*موسى إبراهيم أبو رياش
خاص ( ثقافات )
أنهيت قبل أيام قراءة مجموعة قصصية بعنوان “قصص قصيرة جداً” للقاص السوري عدنان كزارة، الصادرة عن “كتاب الرافد” رقم 117 مايو2016، والتي تقع في 184 صفحة من القطع الصغير، واحتوت على 75 قصة قصيرة جداً، مع تقديم طويل للدكتور صالح هويدي. وأسجل هنا ثلاث ملاحظات سريعة على المجموعة:
– عنوان المجموعة “قصص قصيرة جداً” يعني ضمنياً عدم اعتراف الكاتب بأي مجموعة سبقت مجموعته، وأن مجموعته وحدها هي التي تعبر عن هذا الفن السردي، على الرغم من صدور مئات المجموعات القصصية العربية التي تمثل هذا الفن طوال ثلاثين سنة وأكثر، ولم تحتكر أي مجموعة ريادتها وسبقها وتمثيلها الوحيد لفن القصة القصيرة جداً. الأمر بحاجة إلى قليل من التواضع والاعتراف بجهود الآخرين!
–
– لم أجد في المجموعة إلا عدداً محدوداً جداً مما يمكن أن يُعدَّ قصصاً قصيرة جداً بالمعنى المتعارف عليه. أما معظم النصوص فهي مجرد مشاهد أو حكايات أو معلومات أو أخبار أو … مما لا يمت لفن القصة القصيرة جداً بصلة. حقيقة: ليس كل نص نثري قصير قصة قصيرة جداً!
–
– أسجل عتبي الشديد على الدكتور صالح هويدي الذي أسهب في تقديم المجموعة في 23 صفحة بما يوازي 40 قصة قصيرة جداً على الأقل من حيث عدد الكلمات، وأفاض عليها من عبارات المديح والثناء مع قليل من الملاحظات النقدية، وربما هي المجاملة بداعي الزمالة والصداقة ما ألجأته إلى ذلك، ولكن هذه المجاملة قد تكون مقبولة في أمسية أو جلسة ودية أو رسالة، ولكنها تكون إدانة له عندما تكون تقديماً للمجموعة. التقديم: شهادة، والشهادة أمانة ومسؤولية.
وفيما يأتي ثلاثة أمثلة من نصوص المجموعة … اقرأ واحكم!
محرّر المرأة (ص37)
اهتمّ أحد الشعراء المعاصرين بتحرير المرأة، كان يردّد دائماً هذا الشعار : “سأخلّص المرأة من أضراس الخليفة ، وأسنان رجال القبيلة” ، كبِر الخليفة، وتقلّعت أضراسه ، ولم يعد يستطيع تقطيع لحم المرأة بأسنانه، لكن الشاعر ظلّ مصرّاً على تطبيق شعاره المشهور ؛ فقد صار بإمكانه أن يخلص المرأة، ويسحبها عارية من فم الخليفة الأدرد ، ويضعها في المنسف، ثم يمضغها بأسنانه القوية، ويلتهمها من رأسها حتى أخمص قدميها .
حوار وسيناريو (ص43)
تعوّد مشاهدة الأفلام الأجنبية مع ابنه الشاب، في نهاية الفيلم يدور بينهما نقاش جادّ. أمّا هو فينحاز للحوار، ويبرز أهميته في إنجاح الفيلم. أما ابنه فيميل إلى السناريو ودوره في صنع المواقف المثيرة. على صعيد الواقع كان يثور بينهما خلاف في وجهات النظر، وبالرغم من قوة حجج الوالد اللفظية المعتمدة على الحوار فإنه لم يستطع مرة واحدة أن يغيّر موقفاً من مواقف ابنه المعتمدة على السيناريو.
العدد 10 (ص103)
كان في المقهى عشر طاولات، حول كل طاولة عشرة من الأشخاص، كل واحد يسمح له بعشر كلمات، يشترط في كل كلمة ألا تتجاوز أحرفها أحرف الزيادة المجموعة في كلمة (سألتمونيها). يجري هذا الطقس في العشر الأواخر من كل شهر. أما تلك الكلمات فهي: “لم يبق في الجيب سوى عشر ليرات من راتب الشهر”.
وبعد… فمما لا شك فيه أن كثيراً مما يُنشر تحت مسمى “قصة قصيرة جداً” لا علاقة له بفن القصة القصيرة جداً إللهم إلا من حيث الطول، مما يتطلب جهوداً نقدية مكثفة لغربلة هذا النتاج، واستخلاص السمين من الغث، ووضع أسس وقواعد وملامح واضحة لهذا الفن الذي كثر أدعياؤه، وقلَّ مجيدوه!