لقاء الملائكة

خاص- ثقافات

*فضيلة معيرش

فوق جدران أصابع الحنين حملت جراحها وجابت كل القرى المجاورة علها تعثر له على أثر. قبل وفاة زوجها عبد الجليل إثر وعكة صحية مفاجئة، باح لها بما أفشته له ممرضة أثناء تردده على المستشفى وتقربه منها موهما إياها بالارتباط بها .

: أكاد أجزم أن امرأة قد أنجبت بعد سبعة عشر سنة عقم بنتا في الشهر الثامن فلم تعش إلا يومين ، كان ترددها على نفس الحجرة التي وضعت فيها مولودتها يتكرر إلى أن اختفت وأحد المواليد.

الخدوش التي تركها غياب زوجها عبد الجليل زادتها تصميما على البحث عن ابنها المفقود.

أمام منعطف الممكن، اقتربت دقات قلبها من بيت رئيس الدائرة السابق السيد عبد الباقي الذي توفي قبل أشهر وترك زوجته لالّة آمنة وابنها مبروك في بحبوحة من العيش .

صادفها بوجهه الملائكي الذي يطابق إلى حد بعيد وجه زوجها أو هكذا خيل لها …أغمي عليها وقد أدركت أنها تجاوزت زمن طلاء البوح ، أحبت فيما سبق الكثير من الأطفال الذين تخيلت شبهه بهم .

تركت كل ذلك على الكرسي الجانبي للوهم وأخفت حرائقها حين وضع يده الصغيرة على جروحها وهو ينادي أمه : الخالة مريضة وشاحبة .

أطعماها وتقاسمت معهما السكن شرط قيامها بخدمتهما … تدفقت الدماء الدافئة في شرايينها. مرت سنوات ووجهها يرسم بسمات الشوق كل صباح وهي توصله للمدرسة برغم الإهانات الموجهة لها من ربة البيت ، فضلت البقاء على المقاعد الخلفية للأوجاع فالأماكن الأمامية محجوزة دون أفراحها. ذات صباح طلبت منها لالّة فاطمة مغادرة البيت باكرا حتى لا يراها مبروك .غادرت دون أن تلقي نظرة على الكدمات التي خلفها وقع كلامها . صرخته كانت مدوية وهو يجدها ملقاة على حافة الطريق ونبضها يكاد ينقطع ، حين حملتها سيارة الإسعاف للمشفى المجاور ، كان قلبها البارد يحمل جليد الذكرى .

أخبره الطبيب أنها تكاد تغادر الدنيا محملة بزاد حزنها وقد حشرته في خزائن الأسرار ، واستطرد الطبيب : استوقفني سرها الموغل في الكتمان ، لكن صوتها الواهن لا يصل .

أشارت عليه أمه لالّة آمنة بضرورة تركها لمصيرها والعودة للبيت ؛هي التي كانت تجلس بين نقطة معلقة بين النسيان والجنون. في اليوم الموالي عاود الرجوع إليها وجد قلبها ينبض بدفء.

بادره الطبيب : قد تصحو .

نظر مبروك جهة الطبيب وقال : لا أدري سر تعلقي بها وجوعي لحنانها
وجودها العابر أمّن لي الكثير من الفرح ..قطع حديثهما صوت دوي هائل خارج المشفى . فتحت عينيها وهي تهمس : لالّة آمنة، أسرع إليها …؟
نظر إليها والدهشة تخرسه : خالتي كريمة … ؟

أسرع للخارج واقترب من الحشد ليجد أمه في المقعد الأمامي لسيارة الأجرة مضرجة بدمائها دون حراك أمسك بريشة الأمل للحظات قبل أن يمسك الطبيب بيده مواسيا فيسقط مغشيا عليه .

حين استيقظ من غيبوبته بعد يومين وضع الطبيب رسالتها بين يديه: اُدعُ لها بالرحمة ، أمك تنتظرك وأشار للخالة كريمة وهي نائمة بالقرب منه واستطرد الطبيب : بقت بجانبك منذ الحادثة .

رفع عينيه صوب وجهها الشاحب والدموع تخرس صوته المبحوح …وأسطر الرسالة تكاد تمتزج أمامه .

نطقت الممرضة : تطفلنا وفتحنا الرسالة : الخالة هي أمك …لالّة آمنة ربتك مسح دمعه بكفيه أخذ يديها وراح يقبلهما وهو يقول : الآن علمت سر تعلقي بك…ياخالة …بل يا أمّي.

______

*قاصة جزائرية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *