*نـجـيـب طـلال
خاص ( ثقافات )
تـرصـد مبــدئي:
من خلال ترصدنا للعـطاء الإنتاجي للصديق المبدع: جمال الجزيري؛ نجده غزير الإنتاج على مستوى النشر الإلـكتروني؛ وليس هو الوحيد الآن الذي أقـدم على هاته التجربة؛ بل المئات من الكتاب والمبدعـين؛ الذين يراهنون عـلى المستقبل؛ وعلى نشر المعرفة؛ دونما تهافت مادي / تجاري؛موزع بين بعـض الحقول الإبداعـية والفكرية ؛ القصة / ترجمة/ شـعـر/…./ وذلك نتيجـة فيض معرفي وفني؛ أراد تصريفه فيما يفيد؛ وبالتالي حاول قدر الإمكان، إبراز ماهـية ومفاهيم شعر الهايكو؛ وهذا ما لم يستطع إليه من دخل هاته المغامرة؛ إضافة لمحاولته الجـريئة في قصة الومضـة؛ وهذا ليس انتقاصـا لمن حاول ويحاول إنتاج ؛ أنماط شعرية/ قصصية؛ على المنوال. لكن في حالة المبدع جمال الجزيري؛ فيلاحظ عليه أنه مهووس بذلك؛ حتى أنه يعبر عن ذلك العشق؛ في كتابته القصصية بشكل واضح ؛ دون اختباء وراء ضمير[ الغائب] أبرزها في مجموعته القصصية [في انتظار العاصفة] (1) قرأت قـصيدة وجـدت إن النور اخذ يدب في المكان ….فـيـظهر شعاعٌ هــنا أو شعاع هـناك فـأخذتُ أندمج في القراءة/ ربما كان قـد استمع إلى قصيدة من قصائدي بالندوة/ حاولتُ أن أسترجع كل القصائد التي ألقيتها أوبالأحـرى قـرأتها عـلى المنصة /(2) ولكن يعـبر عن هـوسه بشكـل أيقـوني: : استمتع بسخونة المياه ؛ بتدفقها؛ بدغـدغاتـها بهـمساتهـا ؛ وفي ظلام رموشي المسدلة أرى قصصا وقصائد (3) فهذا المقطع؛فيه مـا فيه من الدعابة ؛ ولكن ضمنيا تكـشف عـن آلية التمكن من إبداعاته ألمرفقة أساسا بصدق الإحساس. والتي تعبر عنها لفظة[ السخـونة ] وبالتالي فمعـظم قصصه تصل إلى مرحلة التقمص؛حتى أنه يشير لأحدى قصائده ( مسافات ضوئية) في هامش القـصة . وهـذا مـا يفـسر حضور الذات ضمن السرد القصصي؛ ولكن المفارقة تتمثـل:بأن دواخله وذاكرته هي التي تكتب. مـا تـستطيع أن تكتبه ؛ سواء من حيث التذكر ؛ تذكر الحـدث وتصوره أو معايشة الموقـف في أغـلب جوانبه.
وبناء عـليه ؛ فمن الـبدهي أن التفاصيل كـلها أو أغـلـبها أو بعض الشخصيات تكـون؛ فنية تخيلية . والـذي يتحـكم في تصوراتها فضاء موطنه ونشأته ؛ وأحداث الربيع العربي: لأول مـرة أحسست على أرض هذا البلد ، أحسست بأنني لازلت في بلدي؛ وعلى أنني على ألفة شديدة بالمكان؛ ربما لطبيعته الدينية أو الروحانية ؛ وبرغم ألفة المكان. وجدت الحنين ينمو داخلي نحو بلدي نحو الشوارع والوجوه، نحـو المقاھي والمطاعـم نحو النيل؛ نحو أرض ما عـدت أزورها إلا قليلا(4) تلك الأرض التي يقصدها موطن ولادته وتربيته (جـهينة – محافـظة سوهـاج – )
الـــــبــدء
***********
فمن الطبيعي؛ أن الحكي يستلهم المرء؛ وخاصة فيما مضى وفي القرى والمد اشر؛ لانعدام وسائل الترفيه وما شابه ذلك؛ وبالتالي ففي حالة المبدع – الجزيري- يحدد بدء استلذاذه بالحكي عن طريق جـده : كنا نتجمع حول راكية النار، نستدفئ بينما يحكي لنا جدي – رحمه لله – “حواديت” ألف ليلة وليلة….. نجلس فـي الصيف على “الحرام” أمام سور البيت نسمع حكايات (5) فهذا المشهد معـروف في الفضاءات البدوية التي يحلو فيها السمر والمسامرة ؛ ولكن صياغته بنوع من الإيجاز والتكثيف؛ هنا الآمر يختلف بأن أدوات الحكي مكتسبة ؛ وفيها من عمق الصنعة ؛ ما يسمح لتحقيق أهداف الحكي. وهذا نجد تفسيره بين حكي الجد وتنبيه الأم : أمي تحسسني كيف تكون الحكايات أليفة مع مسامعي وكيف يتغاضى المرء عن أنانيته وذاتيته من أجـل الآخرين(6) ممـكن أن تكون هنالك مبالغة ؛ نظرا للوضعية الفكرية والثقافية للمرأة العربية / البدوية؛ ولكن حدسها وذكاءها الفطري؛ كان ولازال يفوق المرأة المتعلمة ؛ وهنا أوكد بأنها قصص واقعية في مادتها الخام، لكن استحضار الحدث وكتابته؛ فمن البدهي سينـقل بمنظور خاص؛ ذو نكهة سردية ؛ لبـناء تصوير إلى حـد مـا صادقا وموضوعـيا لإفرازات الحياة المتوترة والصاخـبة، التي يحياها الإنسان. ولهـذا فاستحضار الجد والأم ؛ كدعامتين ومنطلق لإسلتهـام دروب الحكي أمر؛ وإن اختلفنا حوله؛ فهو واقع موضوعي انطلاقا من البنية الاجتماعية للأرياف ؛ والذي يزيد واقعية ؛ استحضار – الأب – بصورة أخرى ؛ تأكيدا لما في حمولة ذاكرة السارد من صدق: لم يكن أبى يفرغ ليحكي لنا فقد كان يعمل طوال النھار بالغيط ليطعمني وأمي وإخوتي العشرة(7) فمن الطبيعي أن يعكس الكاتب أبعاد واقعه، سواء عن طريق رصد معالم واقعه الباطني بالنظر إلى دواخل الذات الإنسانية، أو عن طريق تسجيل أبعاد عالم خارجي؛ تتحدد عـن طريق الاتصال بالسلوك الذاتي للإنسان.وهـذا يعطينا قناعة لتمظهر الذات في الحكي بشكل مباشر؛ ولكن ليست تلك الذات المتضخـمة بنرجسية[ الأنا] المريضة؛ بل تلك الذات المكشوفة بخطابها الفاضح؛ لواقعها وفضائها دونما رتوش؛ من ناحية المعـطيات؛ ولكن المجال القصصي؛ يحتاج لمهارة ودربة؛ كي لا يقع الكاتب في الغموض والسقـوط في الوصفـية الممتدة والفـجة وغـير فـنية ، بـل محاولة لتحـقيق صور جمالية وما يستتبع فنيات القص أو السرد؛ لإبـراز العلاقة الوطيدة التي تربط واقع الإنسان – بمفهومه الشمولي- وبين واقع خارجي يعيشه من ناحية، وبين الحياة برمتها، عبر دوافع محددة منبعها النفس الإنسانية ؛ هـذا ما نـجده؛ في العديد من مجتمعه؛ لكن الذي لفت نظري؛ إعادة نشره مجموعة قصصية[فتافيت الصورة ](8) من الورقي؛ للإلكتروني؛ دونما تعديل للمتن القصصي؛ كما يفعل البعض. باستثناء حـذف الإشارات الأولى؛ من بينها إحدى مقولات [ عثمان العنتبلي] التي اختارها كواجهة لمجموعـته القصصية الأولى؛ وفي نفس الوقت؛ تكشف ضمنيا عن تصوره وإيمانه للإبــداع والتي مفادها: إن الفـن الحقيقي ليس للزخرفة والجمال والتنميق والطرب؛ بل للشعوب وخدمتها وصلاحها ولا خـير في لا يخـتلط بالغمار الشعبية؛ ليعبر عـن وأمالها.. تلك مهمـة الفنون في هذا الوقت؛ أما غير ذلك فـعبث وهـزل ولهـو؛ لا جـدوى له ولا طائــل(9)
بـين الـواقـع والتـذكـر
===============
فمن خلال المقـولة ؛ فنصوصه يغلب عليها حدة تبئير الصور؛ بعيدا عن الزخرفة والجمال والتنميق والطرب؛ وبالتالي فالتذكر سمة من سمات الفعل القصصي؛ وخاصة في جانبه الطفو لي؛ الذي يشخص أدق التفاصيل وبتذكر دقيق ؛ بين الموقف وأحداثه وشخوصه ؛ ومن ثمة استغلاله قصصيا؛ ولكن في حالته فالتذكر يقوم بكشف واقع مأساوي؛ وإن كانت الضحكة والابتسامة تسود فيه؛ لكن بواطن النفس البشرية؛ جـد متذمرة؛ كما هـو وارد في[ ما أجمل ھهذه القيامة ! ] (10) التي تحمل علامة التعجب؟
والتعجب مرتبط هنا بالتذكر لواقع عاشه المؤلـف. مـكـرها نتيجة؛ ما أنتجه محيطه من أحداث ومـواقـف. لأن أغـلب متون هاته المجموعة ؛ تشير بشكل دقيق لـعـمره المحـدد في11 سنة آنذاك: هيا اخرجـوا ياعيال؛ لا توجد دراسة اليوم؛ ستذھـبون لجني القـطن في غيط الأستاذ شعبان. كنا فرحين بأننا سنخرج مـن هـذا البيت الممل ولن نشم روائح روث البهائم في الصف الأخر؛ الذي لم يتحول إلى مدرسة
– من سيجـني القطن سيأخذ خـمسة قـروش في اليوم(11) يـبدو أن الصورة كاشفة عـن نفـسها؛ من زاويتين؛ زاوية استغلال التلامذة وبشكل بشع وأثناء دراستهم؛ يعـد جريمة إنسانية؛ وهـذا الاستغلال وارد في أغـلب المناطق القروية بالعالم العـربي؛ مما يساهم في وضع تعـليمي متردي في القـرى والأرياف؛ والذي تكـشفه كذلك بنيته ومسلكيات أساتذته ؛ واستهتارهم ؛ الذي يعطينا الزاوية الثانية وهذا ليس مقتصرا على الريف؛ بل حـتى في الحاضرة؛ وفي نطاق أكاديمي :انتظرناه ربع ساعة. من يجلس ساعتين خلف دكتور يعطينا ظھـرَ ه ويشرح مع نفسه ما يعـرضه البروجكتور، وإن سألناه سؤالا عـن شيء لا نفھمه، يقرأ لنا المعروض على الشاشة؟ (12) فهاته اللقطة؛ كافية عن التعبير؛ والتي تصور إطارا أكاديميا ! كـثيرا ما يتغيب عن عمله ! وغير عابئ بطلبته وتحصيلهم ! فكيف سيكون مستواهـم ؟ ؟ فالجواب عـن سؤالنا نجده تحصيل حاصل في: تصدَّقْ علينا بنصف الدرجة. الامتحان صعب وأنا لا أعرف كيف أجيب على أي سؤال.(13) ومثل هاته الصور؛ متغلغلة جوانية تعليمي؛ مما أصيب بأزمة وفشل ذريع ؛ ومنتجـا مظاهـر سلبية تهدد المجتمع بالانحطاط ؛ وإن كان هنالك نوع من الانحـطاط أوالتخلف الفكري ؛ الناتج عن الخرافات والأوهام: ستقوم القيامة إذا الأربعاء 4/4/1984 الساعة الرابعة عصرا. انتشر ھذا الكلام في القرية كعاصفة تقتلع كل الأشجار وتدك البيوت. يا ليتھا قامت من زمان….. في الفسحة وزعوا علينا التغـذية كـلها ولم يأخذ كل أستاذ مـنـها إلى بيته شيئا.
– ما أجمل هـذه القيامة(14) حقيقة هاته القصة التي توثق نفسها بنفسها؛ لتذكية حضور الواقع من خلال التذكر؛ بأنه فعلا شاع خبر يوم القيامة؛ ولكن إبداعيتـها فاقت التصور؛ بحيث تجسد الخوف وقيم التسامح ومظاهر الارتباك وأحوال أهل القرية؛ وهروبهم جهة الوادي؛ فيوم القيامة ؛ جاءت نتيجة روايتين ؛ رواية ترتبط بإشاعة؛ وما أخـطـر الإشاعات في مجتمعنا [ المتخلف] والرواية الثانية؛ نتيجة، كارثة – تشرنوبيل – في الاتحاد السوفييت سابقا؛ فاضمحـل البرنامج [النووي المصري] الذي كان قد اكتمل وعلى وشك الانطلاق عام 1984؛ وكلا الروايتين يندرجان في إلـهاء المواطن عن قضاياه الأساسية والضرورية؛ فإعـداد برنامج نووي؛ وواقع القرى أسوأ من المدن: ستصل الكـهرباء إلى قريتكم؛ ستشتري تليفزيونا مثل تلفزيون الحاج محمود أو تلفزيون الذي تشاهد فيه مسلسل أنا البردعي يارشدي؛ الذي تتفرج عـليه من شباك المقهى أمام مدرسك؛ مسلسل الأرض…… بدلا من هـذا الراديو الذي لا يتكلم إلا في حرب العـراق و إيران (15) فأحداث ومواقف التي تحملها نصوص القاص والشاعـر- جمال الجزيري- رغم إحالاتها الضمنية الرامزة والاعتناء باللغة ومحاولة اللعب بها؛ فـشفرات ( أي) نص؛ يكشف عـن نفسه ؛ بحكم الانغماس الكلي في بنية الواقع وتراكماته ؛ كنص ملامح/ التلبس/ مشاطرة /عـود كبريت/…/ ويبدو أن أقـوى حمولة نصية؛ في بعض مجامعه القصصية، تتجلى في تعـرية قناع المجال الثقافي والفكري؛ والذي يحمل هالة وقوة تاريخية؛ ولكن يتبين أنه أكبر بنية تعيش المدنس في حركيته وممارسته؛ والذي لا ينفـصل عن ممارسة ما يقع في بقاع العالم العربي: فھناك ناشرون يطالبون باقتسام الجائزة مع المبدع،
وأضاف أنه ملَّ ذلك الناشر الذي تفوز إصداراته دائما في المسابقة…. إذا وافقتَ،سأجعلك تفوز ونقتسم سويا مبلغ الجائزة. وأنا لم أكلِّمك وأنت لم تسمعـني. (16) وهاته الظاهـرة؛ يعاني منها العـديد من المبدعـين والكتاب؛ بـين أمام مرتزقة الثقافة[ أشباه] المفكرين والمثـقـفـين؛والذين دائما يـتواطـؤون مع الجهات الثقافية ومؤسساتها الرسميـة أوما يشبهها ؛ وبين طـمـع النـاشرين وامتصاص دماء جيوبهم !وخاصة الكتاب والمبدعـون غـير المتملقين والمنبطحين؛ لمنظومة المؤسسة أوللسماسرة أو لنماذج تدعي المعرفة وتتطاول عـلى الـمشـهد ورجالاته بدون إبداع نوعـي أوامتداد تاريخـي مثل هـذا الذي يقـول: كيف تتحدث فقط عن ثلاث قصائد من قصائدي؛ وأنا الذي نشرت سبعة دواوين حتى الآن؟….. أنـا الحركة والحراك ؛ ألا تر ى أنني أجسد كل المدارس الشعرية ؛ بداية من اليونانيين حتى قمة الحداثة على يد أليوث ؟ …..