سكرات نجمة.. محاولة للمتعة وتجاوز للمألوف

خاص- ثقافات

*أحمـــد بوريـــدان

سكرات نجمة رواية للكاتبة أمل بوشارب ، الصادرة عن دار الشهاب سنة 2015 هي رواية بوليسية تبحث في الموروث الجزائري بشكل مشوق يتخطى المألوف ،مع العلم أن الساحة الأدبية في الجزائر تفتقر إلى الرواية البوليسية و ربما تعتبر سكرات نجمة محاولة إضافية لمجموعة من المحاولات السابقة في هذا الاتجاه و المحدود جدا،ربما هي محاولة لتجذير هذا النوع في الممارسة و الكتابة الأدبية ،فهل يمكن القول أن الرواية استطاعت أن تتجاوز المحاولات السابقة و تحقق التميز و الانسجام النصي بالرغم من العراقيل و الصعوبات التي يواجهها هذا النوع الأدبي في الجزائر و في الوطن العربي عموما بسبب القمع و تضييق الحريات؟ و هل تمكنت الكاتبة فعلا من فك الألغاز و إنارة العتمات؟

تروي سكرات نجمة قصة فنان جزائري مغترب يدعى إلياس ماضي،تدفعه الرغبة في البحث عن سر النجمة و الخامسة الموجودة في شعار الجمهورية الجزائرية فيسافر من إيطاليا ليحط الرحال بالجزائر العاصمة لأيام” لابد من أن اكتشف سرها فكر و هو يتأمل تلك الكف و قد داخله شعور غامض بالنشوة ص14″ و بعد التعمق في بحثه يكتشف أسرارا خفية عن الماسونية و رموزها في الواقع و في الموروث السحري و التاريخ الباطني و حتى في المعتقدات الصوفية في الجزائر الأمر الذي يجعل إلياس في معركة نفسية مع أفكاره و قناعاته،و ما هي إلا أيّام و يتعرض للقتل من طرف جارته طمعا في ميراثه من منزل جده و من هنا كانت بداية النهاية و نهاية البداية.

ربما أصاب الدكتور عامر مخلوف عندما صرح بأن الرواية البوليسية عندنا تفتقر إلى التعمق في مسألة البحث و التقصي و هو الأمر نفسه الذي يفتقده البوليس أيضا، و هذا ما نجد له تطابقا مع جريمة القتل الغامضة في سكرات نجمة،فبعد البحث التقليدي و المساءلة العادية فشلت الشرطة و المحقق في تحديد هوية القاتل ” انتحار الفنان إلياس ماضي في منزل جده في العاصمة طعنا بالسكين،هكذا عنونت الجرائد خبر مقتل إلياس بعد أن عجزت الشرطة عن إيجاد أي دليل قد يشير إلى هوية القاتل أو أي خيط من شأنه أن يوصل إلى المجرم ص404″ و هكذا ينتهي التحقيق و كأن الحدث ليس جريمة و تنتهي الرواية دون أن تجيب عن الكثير من الألغاز.. !

حقيقة أن الكاتبة أمل بوشارب تمكنت من المحافظة على تصاعد و غزارة الأحداث قصد إدهاش القارئ و إثارة خياله و إشراكه في البحث و التفكير بالعمل من خلال حبكة فنية متينة تدور حول لب المشكلة الرئيسية ،فالجريمة هي المحرك الأساس في الرواية البوليسية ،لذلك عادة ما تبدأ بالسؤال عن القاتل و البحث عن أسباب و دوافع القتل، فهل يكون ذلك كافيا للحفاظ على الانسجام و التكامل النصي؟.

ما يعاب على الكاتبة أنها تجاهلت بعض التفاصيل و الجزئيات ،فإلياس الذي يركب سيارة كلوندستان و يتوهم أن وقع في فخ و تعرض لمحاولة اختطاف ،يدفعه خوفه إلى محاولة الهرب لكنه لا يستطيع فك حزام الآمان و لا فتح الباب من الداخل ، و كأن الأمر مقصود فعلا ،لنكتشف في نهاية الرحلة نزول إلياس بسهولة و من دون عناء ص 77 و ص78 و ص 97 .

و كذلك عندما نقرأ ” مع انه لم يكن مطعونا في الظهر… بل في وسط الصدر ص10″

و تؤكد الكاتبة أن الطعنات القاتلة كانت في الصدر “… لتغرز السكين في صدره مرة مرتين ثلاثة و أربعة ص 425 “لكن الغريب ما جاء في الصفحة 427 ” بينما كانت هي تغرز في بطنه سكينها” ـ الهاء تعود على القاتلة يما مريم ـ فهل الطعنات كانت على مستوى الصدر أم البطن؟ ربما مثل هذه التفاصيل التي تهز العلاقة بين القارئ و مصداقية ما يقرأ.

تعتمد الرواية البوليسية على الركائز و العناصر الأساسية ،و هي الجريمة الغامضة و المحقق و عملية و ظروف التحقيق، فالرواية لم تركز على شخصية المخبر أو المحقق و لم تظهر الوسائل و الأدوات التي يعتمد عليها المحققون في مثل هذه الحالات من تسجيل الملاحظات و إجراء المقابلات و ربط الأحداث بالأسباب و مقارنتها لاستخلاص النتائج التي تؤدي إلى معرفة الحقيقة و اكتشاف القاتل بطريقة ذكية و عبقرية ، لو أن المحبر في هذه الرواية كان سلبيا من حيث اعتماده على الطرق التقليدية و المعتمدة في مراكز الشرطة عندنا،كما أن الكاتبة لم تركز على شخصية القاتل في احتياله و مكره و خداعه و استعماله لطرق التضليل و طمس الآثار و تغطية الحجج التي تدينه، و بذلك يمكن تصنيف رواية ” سكرات نجمة ” في خانة الرواية التشويقية التي تركز على الضحية باعتبارها الشخصية المحورية.

سكرات نجمة ، هي رواية ممتعة بألغازها الغامضة و أسرارها الخفية و تناقضاتها من عقل و جنون و خير و شر و دين و سحر و تقاليد و معتقدات و ثقافات و طقوس ظاهرة و باطنية،هي عوامل تشحن القارئ بطاقة من التشويق و تدفعه إلى مواصلة رحلة البحث عن الأجوبة و اكتشاف الأسرار.
سكرات نجمة ،عمل فني متميز بقلم موهوب واعد يشق طريق التألق و الإبداع بخطوات ثابتة ، كاتبة تستحق منا التقدير و الإعجاب .

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *