*جوزيف الحاج
عرفنا “تان تان” وآخرين من أبطال القصص المصورة، في أدوار مصورين صحافيين، أما اليوم فقد باتت للمصورين الفوتوغرافيين في هذه القصص سير وأسماء حقيقية.
بالتعاون مع وكالة “ماغنوم” ودار فرنسية (Aire libre) متخصصة في نشر الشرائط المصوَّرة، يصدر جزء ثان عن هنري كارتييه- بريسون(1908-2004)، بعد صدور جزء أول يحكي قصة زميله روبرت كابا(1913-1954)، مؤسس وكالة “ماغنوم” في 1951.
للمرة الأولى في تاريخها، تتناول الشرائط المصوَّرة أو الفن التاسع، فناً آخر هو الفوتوغرافيا، أو الفن الثامن. هناك روابط عديدة تجمعهما، قال عنها جان- دافيد مورفان صاحب الفكرة: “الصورة الفوتوغرافية هي أيضاً سرد. إنها تبيّن لحظة خاطفة. سعيتُ إلى تناول حياة المصورين وأعمالهم. لا يتحقق هذا السرد إلاّ بالقصص المصوّرة. إذ لا تستطيع الفوتوغرافيا العودة إلى الوراء لتروي قصة إلتقاط صورة، بينما هذا ممكن في القصة المصوّرة”.
خطرت “ماغنوم” أولاً في بال مورفان لأنها الأقدم. بدأ البحث بين الأسماء الأكثر شهرة. بالنسبة إلى كابا، تم التطرق إلى تغطيته لإنزال الحلفاء عند شواطئ النورماندي. رسمت القصة دومينيك برتاي ابنة النورماندي. أما سيرة كارتييه- بريسون فبدأت من هروبه من أحد المعتقلات النازية في الحرب العالمية الثانية.
رسمت القصص حياة هؤلاء المصورين وأساليبهم على مستويات عديدة: الظروف وأماكن الأحداث، ومشاعرهم خلف كاميراتهم. وقائع تاريخية من وجهة نظر إنسانية، عبر عدسة صغيرة، كما عرضت أيضاً لتطور التصوير الصحافي من زمن كابا وكارتييه- بريسون حتى الرقمي وثوراته. رسوم وصفت شخصية المصور: بدا كابا مغموراً بالضباب، سيجارته في طرف فمه، لم تفارقه زجاجات الشامبانيا ولا ابتسامته أو كاميرته الـ”رولاي”. رموز أوحت بحضوره.
قصة كابا المصورة عوّضت خسارة صوره عن إنزال الحلفاء بسبب خطأ تقني لعامل المختبر في لندن. أُنقذت صورة واحدة مرتجّة من أفلام عديدة كان قد صوَّرها، هي الوثيقة البصرية التي إنطلقت منها الرسامة برتاي لتجعل من إستحالة عودة الصورة الفوتوغرافية بالزمن إلى الوراء ممكناً، لكن عبر القصص المصوّرة.
إنطلق مورفان من وثائق مكتوبة، بحث عن الإنسان داخل المصوِّر، الإنسان الذي ربما أوصلته الصدف إلى المهنة الأخطر، فصنع أسطورته بنفسه. عن قدرة القصة المصورة على مزج الحقيقي بالخيالي، قال مورفان: “لأنه من الصعب سرد الحقيقة، إعتمدت على مراجع تعيد تكوين ونسج العقد الغامضة في حياة بعض المصورين، أدخلت مقاطع إعتراضية، مثل “الفلاش باك”، خصوصاً أن حياة المصور مليئة بالمغامرات الحقيقية. من المصورين من غطى 5 حروب وربما أكثر، والتقى بعدد كبير من المشاهير، وتنقل بين القارات، مسرعاً إلى قدره المأساوي. القصة المصورة وحدها قادرة على استعادة مرئية للماضي والعودة إلى منابع الأسطورة. إنها نماذج مدهشة، خلاصة التحقيق الصحافي المصور كما روجته “ماغنوم”. التصوير الصحافي مهنة تعلمنا ما لا نرغب في تعلّمه”.
لم تتبن القصة المصوّرة زاوية نظر المصور، بل إختارت زاوية مواجِهة له، لعدم جواز النسخ، ولأنها لا تضيف جديداً على صورة فوتوغرافية من زمن فائت. تركز الإهتمام على تخيّل سياق الحدث. الصورة الفوتوغرافية لا تكون بالضرورة جلية الوضوح، لأن عليها أن تظهر – بعكس نقاوة المرآة- الفوضى والمخاطر والعزلة الإنسانية، لذلك حافظت القصة المصورة على تلك المناخات.
سِير حياة مصوَرة لم تخرج عن سلطة الرمز. وجوه الصور يستحيل اعتبارها حيادية. خلف كل مصور إنسان ملتزم، يبقى نشاطه المهني هو حقيقته الكبرى.
___
*المدن