*يوسف غيشان
للصبر حدود وللفقر حدود: طبعا، أما حدود الصبر فأعرفها، حيث يحدها من الشمال سوريا، ومن الجنوب السعودية ومن الغرب العراق والسعودية ومن الشرق فلسطين.. طبعا تعرفونها. اما حدود الفقر، فمن الصعب تحديدها تماما حسب الاتجاهات الأربع، لأنها دائمة الحركة والتغير بفضل الحكومات الهاملة.
بالمناسبة، أساليب ذكية جداً في الاحتيال على الواقع، وقدرة على العيش رغم أنف الفاقة ورأسها وبنكرياسها وبطينها الأيمن، ببساطة، الحياة بدون هذه الاحتيالات تصبح شبه مستحيلة، فالحاجة أم الاحتيال وأخته وجدته:
كان الحمار حروناً أكثر مما ينبغي، وكان ينهق بصوت منكر وعال جدا، مما يزعج أهل الحارة، ويقلق راحتهم وينكد عيشتهم. المشكلة أنّ أهل تلك الحارة لا يستطيعون الاستغناء عن ذلك الحمار الجهوريّ، لأنه المكلّف، مع سائقه المرخص، بنقل النفايات إلى المحرقة (المزبلة)، سيّما وأنّ الطرق الوعرة الضيقة لتلك الحارة لا تسمح لسيارات البلدية بالوصول اليها.
في الحالات الصعبة يتمّ الرجوع إلى الخبراء وشيوخ الطريقة، فذهب موفد من الحارة إلى شيخ المكاريّين والحماريّين في المدينة – أو قل القرية – وشرح له المشكلة التي تعانيها الحارة مع ذلك الحمار الجعاريّ الأرعن.
تنحنح شيخ الحمّارين، ثم سرح بنظره إلى الأعلى على طريقة المرحوم القذافي، ثم أعاد نظره ببطء من الأعالي، ووجّه نظرة حادة إلى موفد القرية، وقال بسرعة، لكأنه خشي أن ينسى الوصفة:
– شحّمه!!
لم يفهم الموفد هذه الكلمة في البداية، حيث تمّ تشديد الحاء، وبعد تشغيل دماغه قليلاً، أدرك أن الرجل يطلب منه تشحيم الحمار.
– وهل هو سيارة صدئة أو ماتور ماء معطل حتى أقوم بتشحيمه؟
بهدوء ومعلمانية شرح شيخ الطريقة الموضوع لمندوب الحارة، وطلب منه تشحيم مؤخرة الحمار فقط، وسوف تنتهي المشكلة تماماً بعد التشحيم، لكنه طلب منه تشحيم الحمار يوميّاً، عدا أيّام العطلات والأعياد.
مندوب الحارة المغلوب على أمره، عاد إلى المجلس القروي وشرح الحل، فطلب المجلس القروي من سائق الحمار أن يقوم بتشحيم دبر حماره على سبيل التجربة.. لعلّ وعسى!!
تمّت العملية بنجاح فجر اليوم التالي، وقلق الناس في الحارة حينما لم يسمعوا نهيق الحمار المنكر، إذ خشوا أن يكون قد مات أو مرض أو استقال، لكنهم بعد إرهاف السمع تناهى إلى أسماعهم صوت ناعم يشبه نقيق الضفادع النفساء.
أطلّ البعض برؤوسهم إلى مسار الحمار التقليديّ، فشاهدوا الحمار يسير وهو يحاول النهيق، فتخرج منه على شكل كأكأة ونقيق، لأن مؤخرته المطليّة بالشحمة تمنعه من إخراج الصوت المنكر المعتاد (أجريت التجربة على نفسي، وزبطت معي).
وهكذا اشترى المجلس القروي تنكة شحمة، لغايات تنعيم صوت الحمار.
بربكم ألا يخطر في بالكم أشخاص أو جهات، لا بل أما تستذكرون دولاً وحكومات بحاجة إلى التشحيم اليومي؟
حيلة أخرى يعتمدها الفقراء في الأردن، وعلى الأغلب أنهم لم يبتكروها بأنفسهم، بل كانت على شكل ردّ فعل عفوي على الفقر، ومن المؤكد أنها – هذه الحيلة – مستخدمة في أقطار عربية وأجنبية كثيرة.
الحيلة تسمى (دهان الترخيص)، وهي طريقة يتمّ فيها استكمال معاملات ترخيص السيارات القديمة التي تحتاج إلى الدهان، لكنّ الدهان الحقيقي، حيث تدخل السيارة إلى الفرن، ثمّ يتمّ دهنها لتخرج كأنّها من الوكالة.. هذا الدهان مكلف كثيراً بالنسبة لأصحاب السيارات المهترئة.
لذلك، فإنّ هناك ورشات للدهان تقوم بما يسمّى بــ (دهان الترخيص)، حيث يتمّ رش السيارة بالدهان قليل الكلفة، وبدل أن يدفع صاحب السيارة مبلغاً لا يقلّ حده الأدنى عن 400 دولار، يدفع حوالي 50 دولاراً فقط لا غير.. ويتمّ منح السيارة رخصة لعام كامل.. لكن صاحب السيارة يحتاج – على الأغلب – في العام القادم إلى دهان ترخيص آخر.
دهان الترخيص.. دهان خادع مراوغ، لكنه ضروري في الزمن الصعب!!
____
*الوطن