وأنا أحصر صورته برأسي في قصائده الثلاث(17) فما أكثر مثل هـذه العينات / النماذج في كل الأمكنة؛ والمثير أنها تتقلد دائما الصفوف الأمامية؛ وحاضرة في كل الأنشطة الثقافية؛ كمشاركـة وليست فرد من المستمعين أو الجمهور؛ ندرك أنها طباع بشرية؛ ولكن في مجال غير الفكر والإبداع ؛ ولكن كما يقال المصيبة إذا عمت هانت؛ حينما نجـد صنفا آخر من ذوي [ الفكر / المعرفة] يستولون ويسرقون؛ جهود الآخرين بدون وجه حق أو شرعية: لكنني عندما وجدته يسرق؛ كتابي الذي أدرِّسُه في القسم نفسه؛ ويزيل غلافه ويضع عليه اسمه، لم أستطع أن أحتمل سرقة نزيف رأسي،……. هــو قـا ل: – سأُفصَلُ ؛ سيُشرَّدُ أولادي؛ ستكون فـضيحة (18) فالمؤسف جـدا أن هاته الظاهـرة تفاقمت بشكل فظيع؛ بوجـود المواقع الثقافية عبر الشبكة العـنكبوتية ؛ إذ لم يعـد الاحترام والتقدير لمجهودات الآخرين؛ سمـة أساسية في مجتمعنا؛ فمن هنا نلاحظ بأن – مرارات – يصاب بهـا كـل مـبدع أو باحث؛ حينما يجد نزيف وعـصارة فكره؛ منقولة باسم من لا يخجلون من أنفسهم [ !!] و بالتالي هنا يكمن الدور الأساس للإبداع ؛ إبداع يعري زيف ماهـو كائن مظاهـر الفـساد وعلاقات مساهمة في الإفساد ، ملامسا الواقع في تشخـيص مشاكله وأمـراضه؛ وإن كان يعـتمد الخـيال والـتـخـيل .
بين الـواقع والإيحاء
****************
لا خلاف ؛ بأن فنون القول ترتكز أساسا على الإيحاء؛ الإيحاء الايجابي ومن خلاله تكمن عبقرية اللغة؛ عبر سراديب الحـكي والسرد؛ ولا فرق بين قـصر( القصة) أو ربعها أونصفـها… حينما تكون مكونات الجنس الأدبي مكتملة البناء الفني والموضوعي ؛ فذاك إبداع وإمتاع ؛ لأن أمامنا تراث زاخـر من البلاغة والإيحاء والرمز والترميز والتكثيف والسخرية والتهكم والإيجاز.. وذلك في المستملحات والطرائف والنوادر قـديما . ولدينا المئات من الكتب النفيسة في هذا المجال؛ قرينة بمجال القصة القصيرة أوالقصيرة جـدا أو الومضة أو الشفرة ؛ وبما إننا نناقش نصوص الكاتب – جمال الجزيري- فلا بأس أن نشير إلى هاته القصة/ الناذرة: جاء رجل نبيل كبير اللحية إلى الأعمش ، فسأله عـن مسألة خفيفة في الصلاة ، فالتفت الأعمش إلى أصحابه وقال : انظروا إليه ! لحيته تحتمل حفظ أربعة آلاف حديث ، ومسألته مسألة صبيان الكُتاب (19) فالهدف من هاته الإشارة؛ أن كل قـاص عـربي يحاول تنظـير ويسعـى لتقعـيد القـصة القصيرة / الومضة؛ انطلاقا من منظور ومناهج وتنظيرات غربية؛ وبناء عليه؛ فالأحداث والوقائع التي يعـيشها العالم العربي؛ ركام من الحكي والقصص؛ فـرض نفسه على الإبداع ؛ باعتبار أن الربيع العـربي لـم يحقق لما استنهضت الشعـوب حوله؟ فانتهى به المطاف إلى نهاية مخـيبة للآمال وتحول الواقع إلى وضع سوريالي جد معقد: سخرتُ في سرِّي لـظني أن الثورة اندلعت ولأنني أوقفتُ حركة سيارتي للمشاركة فيھا(20) وأكثر سوريالية؛ تلك الجثث والأجساد التي ترامت في كل الأمكنة وتلك الدماء الجاريةو النـازفة في الأقبية والشوارع والحواري؛ والتي تحولت لبـرك ومستنقعات؛ تعايش معها المواطن والثوري والمسالم ؛ إنه وضع طبيعي في حالة الثورات والانقلابات؛ ولكن لابأس إن كان الأمر مشرقا؛ وهادفا لما تحركت إليه الجماهير.ولكن الوضـع أمسى : تفجيرٌ. بصائرُ نازفةٌ. بؤسٌ. بوَّ اباتُ سجنٍ ومقابرُ . تفجيراتٌ. طريقٌ مُنْحَسِرَةٌ. حسراتٌ. قلقٌ صاعدٌ في الأُفُق(21) فطبيعي أن يسيطر القلق عقب الأحداث؛ نتيجة انقلاب الوضع كليا؛ لوضع سوريالي غير واضح الاتجاه والمدى والأغلب الأعـم يقـول ويصرخ كما :: ” قـال: دم المؤمن على المؤمن حرام”، ثم ألقى السلام على جندي مسعـور يمشِّط الميدانَ فانصرف(22) فهاته الصورة البشعة التي تتكرر يوميا؛ وتكررت في نصوص المجاميع القصصية ك/ رصاصةٌ عاجلة/ قـهـر/ غارقٌ في دمِه /انتحار/…/ مما انضافت عـوامل أخرى وجد معقـدة من القلق؛ عوامل سيكولوجية؛ عقائدية؛ فكرية؛ بحيث يلمح إليها بشكل جد مكثف ؛ المبدع – جمال الجزيري: تكفيرٌ، تخوينٌ، ترهـيب، انفجارْ . جفافٌ، شحوبٌ، صوتٌ، رؤيا(23) وعلى هـذا المنوال تـلمح العديد من القصص كوقوفٌ مؤقَّتْ /وما به البكاء؟!/ فراغٌ / اغتصاب (2)/ نبضٌ خارجٌ/ ظـلام (2)/ أرضُ نسيانٍ /زفتٌ/ دخلاء/ انشطار/ سِرياليَّةٌ غيري/ انحسار المدى/ انفجار غـباءٍ /…/ تكشف عن الوجه البشع ؛ لما آلت إليه الأوضاع ؛ وتمظهـر مظاهر جديدة وغريبة عـن المجتمع العربي برمته مثل : الاغتصاب بمنظور آخـر: سلِّمْني بنتَكَ وإلا ستموتُ كافرًا. – ولو سـلمتها هـل سأموتُ مؤمنًا؟ – لكَ أجرانِ دينُكَ ودينُ أشكالِكَ(24) فالجميل جدا؛ كل الإيحاءات التي حملتها النصوص؛ تستخلص في توظيف التاريخ العميق للرومان؛ من خلال قصة [ أبنـاء بروتس] اخترناك اخترناك. ؛ بــدلتنا لائقة عليك. اخترناك، اخترناك. أنت الأمين والعزيز والمأمون. غيرك الممثل والمندس والمأجور. اخترناك، اخترناك، فلا للبلد عَلَمٌ سواك، ولا للقِلَّةِ مُرَبٍّ سواك(25) فهاته الاستعارة؛ أروع ما فـكر فيه المبدع – الجزيري- لكي يعطي للقارئ المفترض؛ شحـنة البحث والاستقصاء؛ لكي يصل بأن بروتس” كان ربيب الإمبراطور “يوليوس قيصر”و يعـيش في كنفه وينال من عطفه ورعايته وحـنانه ؛ ورغم ذلك سـاهم وشارك في المؤامرة التي دبرها مساعدو قيصر،وانقضوا عليه § وقد أشهروا سيوفهم عـليه. وعندماتبين له أن “بروتس” كان واحدا منهم التفت إليه قائلا: “حتى أنت يا بروتس؟ ومن الطبيعي أن بروتس خلـف أبناء في كل مرحلة تاريخيـة؛ يمارسون ما مارسه في حـق الإمبراطور الروماني؛ لكي تنهار الإمبراطورية؛ وفي الربيع العربي؛ انهار كل شيء وأمست حكاية الواقع كحكاية السارد الذي يقول: ولكن زماني تحول صفرا؛ أدركت أنها لن تصل إلي؛ وأن الزمن الصفر اقترن بالمكان الصفر؛ وأنني الآن لا أستطيع أن أغادر مكاني؛ وصوتي يضيع وسط شوشرة مكبرات الصوت التي توزع صوت ذاك العادل؛ في كل الاتجاهات(26)
الإحــــــــــــــــالات:
1) في انتظار العاصفة: لجمال الجزيري تصميم الغلاف: المبدع محمود الرجبي عن سلسلة القصة العربية المعاصرة ( 154) دار كتابات جديدة للنشر الإلكتروني- ط 1/ 2016
2) – قــصة عــيون موقوتة ص نـفس المجموعـة
3) – قـصة عمار ص30 – نفس المجموعة
4) قـصة لغة النعناع ص47 نـفـــســـهـــا
5) من مشهـد جانبي- لجمال الجــزيري قصص قصيرة جدا- قصة حكايات /ص 5- ط 1- حمارتك العــرجا للنشر الإلكتروني/ مايو 2015 تصميم الغلاف: المبدع محمود الرجبي
6) قـصــة عــلامات ص4 نــفـــس المجموعـة
7) قـصــة فـراغ ص 6 نــفـــســها
8) فـتافيت الصورة – لجمال الجزيري الناشر الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهـرة/2001
9) نــفس المجموعــة القصصيــة – ص3
10) ما أجمل هــذه القيامة!: جمال الجزيري قصص قصيرة- تصميم الغلاف: المبدع محمود الرجبي عن سلسلة القصة العربية المعاصرة(152) دار كتابات جديدة للنشر الإلكتروني: ط 1- أبريل 2016
11) نــفـــســـها – قصة تغـذية – ص5
12) قصة ظهـر ص39 عن مجموعة في انتظار العاصفة
13) قصـة خـطأ مـــا ص38 عن نفس المجموعــة
14) قـصة قـيــامة ص9 نــفــسـها
15) قـصة أن ترى الحياة بالألوان ص56 نــفــسـها
16) قصة – مُحَكِّم – ص 11/12 عن مجموعة:اخلعي حذاءَكِ يا سيدتي: قصص قصيرة. دار كتابات جديدة للنشر الإلكتروني: ط 1، نوفمبر 2015
17) ص 33/34عـن مجموعـة في انتظار العاصفة
18) قـصة مرارات ص13 عن مجموعة:اخلعي حذاءَكِ يا سيدتي
19) كتاب: نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء- لشمس الدين الذهبي – تحقيق – محمد بن حسن بن عــقــيل موسى الشريف ص 250 ج 2 الناشر: دار الأندلس الخضراء
20) قـصة أمام الحصان ص22 – عن مجموعة:اخلعي حذاءَكِ يا سيدتي
21) عدسةٌ ونظرةُ عينٍ – ومضات قصصية، لجمال الجزيري، طبعة أولى، مايو 2015 – قـصة: قلقٌ في الأُفُـقِ ص 20
22) أھلا بكم في زعامة الخراب، قصص قصيرة جدا ص32: دار حمارتك العرجا : ط 1، سبتمبر 2015
23) قـصـة- انفجارُ يقــينٍ ص30 عـن مجموعـة: عدسةٌ ونظرةُ عينٍ نفس
24) قــصة اغــتصاب (2) ص 30 نــفــســـهـا
25) أبــناء بروتس ص13 عن المجموعـة – في انتظار العاصـفة
26) قصــة مـكان الصـفر ص8 في انتظار العاصفة