الصُنْدُوق الحَديدي

ثقافات- خاص

*محيي الدين كانون

    في مِصْعَد آلي كمْركبةٍ صاروخيةِ ، وبمدينة غريبةٍ كنت أحد الراكبين من خمسةِ غُرُباء في كل شيءٍ ، جَمعنا  الخوْف في هذا المِصْعَد اللعين ، كُنْتُ أريدُ الطابقَ العشرين بعْدَ المئةِ ، لكنْ لِعدم وضوح الأرقام المحفورةِ في القُرص البيْضَاوي  ، بسبب الإضاءةِ البنفْسجية الخافتةِ ، كما لاحظ بعضُ الرُكْاب ، و لاحظتْه بِنفسيِ ، مما جَعلْنا جميعاً  نرْتبكُ  إلاّ مِنْ  ذكاءٍ متحفزٍ متوترٍ وعازمٍ لدَي طفلةٍ لم تتعَدى الثامنةَ ، ومنْ واقعِ الخبرةِ  بألعابها الإلكترونية الذكيةِ ، همّتْ أن تُعالجَ الرقمَ المطلوبِ غيْرَ الواضحِ نيابةً عَنْ أُسرتِها في وقْتِ ربكةِ صُعُودِ الرُّكابِ  وازْدِياد عددِهم ، فضغطت بإصْبعِها الصغيرِ على زِرّ من القُرص والمِصْعَد أثناءَ تَحرُّكهِ المُنْطلِق ؛ فزادَ بعْد الضغْطةِ سرعةً مخيفةً ثم خروجاً عن مجالهِ بطريقةٍ مفزعةٍ للرُّكابِ ، كدتُ أصرْخُ  لولا مِنْ ابتسامة ِ أُمّها الرّقيقة … تحَكَمْتُ في  نفْسِي   وجَعَلْتُ أقولُ بصوتٍ مفْزعٍ مؤنبٍ   :

  ــ ماذا فَعلْتِ يا صَغِيرتِي ؟!

  انفزعت  المسْكِنةُ  بِدوْرِها ، وردَتْ بعَصبيةٍ :

ــ    إنَّني ضَغَطتُ على الزّرِ الصَحيحِ .

    لحَظَاتُ مرّتْ لا نعْلمُ بمصيرِنَا في هذا الصنْدوقِ الرهيبِ ، كُلُّنَا ننْظِرُ ونترقبُ النهايةَ في تجربةٍ فضائيةٍ مجهولةٍ ، ذلكَ كانَ الحالَ في لحظاتٍ مخيفةٍ مؤثرةٍ ، انْحَبَسَتْ خلالها أنْفَاسنا ،  ثُمّ فجأةً توَقْفَ الصُّنْدوقُ الحديدِيِ ، وانْفتحَ البابُ على مِصْرَاعيه بِظلّ مُوسيقا خافتةِ بَنَفْسجيةٍ  … وجدْنَا أنْفُسَنا جَميعاً فوْقَ أنْقَاضِ مدينةٍ نائمةٍ . مدينةُ  دونَ  سُكّانِ ، مهجورةٌ تماماً ، أو هَكَذا تبْدو ، تحَرّكَتْ  الطفلةُ  وأُسرتُها ككتلةٍ واحدةِ  في  اتجاه  واحدٍ  كسِرْبِ  البَطّ ،  هممتُ  أن  اسألَهم ، ولكنْ السؤالَ  تَجَمّدَ في حلْقِي… أخَدتُ  أبحَثُ عن  نفْسِي أو عَنْ  لافتةٍ  تُدلُّني :  أيْنَ  أَنَا  …؟!  أو  مَنْ  أَنَا …. ؟ !
_______
* كاتب وأديب  من ليبيا

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *