أحلم بعالم نموت فيه من أجل فاصلة/ إميل سيوران

تقديم واختيار:  رضاب نهار

ليس تشاؤماً على الإطلاق. لكنّها نظرته الفاحصة للكون من حوله، للحياة بمنطقها غير العادل والراحل نحو الخواء. فكلّ ما فعله الفيلسوف والكاتب الروماني إميل سيوران (1911 – 1995)، أنه استجاب لسؤال المصير كثيراً، راصداً ومستكشفاً بكل ما أوتي من فضول وقدرة على منحنا الخلاصة من خلال العلاقات اليومية والتافهة بين التفاصيل الصغيرة، وجاءت أجوبته صادقة وصادمة للبعض، مستلهمة من الموت مغزاها ومعناها. وبصيغة الشذريات، قدّم سيوران في أعماله خلاصة رؤيته الفلسفية لثنائية الولادة والموت وما بينهما من تحولات وعتبات. وبحثت في «الجدوى» التي لطالما أرّقته وقضّت مضاجعه. وليس غريباً أن يفهم كثيرون ما وقع بين السطور على أنه تشاؤم يائس، إلا أن سيوران وبينما كان يتكلّم عن العدم، كان يدعو إلى الشك ليس إلا. ويحاول الرجوع بنا إلى أعماقنا لنعيش بعيدين عن السطحية القاتلة والمسؤولة عن دمارنا المستقبلي. كذلك وجّه سيوران نقده اللاذع للثرثرة باعتبارها مجموعة من الكلمات الفارغة وغير المهتمة بتقديم معنى أو فائدة، معيباً على الإنسان ثرثرته وعدم قدرته على الصمت الضروري واللازم لأجل الخلاص. نشر أعماله باللغتين الفرنسية والرومانية. ومنها (المياه كلها بلون الغرق) 1952، (مثالب الولادة)، (غواية الوجود) و(اعترافات ولعنات).

ثمة في البلاد مقدار من الجدّ، لو وجّه بشكل أفضل، لأمكن له أن يضاعف محصولنا من الروائع.

**********

بدون شكّنا في أنفسنا تغدو شكوكيتنا كلمة ميتة، حيرة مبتذلة، مذهباً فلسفياً.

***

لم نعد راغبين في تحمّل تبعات «الحقائق» ولا في أن نكون ضحاياها أو شركاءها. أحلم بعالم نموت فيه من أجل فاصلة.

***

ما من طريق إلى الفشل في الحياة أقصر من أن نقتحم الشعر دون دعم من الموهبة.

***

وحدها العقول السطحية تتقدّم من الفكرة بلطف.

***

لا يعتني بالأمثال والأقوال المأثورة إلا من عرف الرعب وسط الكلمات، والفزع من التداعي من جميع الكلمات.

***

من السهل أن يكون المرء عميقاً، يكفي أن يستسلم لفيض ثغراته الخاصة.

***

توجعني كل كلمة، ومع ذلك كم سيلذّ لي أن أنصت إلى الزهور تثرثر حول الموت.

***

الرومانسيون كانوا آخر المختصين في الانتحار. بعدهم صار الانتحار عرضة إلى عدم الإتقان. من أجل تحسين نوعيته، نحن في حاجة كبيرة إلى مرض جديد للعصر.

***

غموض: كلمة نستعملها لخداع الآخرين، لإيهامهم بأننا أكثر عمقاً منهم.

***

الخوف من العقم يدفع الكاتب إلى أن ينتج فوق طاقته، وأن يضيف إلى الأكاذيب المعيشة أكاذيب أخرى لا تحصى يستلفها أو يختلقها اختلاقاً. تحت كل «أعمال كاملة» يقبع دجّال.

***

على المتشائم أن يخترع كل يوم أسباباً أخرى للاستمرار في الوجود: إنه ضحية من ضحايا «معنى» الحياة.

***

خدعة الأسلوب: إعطاء الهموم اليومية مجرى غير مألوف، تجميل المتاعب التافهة، تأثيث الخواء، تحقيق الوجود «بواسطة الكلمة»، بواسطة شقشقة الشكوى أو الاستهزاء.

***

بالنسبة إلى من استنشق الموت، كم هي مؤسفة روائح الكلمة.

***

الشعر الجدير بهذه التسمية يبدأ بتجربة الاصطدام بالقدر – وحدهم الشعراء الرديئون يشعرون بالحرية.

***

الموضة الفلسفية تفرض نفسها تماماً مثل الموضة في الطعام: لا تُدحض فكرة أكثر مما تُدحض صلصة.

***

واجب الوعي: الوصول إلى يأس لائق. إلى شراسة أولمبية.

***

السعادة نادرة إلى هذا الحد لأننا لا نصل إليها إلا بعد الشيخوخة في ذروة الهرم – إنها نعمة حكر على قلة قليلة من الفانين.

***

غصت في المطلق مغروراً غبياً، وخرجت منه وأنا مثل ساكن الكهوف.

***

في هذا الكون المؤقت، ليس لمسلّماتنا سوى قيمة الأحداث اليومية.

***

الأمر الإيجابي في الانكباب على مسألتي الحياة والموت، هو إمكانية أن نقول فيهما أي شيء يتبادر إلى الذهن.

***

اعتراض على العلم: هذا العالم لا يستحقّ أن نعرفه.

***

مع كل فكرة تولد فينا ثمة شيء يتعفّن.

***

الواقع يصيبني بالربو.

***

اهتمامنا بالزمن ناشئ عن زهونا بما لا رجاء فيه.

***

لإتقان الحزن، تلك الحرفة اليدوية المتعلّقة بما هو ضبابي، بعضهم يحتاج إلى ثانية وبعضهم يحتاج إلى حياة كاملة.

***

لا أكون نفسي إلا إذا كنت فوقي أو تحتي، في ذروة الغضب أو في ذروة الإحباط. حين أكون في المستوى العادي لنفسي أجهل أني موجود.

***

لا بد لكل رغبة من أن تلتقي آجلاً أو عاجلاً بذبولها: بحقيقتها.

***

كان من السهل أن نتأقلم مع الأحزان لولا أنها تجهز على العقل والكبد.

***

لا يُهلك الفرح إلا قلّة صرامته. لاحظوا في المقابل منطقية الضغينة.

***

إذا حزنت دونما سبب، فثق بأنك كنت حزيناً طيلة حياتك دون أن تعرف.

***

بين الملل والنشوة تدور أحداث تجربتنا مع الزمن كلّها.

***

الصيرورة احتضار بلا خاتمة.

***

بعكس الملذات، لا تقود الآلام إلى الإشباع. ليس هناك مجذوم متخم.

***

الحزن شهية لا تشبعها أي مصيبة.

***

كم هو محزن أن نرى أمماً كبيرة تتسول قدراً إضافياً من المستقبل.

_________

*الاتحاد الثقافي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *