الجزائر – منذ صدورها العام الماضي باللغة الفرنسية عن دار القصبة للنشر، مازالت مذكرات المجاهدة الجزائرية لويزة إيغيل أحريز تلقى رواجا عند القراء لما ترويه من فصول خفية مروّعة من تلك الأيام السوداء التي عاشها الشعب الجزائري تحت نير الاستعمار الفرنسي.
وكانت دار القصبة للنشر وعدت المتعطشين لقراءة هذه المذكرات بأنّها ستقوم بترجمتها عن الفرنسية، وهو ما تمّ فعلا قبل أيام قليلة، حيث وضعت دار القصبة مذكرات لويزة إيغيل أحريز بين أيدي القرّاء معرّبة في الجزائر، في حُلّة أنيقة وبعنوان كبير “جزائرية” الذي يختصر كلّ تلك القصة التي من أجلها ضحّت هذه المناضلة وواجهت كلّ أصناف العذاب والاضطهاد.
وبين ثنايا هذه المذكرات نقرأ تفاصيل مروّعة عن آلة العذاب الجهنمية التي كان الاستعمار الفرنسي يواجه بها المناضلين الجزائريين، ظنا منه أنّها ستثنيهم بذلك عن مطلب حرية الجزائر واستقلالها الذي رفعوه هدفا غير قابل للمساومة.
وتقول أحريز، صاحبة المذكرات، في أحد مقاطع الكتاب “أنا أكتب اليوم لأذكّر الناس أنه كانت ثمة حرب فظيعة، ولم يكن من السهل علينا الوصول إلى نيل استقلالنا”.
إن كتاب “جزائرية” للويزة إيغيل أحريز ليس كتابا عاديا، حيث يعد شهادة تكاد تكون الوحيدة من قبل امرأة مجاهدة جزائرية تعرضت للتعذيب، وقد تمكنت من رواية تفاصيل تلك الحقبة بدقة بالغة؛ كيف تم تعذيبها والأساليب التي استعملت في تعذيب الجزائريين واستمرارهم في النضال.
من الصعب جدا أن يروي شخص يستذكر تلك المشاهد العنيفة واللاإنسانية التي تعرض لها عندما كان تحت أيادي جلاّديه، لكن أحريز تتحدث بشجاعة عن تعذيبها، عن آلة الكهرباء، وتستذكر الحوض المائي والمنشفة والربط بالأسلاك الحديدية وغيرها من أساليب التعذيب التي مارسها المستعمر الفرنسي ضد الجزائريين، من تعذيب بسيكولوجي يبقى عالقا في ذاكرة الضحايا.
لا يمكن أن نعلم ذلك الضغط النفسي الرهيب الذي تعرضت له لويزة إيغيل أحريز لكي تستذكر تلك المشاهد، ولكنّها بالرغم من كل الضغوط النفسية والاجتماعية أيضا، منحت الجزائريين شهادتها حتى لا ينسوا التضحيات التي قدمها أسلافهم كي يتحرر الوطن من الاستعمار الفرنسي، ومنحت البشرية شهادة تدين الاستعمار عموما والاستعمار الفرنسي على الخصوص الذي يريد بعض تزييف حقائقه التاريخية بأن يقدموه على أنه مهمة حضارية.
إذ تقول لويزة إيغيل أحريز “أتمنى أن يحفظ من قصتي هذه ويستخلص منها أنه يجب أن يصان الإنسان ذاتا كريمة كما خلقت، إذ لا يمكن لأي بشر أن يحقق غاياته مهما كانت، بالتعذيب وبالإذلال وبالإهانة. بكتابي هذا فأنا أديت واجب قول الحقيقة”.