*يسرا سمير
(القراءة بالنسبة لي نوع رخيص من المخدرات!).
الجملة العبقرية الشهيرة للدكتور أحمد خالد توفيق التي أدرجها مرة على لسان أحد أبطاله، والتي تلخص علاقة أغلبنا بالقراءة، وتجعلنا نراها من منظور مختلف بعض الشيء..
أنا أؤمن بأن القراءة والمعرفة -بشكل عام- هما الدواء لأي داء، ولكن مَن قال بأن فوائد القراءة تقتصر على المعرفة فحسب؟!
إن المعرفة -وإن كانت هدفاً سامياً بالطبع- إلا أنها ليست المكسب الوحيد، فالقراءة تهدف لإثراء الخيال، وتوسيع المدارك، وتحقيق التوازن الداخلي الذي يحتاجه كل شخص بأن يفهم أكثر… ويعرف أكثر… ويطمح أكثر.
من الصعب التخيل بألا يرى المرء سوى العالم الذي نشأ فيه وتربى داخل أسواره، ومن المحبط ألا يكون باستطاعته أن يحلق بخياله خارج السرب المألوف، وأن تبقى مداركه العقلية مقيدة بحدود حياته البسيطة التي لم يعرف غيرها!
بل إن الإبداع -على اختلاف صوره – مرهون بالخيال، وكيف سيحظى بالخيال من لم يقرأ في الأدب والفن والسير الذاتية لأعظم الشخصيات على مر التاريخ، والجغرافيا وما يرتبط بها من عادات وتقاليد الشعوب المختلفة!
كيف سيحظى بالخيال من لم يغُص مع (دستويفسكي) في عوالمه النفسية المعقدة، ويقرأ لـ(شكسبير) قصائده الحماسية القوية لغوياً ومعنوياً، ويعيش في عوالم (ديكنز) القصصية الرحبة؟!
كيف سيبدع مَن لم يصغِ لتأملات (مصطفى محمود) الفلسفية العميقة في الدين والحياة، ومن لم يستمتع -في أمسية صيفية دافئة- بصحبة شخصيات مصرية شديدة التنوع في الخصال والأفعال بروايات (نجيب محفوظ) العالمية، من لم يستشعر الرومانسية في أرقى صورها مع -الثائرة- (أحلام مستغانمي)!
إنها القراءة التي ستضمن لنا كل ذلك وأكثر….
ستسافر بنا عبر الصفحات الأثيرة إلى عوالم وأزمان أخرى لم نكن لنعرف عنها شيئاً لولاها… ستضيف إلى عقولنا عمراً جديداً لا يقاس بالأرقام، وستشبع فضولنا الفطري تجاه العالم والحياة.. والناس أيضاً.
ولطالما حلمت بأن يعالج الناس بالقراءة -كل على حسب حاجته- كما يعالجون بالأدوية، والجلسات الجماعية، والصدمات الكهربائية!
ومَن يدري؟!!..
ربما يتحقق ذلك يوماً ما بالفعل!
فالقراءة دائماً ما تظهر لنا الجوانب الخفية في ذواتنا، والتي يطغى الزحام وصخب الحياة عليها فلا نكاد نعرفها، أو تكبتها التقاليد والعادات الموروثة منذ مئات الأعوام فنخاف من إظهارها، أو ندفنها نحن بأنفسنا قهراً؛ لأن هذا ليس ما يريده الآخرون لنا!!
مع القراءة نصبح أحراراً تماماً لنحلم كما نشاء، ونكون كما نريد، وأن نعيش -ولو لبرهة- خارج حدود الزمان والمكان والناس..
ولطالما آمنت أيضاً بأن القراءة هي المتعة الأزلية الصالحة لكل وقت، وأنها أفضل بكثير من مشاهدة مباراة، أو التسوق، أو تصفح حساباتك التي لا أول لها ولا آخر على مواقع التواصل الاجتماعي!
والمميز بشأن القراءة أيضاً أنك ما إن أحببتها، لن تمل من صحبتها أبداً، ذلك بأن هناك دائماً العديد من مجالات الحياة التي لم تقرأ فيها بعد، والعديد من الأماكن التي لم تزُرها بعقلك بعد، والعديد من الحكايات المسلية والملهمة التي لم تسمعها بعد.
لذا… انغمسوا في القراءة.
فالعمر أقصر من أن تقضيه في حياة واحدة!
______
*هافينغتون بوست