جدوى الكتابة

خاص- ثقافات

*ديمة محمود

أكتب لأكون، أكتب لأتخفّف وأخفّف من القبح الذي ينزف ويستشري من حولي.

أكتب لأزيل عن كاهلي أتربة مركومٍ داخليّ ربما اختمر سنيناً في عقلي الباطن وظلّ مربوطاً يراودني ظله دون أن أملك منه فكاكاً، أكتب لأصرخ بصوتٍ عالٍ وأكنس كل شيء كل شيء، ما آلمني وما أسعدني، أكتب لأقول حينما أفرح أو أحب بصوتٍ عالٍ وبلا قيود: “أنا أحب.. أنا فرِحة.”، أو أصرخ وأبكي بأعلى صوت عندما أحزن ولا يحبس دموعي ويكتم صراخي أحد..

أكتب لأن ثمة مايقرع بشدةٍ وإلحاحٍ بداخلي، ثمة ما يموج ويضطرب ولا يهدأ، موج يضرب بعضه ورعدةٌ تمسكُ بتلابيب شراييني .. لا تنفك ولا ترسو إلا بمولودٍ كتابي … ألتقط بعده أنفاسي وأمتلىء بالراحة إلى حين النوبة المقبلة. عندما يحدث هذا أوقنُ أنني ماكنت بخير لولا هذه الشحنة المائجة المتبوعة بالكتابة وأنني الآن وأنا أنتشي بمتعة خروج هذا المولود أمارس طقساً مجنوناً آخر، جنون يقود لجنون يأخذاني في نشوةٍ لا تقايَض إلا بجنونٍ تال. أضرب كفاً بكف وأقول: “يال الشعر، ياله من إله، المجد ثم المجد للكتابه والشعر، المجد لشيطان الشعر العظيم الذي لولا محرابه لتورّمتُ وتورّمتُ ثم اختنقتُ كمداً”…

أكتب لأتماهى مع كثير مما لدى الآخر الذي لا يمكن لصوته أن يصل، علّ صوته الذي بصوتي يزرع غيمة أوينزع شوكة.

أكتب لنقصٍ ينتابني حيناً فأكتمل، ولجوعٍ يطغى عليّ فأشبع، ولبردٍ يعتريني فأتدفّأ، ولعطش يبلغ مني مبلغاً فأرتوي، ولغضاضةٍ تداهمني فأنضج… بل كثيراً ما يكون ذلك لفراغ يملؤني فأملؤه.

أكتب كي أعتق طفلي الكامن، ولأخلق الحب وأحرّر نفسي من نفسي..

أكتب لأركض بسرعة ولا يدركني أحد، وأدرك أدرك مالا يُدرَك إلا بالكتابة وبالشعر!

أكتب كي أكون جبلاً أو حصى أو تراب، أو ثلجاً أو شلالاً أو مستنقعاً، أو نسرأ أو بلبلاً أو فراشة أو دودة أو كلباً أو نخلة أو جميزة أو دوار شمس أو قصب سكر أو نبتة صبار أو هندباء..

أكتب كيلا أموت أو أتعفّن..
______
*شاعرة مصرية

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *