فوز بوب ديلان: هل كسرت لجنة جائزة نوبل القوالب ؟

*أنور حامد

أثار فوز المغني وكاتب الأغاني الأمريكي بوب ديلان بجائزة نوبل للأدب هذا العام استغراب، بل واستهجان البعض، فهل كسرت لجنة نوبل القوالب التقليدية؟

ولكن هل هناك قوالب تقليدية معلنة لجائزة نوبل ؟

جاء في حيثيات اللجنة لقرار منح ديلان الجائزة أنه حصل عليها ” لأنه خلق تعابير شعرية جديدة ضمن تقاليد الغناء الأمريكية”.

وقالت سارة دانيوس، سكرتيرة مؤسسة نوبل، إن اللجنة اختارت ديلان لأنه “شاعر عظيم ضمن التقليد الشعري للناطقين بالإنجليزية”.

إذن اللجنة اختارته ضمن معاييرها الجمالية التي رأت أن شعره متماه معها، فلماذا أثار اختياره كل هذا الجدل في أوساط المهتمين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي ؟

ربما لأن اللجنة كسرت قوالبهم المتخيلة، فللمرة الأولى يحصل على الجائزة كاتب أغان غير تقليدي بل يمثل ثقافة الرفض، وهذا ربما يتعارض مع الرؤية المحافظة للشعر، والفن عموما.

عرف بوب ديلان منذ بداياته بأنه صوت مناهض للحرب وقريب من حياة المهمشين والمضطهدين، وهذا ربما ينافي المتوقع من مؤسسة كانت هدفا لافتراضات “تسيس” خياراتها وبعدها عن المهنية والموضوعية والقيم الجمالية الحقيقية.

ولكن هل من المنطقي أن يسبب هذا صدمة سلبية للمهتمين ؟

مستويان للدهشة

إذن، يمكن فرز الجمهور الذي أبدى ردود فعل مندهشة أو حتى مصدومة إلى فئتين: فئة تبني موقفها على مفاهيم جمالية نخبوية، وأخرى سبب القرار غير المتوقع ارتباكا لأحكامها المسبقة على لجنة نوبل.

يرى البعض أن الشعر “الرفيع” هو بالضرورة شعر نخبوي، ويقول الكاتب السوري مفيد نجم في مقال نشر في صحيفة العرب إن الشعر يعاني من اغتراب عن القارئ “بعد أن أصبح فك مغالق رموزه وعلاقاته الداخلية وإدراك جمالياته، تحتاج إلى قارئ نخبوي متمرس يمتلك حساسية شعرية خاصة تجعله قادرا على التفاعل مع بنية هذه القصيدة وجمالياتها”.

وكتب الشاعر العراقي عواد ناصر “الشعر نخبوي النخبة. كتابته ترف وقراءته أترف”.

أما الشاعر الأردني جلال برجس فيقول في مقابلة مع صحيفة “عكاظ” السعودية “الشعر نخبوي، وخصوصا الشعر الحديث والنخبوية دائما غير معنية بـ«البروباغاندا»، وبالمنبرية”.

إذن أين كلمات أغاني بوب ديلان من هذه النظرة للشعر ؟ لا بد أن من يتحدث عن نخبوية الشعر سيرى في “كلمات الأغاني” فئة دون القصيدة، فكيف توصل صاحبها إلى نوبل ؟

وربما صنفوا أغانيه السياسية، على جماليتها وشعريتها، كمواد دعائية (بروبغندا).

أما الذين يفترضون أن خيارات لجنة نوبل “مسيسة” و “موالية للسياسة الأمريكية” فقد أصابهم ارتباك، فمن جهة ديلان آخر من يمكن اعتباره متماهيا مع السياسة الأمريكية، وهو الذي أصبح أحد الناطقين الموسيقيين باسم المناهضين للحرب، من خلال أغانيه الشائعة في أوساطهم كأغنية “The answer, my friend”.

لكن أتباع نظرية “تسييس الجائزة” لم ييأسوا بسهولة، فالبعض كتب على وسائل التواصل الاجتماعي أن ديلان “غنى لإسرائيل”، في إشارة إلى احتمال أن يكون هذا أحد اسباب اختياره، وأشار البعض حتى إلى اصله اليهودي.

في الحقيقة معروف عن ديلان مناهضته للسياسة الإسرائيلية ودعمه للمقاومين الفلسطينيين، وهذا يبدو جليا في إحدى أغانيه بعنوان ” Like a Rolling Stone ” التي تتحدث عن “أطفال الحجارة”.

أمام القصيدة اليتيمة التي تشبث بها أتباع نظرية المؤامرة انطلاقا من أن بعض الإسرائيليين اعتبروها “مؤيدة لإسرائيل” فيرى جون براون في مقال كتبه لموقع +972 اليساري الإسرائيلي أنها في الحقيقة مناهضة لإسرائيل، وأن من يرى خلاف ذلك يكون قد أساء فهمها.

لكن اختيار ديلان لم يكن المناسبة الأولى التي “خيبت” فيها لجنة نوبل آمال اصحاب نظرية “تسيس الجائزة” لصالح السياسة الأمريكية، ففي عام 2005 كانت الجائزة من نصيب الكاتب المسرحي البريطاني هارولد بنتر، الذي كان معروفا بمناهضته القوية لحرب العراق.

وفي عام 2007 حصلت على الجائزة الروائية البريطانية دوريس ليسينغ، وهي شيوعية سابقة وصاحبة فكر يساري.

شعرية وأغان

يرى الشاعر الفلسطيني أشرف الزغل أن “ديلان شاعر حقيقي قبل أن يكون كاتب أغان”، دون أن يتناقض هذا مع الرأي القائل بأن كتابة الأغاني هي صنعة شعرية أيضا.

وكتب الزغل في مدونته “لغو” عن ديلان “إلى جانب موهبته الغنائية الفذة، يتمتع بوب ديلان بحس شعري رفيع برهنه عبر كتابته لأغانيه المحملة بالتناص التاريخي والشعري، الميثولوجيا، والإيقاع الخاص، حتى أن الناقد والمنظر الأدبي اللامع كريستوفر ريكس ضمنه كأحد أعظم الشعراء في التاريخ الى جانب ملتون وكيتس”.

ويرى الزغل، كما قال في مقابلة مع بي بي سي، أن جنوح لجنة نوبل إلى اختيار فنان يميل إلى الشعبية أكثر من ميله إلى النخبوية، قائم على رؤيتها أن الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة قرب الفنون والآداب من الذوق الشعبي بشكل أكبر، وربما كان هذا “مغازلة” للواقع الثقافي الجديد الذي يتسم “بتحرر” الثقافة من النخبوية بفضل وسائل التواصل الاجتماعي.

ولكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو “هل كان هناك قالب كسر الآن؟ هلا هناك تغير في معايير لجنة الجائزة أو تغير في سياستها؟ ” ، لا أرى في تاريخ الجائزة ما يشير إلى وجود قوالب أو معايير ثابتة كتلك.
___
*بي بي سي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *