“الأعراض الجانبية” …دراما نفسية متداخلة

*مهند النابلسي

خاص ثقافات

طب نفسي وعقاقير وجنس مثلي ومؤامرات وجرائم وملاحقات بوليسية 

يطلق سراح زوج اميلي (روني مارا) مارتين (شانينغ تانوم) بعد أربع سنوات بسبب اختلاس وفساد مالي، وبعد مضي فترة وجيزة تصطدم سيارة اميلي بجدار خرساني في موقف سيارات، فيما يبدو أنها محاولة ظاهرية للانتحار (حيث يقر مشرف الكراج لاحقا أنها وضعت حزام الأمان قبل ركوبها !).

يتم تعيين جوناثان بانكس ( جود لو ) كطبيب نفس متخصص لمتابعة حالتها النفسية، ويؤكد خشيته على سلامتها، ولكنه يرضخ لتوسلاتها، ويضطر لإطلاق سراحها من المستشفى مع تعهدها بحضور جلسات علاج نفسي في عيادته الشخصية.

تجرب اميلي محموعة علاجات ضد الكآبة بلا جدوى، ثم يتصل جوناثان طالبا العون من طبيبة اميلي النفسية السابقة فيكتوريا ( كاترين زيتا جونز )، والتي تقترح بدورها علاجا فعالا جديدا (ابليسكا)، ولكن جوناثان يتردد بالسماح باستخدامه، حتى تحاول اميلي الانتحار مرة أخرى ( حيث ينقذها ضابط مترو الأنفاق في اللحظة الأخيرة )، ويضطر عندئذ لوصف دواء الكآبة الشهير “ابليسكا” لها، ينجح الدواء بإعادتها نوعا ما لنمط حياتها الطبيعي، ولكنها تعاني من حالة ” المشي أثناء النوم” كتأثير جانبي للعقار، وفي ليلة وأثناء عودة زوجها من إحدى جولات عمله، تقدم بشكل مفاجىء على طعنه بسكين مطبخ حادة عدة طعنات متتابعة حتى الموت، بحجة أنها تحت تأثير حالة ” المشي أثناء النوم “.

تقدم اميلي للمحاكمة ويحارب جوناثان بضراوة من أجل براءتها ( بحجة عدم مسؤوليتها الواعية وحالتها النفسية )، ولكنه يلام رسميا بسبب تهاونه بمتابعة حالتها، كما يفترض المدعي العام وزملاؤه أنه أهمل نظرا لضغوط العمل المتزايدة ، ولكن اميلي توافق مكرهة على خصوصية حالتها النفسية كمريضة نفسية لا تدرك نتائج أفعالها، مقابل أن يطلق سراحها وتبقى تحت المراقبة في مصحة نفسية، وذلك حتى يتم اإقرار بشفائها نهائيا من قبل طبيب نفسي معتمد.

الاكتشاف الذكي للمؤامرة:

يقرر شركاء جوناثان تركه، بسبب الدعاية الإعلامية والتشويه المركز لسمعته، كما يقصى من التجارب السريرية، ويقرر النائب العام تجميده مؤقتا، ويعتقد يائسا أنه ظلم بسبب أخطاء لم يرتكبها، وعندما يتبصر في مجريات الامور، يلمس إثباتات محددة تؤكد له وجود تآمر مقصود ومخطط له …وتشرق في ذهنه تداعيات التأثير الجانبي لعقار ابليسكا، حيث أن الطبيبة النفسية السابقة فيكتوريا هي الوحيدة التي تحدثت عن تأثير ” المشي اثناء النوم “، كما أن محاكمة اميلي قد تسببت بانخفاض ملموس لأسهم الشركة المصنعة، مقابل ارتفاع ملحوظ لأسهم العقار البديل المنافس، عندئذ شك جوناثان محقا بأن اميلي وفكتوريا ربما قد تآمرتا معا ، ويقوم للتحقق من شكوكه بإخضاع اميلي لتجربة ” الحقيقة” …حيث تبدأ بالاعتراف كما لو أنها تعرضت بالفعل لتنويم مغناطيسي وتنتهي نوبتها بغيبوبة، عندئذ تصدق ظنونه لأنه أعطاها محلولا ملحيا مزيفا بدلا من عقار الحقيقة المفترض.

وعندما يواجه صراحة فيكتوريا بشكوكه، ترسل هذه فورا صورا مفبركة لزوجته توضح وجود علاقة غرامية مع اميلي ، وتقوم زوجته بهجره مع ابنه الصبي الصغير …يعاني جوناثان عندئذ من فقدانه لعمله ومصداقيته واستقراره العائلي، فيلعب بذكاء لعبة أخيرة تتمثل بإيهام كل من اميلي وفيكتوريا بأن كل واحدة قد باعت الأخرى وكشفت أسرارها لمصلحتها الشخصية.

وتنجح لعبته تماما عندما تنهار اميلي أمام عناده واصراره ، وتكشف له أنها كرهت زوجها منذ البداية لأنه تسبب بتهوره بحرمانها من الثراء والحياة الرغيدة الباذخة التي تتمناها ، وتوضح له تفاصيل علاقتها مع فيكتوريا، وكيفية توافقهما معا نظرا لأن هذه الأخيرة كانت تعاني أيضا من هجران زوجها وإهماله لها ، ثم تتطرق لتفاصيل انغماسهن معا بعلاقة مثلية آثمة، بعد أن وقعت فيكتوريا بحبها بحجة أنها كانت تنتظرها بلهفة منذ سنوات.

عندئذ تنغمس المرأتان بتعلم أسرار البورصات المالية وكيفية تزييف عوارض الاضطرابات النفسية، وخاصة فيما يتعلق بالتأثير الجانبي لعقار ” ابليسكا ” المتمثل بالمشي أثناء النوم، وعندما تتجمع لدى جوناثان كافة تفاصيل المؤامرة، ينجح بمنع اتصال المرأتين، كما يسمح بقصد بإطلاق سراح اميلي من المصح العقلي بالتعاون مع المحقق العام، هادفا بقصد لإيقاع فيكتوريا بكمين محكم عندما تقابلها اميلي بعيادتها دون موعد مسبق، وهي مزودة بجهاز تنصت، وحيث نفاجأ بوجود والدة زوج اميلي الراحل ومحاميها والمحقق ضابط الشرطة خارج العيادة، وقد تنصتوا على كامل اعترافات فيكتوريا ( وجدت هذا المشهد تحديدا ساذجا ويشبه لحد بعيد مشاهد النهاية البائسة في السينما المصرية ! ) …عندئذ يتم إلقاء القبض على فيكتوريا بتهمة التزوير والتآمر بجريمة قتل، مقابل إعفاء اميلي جنائيا لتعاونها وباعتبارها مضللة وغير مسؤولة بوعي عن قتل زوجها. لكن جوناثان ورغبته بالانتقام يخدعها ويتنصل من تعهداته تجاهها، ويطالب بإعادة اعتقال اميلي مجددا وإرسالها للمصحة العقلية.

نلاحظ في المشاهد الأخيرة جوناثان وقد استرجع علاقته العائلية السعيدة مع زوجته وابنه الصغير، وحيث تقبع اميلي في المصحة العقلية ، وتبحلق بحزن من خلال النافذة ، وعندما تسألها الممرضة حول شعورها ، فتجيب بسخرية معبرة :

“أفضل … أفضل بكثير” !

الجمال الفتاك والشخصية الشريرة:

هنا أود أن أشير لتناقض شخصية اميلي مع النمط التقليدي لبطلات هيتشكوك الشقراوات ، فهي هنا لم تكن ضحية، وانما ذات جمال فتاك جاذب، أدى أولا لتورط زوجها المسكين باختلاس المال إرضاء لأهوائها في الحياة الباذخة، ومن ثم انخرطت بمؤامرة أدت لقتله بهذه الصورة المرعبة، كما تمكنت ببراعة من التأثير على جوناثان لإطلاق صراحها ومعاينة حالتها في عيادته الشخصية … وحتى جمالها الفتاك فقد كان بمثابة المصيدة لفيكتوريا التي انجذبت لها جنسيا بلا مقاومة… لذا فقد كانت محور الشر في الفيلم ، لذا اجد أن عودتها للمصحة وتعبيرها الأخير ربما كان نوعا من “المغفرة والشعور بالذنب” ، وكان مبررا تماما وكأنه النهاية الطبيعية لشخصية مرضية مؤذية.

قصدت تماما أن استعرض بهذا العرض اللاهث المركز معظم مجريات هذه القصة السينمائية اللافتة الذي اتحفنا بها سودربيرغ بأسلوب إخراج متميز عصري وشيق يذكرنا بنمط إخراج الراحل هيتشكوك، والذي تطرق فيها لخليط مدهش من الأحداث والتداعيات السيكلوجية الخاصة والطبية (التجارية) العامة، وبأسلوب “بوليسي” متصاعد ومتماسك وحابس للأنفاس في عمل سينمائي سيخلده ربما لسنوات عديدة قادمة.

_________

*ناقد سينمائي من الأردن.

 

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *