توقفَ الأبُ أمامَ محلِّ الألعاب تلبيةً لرغبة ابنتهِ الشقية ياسمين وراحَ يستمعُ لطلباتها الطفولية بابتسامةٍ كاد ينساها، شأنهُ شأن معظم سكانِ هذه المدينة.
كانَ يوماً مناسباً للخروجِ من المنزل فالشمسُ زارتهم بعد أيامٍ طويلةٍ من البردِ اجتاحت البلاد كأنَّ أيام الحربَ لم تكن تكفي.
قالَ الخضرجي للمرأةِ العجوز:
ـ أقسم لك هذهِ أسعار الحكومة.
إن كنتِ ممتعضةً منها فاشتميها ولا تشتميني.
ما كانَ لهذا النفاق أن يمرَّ على السيدة فشتمتهُ وشتمت الحكومة.
هي تعلمُ ـ كما يعلمُ معظمُ الفقراء ـ أن التاجرَ والمسؤول الحكومي وجهانِ لعملةٍ واحدة.
الاحتيال.
في الملعبِ الترابي القريبِ تجمّعَ عددٌ من الطلبةِ بعد خروجهم من المدرسة مستغلين دفءَ الشمس كي يلعبوا كرة القدم.
لاحظَ سائقُ السيارةِ البيضاء كم كانَ أهلُ المدينةِ سعداءَ بمسيرِ هذا اليومِ وكأنّه استراحة إلهية من الحربِ اللعينة التي تعصفُ بهم.
إلى جوارِ مقهى يعجُّ بالزبائنِ، بالقربِ من ذلك الملعبِ الترابي ركنَ أبو البراء سيارته فاستطاعَ أن يرى بوضوح ضمن المشهدِ كلهِ رجلاً يقفُ أمامَ محلِّ الألعاب برفقةِ طفلتهِ الصغيرة.
قرأ ما تيسّر له من القرآن.
ألقى نظرة خاطفة على وجههِ ذي الصورةِ المنعكسة عنِ مرآة السيارة وابتسم ابتسامة الرضى فقد كان شكلهُ قد تغيّر بعدَ إطلاق الذقن وحفِّ الشاربين إلى ما يشبه مثله الأعلى..
بكبسةٍ صغيرةٍ تناثرَ جسدهُ ألف قطعة.
كلّ قطعةٍ أصبحت قنبلة.
واحدة قتلت ياسمين مع أبيها.
واحدة قتلت من يلعبونَ طاولة الزهر ويدخنون الأركيلة في ذلك المقهى.
واحدة قتلت المرأة العجوز وبائعَ الخضار.
كل قطعةٍ من ذلك الجسدِ المتفجّر باسم الله أزهقت روحاً كانت تعتقدُ قبل وقتٍ قليلٍ أن هذا اليوم الذي زارتهم الشمسُ فيهِ بعدَ مدةٍ طويلةٍ من البردِ الداكن هو يومٌ مناسبٌ للخروج كاستراحةٍ إلهيةٍ من حربٍ طويلةٍ تعصفُ بالبلاد.. تلكَ البلاد.
_________
*شاعر وكاتب قصة قصيرة من سوريا