بيروت – يدرس كتاب «أبوالعلاء المعري ثائرا» للباحث والناقد نبيل الحيدري على امتداد ثمانية فصول، العديد من المحاور المتعلقة بالفيلسوف والشاعر العربي أبي العلاء المعري كاشفا خفايا حياته وفكره وأدبه وعالمه الكبير.
“أبو العلاء المعري ثائرا” هو العنوان الذي اختاره الحيدري لكتابه الصادر حديثا عن الدار العربية للعلوم ناشرون بالاشتراك مع دار العرب، والذي يبحث في قصة حياة وآثار فيلسوف المعرة وعالمه الكبير، ذلك العبقري المتميز الذي تجاوز زمنه كما تجاوز مكانه ومجتمعه إلى أفق أرحب واسع لا يعرف الحدود في الفكر والفلسفة والأدب، فواجه التعصب والتكفير والتزمت الذي نقله من المعرة إلى بغداد التي كانت تمثل مركز التنوير، وبعدها رجع إلى مدينته فسجن نفسه في بيته ليكتب الشعر والأدب، ويجيب على الرسائل الكثيرة من أصقاع الدنيا إلى أن مات في قصة غريبة.
ولأن المعري كما يقول المؤلف «كان معجزة كبيرة جمع فيها الأدب والفلسفة والتراث والجدل والعلوم حتى النجوم، ودقة تفاصيلها مما أبهر عظماء عصره»، يسلط الكتاب الضوء على ما كتبه العظماء على مر التاريخ عن عبقريته وذكائه وفكره، وحتى المستشرقون من مختلف بقاع الدنيا تناولوا المعري كظاهرة أدبية وفكرية فارقة في الحضارة العربية لما كان له من تأثير بليغ في الأدب والفكر سواء العربي منه أو العالمي، إذ الكثير من الآثار الأدبية مثلا تأثرت بكتابات المعري.
كما يبحث الكتاب أيضا الفترة التي عاشها أبو العلاء في بغداد وهي أهم الفترات رغم قصرها، لكنها ذات الأثر الأكبر في حياته لكونها كانت مركز العلم والثقافة والأدب والحوار والترجمة، ولهذا يعتبر المؤلف أن الباحث في رحاب المعري “يحار وهو يدرس أفكاره وشعره وإبداعاته والجدل الكبير حوله وحول آرائه، فقد ألزم نفسه مثلا باللزوميات، أو لزوم ما لا يلزم، وهذا ما لم يلتزم به شاعر قط لا قبله ولا بعده”.
وقد حرم على نفسه أكل اللحم، وحرم على نفسه أيضا الزواج رغم شعره الغزلي في النساء، ولأن البحث في حياة شاعر المعرة ليس بالأمر السهل، حاول المؤلف بحث الظروف والشرائط الموضوعية وأمور عديدة لحل الإشكالات وفتح الألغاز المتعلقة بالمعري، والتي حار فيها الكثير من الباحثين، كذمه لنفسه مرارا ولاسمه ولقبه، وتعارض الباحثون في الكثير من المحاور المهمة لفهمه وخصوصا رأيه ومذهبه ودينه وإيمانه، فبينما يراه البعض ملحدا متحررا من القيود، يراه آخرون مؤمنا صادقا عميق الإيمان راسخ الإرادة.
تتألف الدارسة من ثمانية فصول، جاء أول الفصول بعنوان “نشأة المعري وتعلمه”، أما الفصل الثاني فتناول فيه المؤلف “عبقريته ومحنته، شدة ذكائه، العمى وأثره، أدبه ومصنفاته، علوم اللغة والأدب والعروض، تلامذته ومريدوه”.
فيما تناول نبيل الحيدري في الفصل الثالث من كتابه “رحلة فاصلة في حياته (بغداد)”، ليتطرق بعد ذلك إلى “عبقرية الشعر (سقط الزند، اللزوميات، الفصول والغايات)” في رابع فصول الكتاب، الذي لم يغفل فيه الناقد الحديث عن “إبداع الفلسفة (رسالة الغفران، المعري والمرأة، التراث والدين، .. وغيرها)” في خامس أجزائه، ليعنون الفصل السادس بـ”أغراض الشعر عند المعري (المديح، الفخر، الوصف، الرثاء، الهجاء، الغزل، والحكم والأمثال)”،
أما الفصل السابع فجاء بعنوان “المعري مع الشعراء والأدباء (الجواهري، المتنبي، طه حسين)”، ليختتم الكتاب بفصل كامل حول وفاة أبي العلاء المعري بعنوان “قصة وفاته”.
_______
*العرب