رجل البيفتاك

*الخير شوار

جلس الكاتب، واسمه محمد كاحل، في زاوية من غرفته المبعثرة على حافة سريره الغريب وهو يلتفت إلى النافذة بين الفينة والأخرى، وكأنه ينتظر شيئاً مهماً. ليس في عدّته سوى بضع من الأوراق من نوع “البيفتاك” وقلم حبر جاف أزرق مكسور في الأسفل، إلى درجة أن مستعمله إذا أراد كتابة شيء ما فعليه الإمساك بشيء من القلق بأسفل ذلك القلم.

كانت في ذهنه بعض القصص والحكايا التي تُسيّجه بإحكام. لا تدَعُه يخلص منها، إلا في محاولات قليلة جداً يريد الدخول إليها من باب مختلف، وسرعان ما يؤدّي به ذلك المدخل إلى ما يشبه الساحة التي تلتقي فيه كل الحكايا، التي تسكن رأسه منذ أمد.

ويختلط عليه الأمر ثم يكاد ييأس من أمره لولا ذلك العناد، الذي طالما ميّزه عن أقربائه والذي جعله يحاول مرات أخرى من باب آخر يراه في البداية مختلفاً ليجرّبه لعل وعسى يؤدّي به إلى بر لا يعرفه.

وأصبح يخشى مع تعدّد المحاولات الفاشلة من أن يلمح في طريقه شيئاً مألوفا لديه، وهو ما يعني الذهاب بخطى متثاقلة فاشلة إلى اليأس من العثور على ممرّ آمن، يؤدّي إلى حكاية قد تسحر المتلقي عند الانتهاء من تحبيرها على ورق البيفتاك ذاك.

بعد الكثير من محاولات الاقتحام الفاشلة، يرمي بالقلم جانباً وكاد يمزق الورق، لكنه لا يفعل ثم يحدّق طويلاً في ما وراء النافذة.

فجأة، بدون وعي منه، امتدت يده إلى قلم الحبر الجاف يمسكه من الأسفل بعناية حتى تسهل الكتابة به، ثم أخذ الورق وبدأ يكتب بكثير من القلق، وقد دخل من بوابة حديدية بلون صدئ بزجاج مكسور وسياج كثيف..

دفع البوّابة بشيء من القلق البادي عليه ثم دخل ليجد سُلّماً متّسخاً حتى كاد يعود أدراجه، لكنه تجاهل الأمر وبدأ يتقدّم خطوة فأخرى فأخرى، إلى أن وجد نفسه في الطابق الثاني أمام ثلاثة أبواب متقابلة. ولم يتوقف طويلاً ليتردّد في أي الأبواب سيقتحم، فقد وجد باباً مفتوحاً دون غيره فاقتحمه وبدأت خطواته تسمع مع نبضات قلبه المتسارعة. ولأول مرة يقتحم بيتاً على طريقة اللصوص، ولم يكن يسأل نفسه إن كان خائفاً أو متردّداً فقد كان في حالة تستعصي على الفهم.

وجد البهو فارغاً، فكاد يعود أدراجه لولا إحساسه بشيء غريب في الغرفة المجاورة التي سار إليها، ليدفع الباب بدون مبالاة، ويدخل غرفة مبعثرة وجد في أقصاها شخص كأنه يعرُفه يجلس على حافة سرير غريب، وهو يلتفت إلى النافذة بين الفينة والأخرى وكأنه ينتظر شيئاً مهماً، وليس في عُدّته سوى بضع أوراق من نوع البيفتاك وقلم حبر جاف أزرق مكسور في الأسفل إلى درجة أن مستعمله إذا أراد كتابة شيء ما، فعليه الإمساك بشيء من القلق بأسفله وبصعوبة بالغة.

وقعت العينان على العينين، وأحس كل من الشخصين أنه يعرف الآخر عز المعرفة، أو كأنه رآه في مكان ما. أراد أن يكلّمه لكن لسانه لم يطاوعه، وهبّ إليه يريد أن يحضنه أو يخنقه ولم يجد أمامه إلا فراغ البهو. فأخذته رجلاه إلى باب الشرفة يريد إنهاء وضع لم يعد يطيقه.

__________
* العربي الجديد

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *