياً حتّى تكون أوّلَ المهلّلين،
كنْتَ يَشْباً يضجّ بالأضداد،
وكنْتَ شتلةَ حساسين تنأى عنْ أشراكِ الأقفاصِ.

(13)
قلتَ لي، لو تَذكرُ:
في كلّ نُطْفةٍ تهمي على الكُتلِ ثمّة يدُ خالقٍ؛
يدٌ تضعُ المسحلَ في الجنب للعطالة، ثمّ تبدأُ الأصابعُ في ترويضِ المادةِ،
وتفعلُ كأنّما تعيدُ قراءةَ أبجديةِ الإنشاءِ.
وتفعلُ كأنّما تخاصرُ نوتاتٍ.
وتفعلُ بخراقةِ العشّاقِ.
وقلتَ لي:
البداياتُ كالخيول التي تخلّصت منَ الأحْلاس بالمرّة، وهبّت إلى سهوبِ المعنى تقيسُ شهقةَ النيازكِ.
ثمّ نظرتَ إلى الذّروة التي تستحثّ، وقلتَ لي:
في صميمِ كلّ بدايةٍ إعادةٌ،
وأنتَ كالنّطفةِ،
ابدأْ فحسبُ!
وقلتَ لي، لو تَذكرُ:
امرقْ منْ سَمّ الخِيَاطِ، ترى وجعكَ وحيداً يذرعُ الشّارعَ العام،
يحصي خبطاتِ مداسات العبّار فوقَ مربّعات الأرصفة منْ غير طائلٍ،
ولا أحدَ يهتمّ.
ثمّ عدْ إلى الجبّ، تراكَ منْ دونِ إخوةٍ أوْ أبٍ،
ولأنّ الماءَ حتماً سيبعثرُكَ،
وستحتاجُ إلى سماءٍ رحيبةٍ، كيْ تستجمعَ شتاتكَ،
وسيحتاجُ الجبّ للوقتِ كيْ ينشّف جسدَه، حتّى يفسحَ لكَ.

(14)
أشياؤُكَ العديدةُ،
أشياؤُكَ الحميدةُ، المصفّفةُ والمرتّبةُ كما يلزمُ،
هي محضُ لغوٍ، لو تَدري.
فقط، أشياؤُكَ المهْملةُ في القماطرِ،
تلكَ التي تداخلت مع كُتبكَ، وصارت تتثاءبُ بصفاقةٍ،
وتلكَ التي تَخْزرُكَ، منْ حين لآخر، كما لو حللتَ، تواً منْ مجرّةٍ مغايرةٍ، أو مثلما لو كنتَ الدَّعْسَ منَ السُّبُلِ، أو كأنّكَ فضلةٌ فلتَتْ، بالصّدفةِ، منَ الدّهس عندَ مُلتقى المسالكِ.
تلكَ الأشياءُ وحدَها، دونَ سواها، مُوطّأُ الأكْنافِ، لو تَدري.

(15)
وكيفَ غادركَ النّوْءُ، وأنتَ لم تغيّر الجوْرَبيْن والقميصَ بعدُ؟
وهلْ تفقّدتَ البرّادَ إنْ كان يحتفي بوافرِ القنينات؟
وهذا المساءُ، لا مزهريةُ وردٍ جوري تزيّنُ المنضدةَ، ولا نافذةٌ مشرعةٌ على بَهاء الحنْدس،
فيما مذنّبٌ لاهبٌ يَعبرُ في البعيدِ خلفَ الزّجاج، ويخنسُ،
وليلُكَ طويلٌ.
وللصّمتِ في مَوْهنِ ليْلَتكَ، خِباءٌ أتيْتَه بعدَ حُروبٍ، تلُمُّ تحتَهُ ما تبقّى منْ أشلائِكَ التي فوّتَتْها رماحُ الماسوراتِ،
لعلّكَ تُصالحُ أعراضَ منْ ديباجةِ التّكوينِ.
وكيفَ تصرُّ على الاحتفاءِ بكَ بلا متمّماتٍ، وبلا أنْثى تضمّخُ زهرةَ القلْبِ؟
وهذا الإيشاربُ منْ تركهُ عالقاً على الشمّاعةِ؟
وهذا البلَلُ فوقَ الشرشفِ؟
ومنْ رَسمَ أحمرَ شفاهٍ لشفَتيْنِ ممتلئَتيْنِ على مَحْرَمةٍ مَطويّةٍ؟
كيفَ تنْسى دُروبكَ السّاخنةِ؟

(16)
أَخافُ أنْ تجوِّنَ الظّنونُ عميقاً في دخيلَتكَ،
وتَظلّ، يا صاحبي، نهبَ الطِّرْقِ البائتِ إنْ أمعنتَ،
وهذا الخريفُ له طعمٌ حريفٌ.
اقلبِ الموازينَ، وافتحْ وجهكَ، ترى الأشجارَ تعودُ سامقةً إلى مواطنِها الأصليّةِ على الضفّةِ. وترى ماءَ النّهرِ يجري نشوانَ، ويُصدرُ خريراً صادحاً. وترى الصّبيَّ، الذي كُنتَهُ، جذلانَ يلاحقُ الفراشاتِ والعصافيرَ مفْرودَ الذّراعيْنِ كما لو يريدُ عناقاً.
افتحْ وجهكَ، يغمرُكَ العشبُ الطريُّ بالأخضرِ المُرقّشِ.
هلْ تَسمعُ صنْجَ الدرامز عندَ شجرةِ السرو تلكَ ؟
هل بلغكَ منْ على المصطبةِ صوتُ العازفِ الأفّاق المصاحبِ؟
هلْ دَخلتَ جوْسقَ الضفّة في الحذاء، وأطللتَ منَ الرّوشنِ إلى طائر الماء يسبحُ؟
إنْ لم تفعلْ فافعلْ اليومَ، لربّما بارحكَ الوصَبُ. وأصبتَ غرضكَ منْ هذه الرّحلةِ الطويلةِ.
……………………………………………………..

الذي انْكَسرَ، هلْ يمكنُ جمعُه منْ جديدٍ؟ تُعقِّبُ.
القنيطرة، أكتوبر/ نونبر 2012

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *